* كتب - علي المفضي:
لو أمكننا تتبع مسيرة أي شاعر على مرّ التاريخ فلن نجد في قصائده إلا ما ندر ما يُوحي أنه ردّ بقدر ما أخذ، فالعطاء الذي تمتع به كان ثراً وصادقاً ومنزهاً، كان بلا منة وبلا حساب ودون شروط وبدون طلب، كان غيثاً في موسمه دافقاً عذباً رقراقاً غنياً، تجدب الأرض وتستعصي (فياضه) على العطش.
قطرة منه تنبت وتغذي وتندي الروح، نقي لم تمسه يد التقنية، دائم الهطول، غني المكونات، طبيعي التكوين، نادر النوع واللون والشكل والرائحة، إنه عطاء الفطرة الذي لا يحده حدّ فمن لنا بمانح نادر المنح يتهلل بشراً كلما أحس أننا أخذنا منه أكثر فأكثر بل كلما منح أحس أنه لم يكن عطاؤه كما كان يتمنى..
إنه العطاء الذي يدفعه الحب ويلفه الحنان وتتخلله الشفقة ويسيّره العطف.. إنه عطاء الكبار خلقاً ومنحاً وبذلاً.. إنه عطاء الأمهات الصابرات الراعيات نبات الأبناء لحظة بلحظة، الساهرات لتهنأ الشقيات، لتسعد المحرومات، لتشبع الجائعات، لترتوي الظامئات.
يقول الإمام الشافعي:
وليس أجمل خلقاً من مانح بلا حد ولا هدف إلا الحب المجرد النقي:
عفواً أيها الشعر فأهلك لم يصلوا بعد إلى الطريقة المثلى لكتابة القصيدة (الوفاء) أو القصيدة النموذج التي تعطي انطباعاً حقيقياً عن وفاء الشاعر لأمه.. يقول حافظ إبراهيم:
الأم أستاذ الأساتذة الألى |
ويقول أبو العلاء المعري:
وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه |
أمران بالفضل نالا كل إنسان |
ولكن ماذا عن الأم التي ترى البر والنفع بمنظار هو الأكثر صفاء وهذه إحداهن:
اصخر جنيني بالهدى والمطاعة |
أسهر إلى شفته تذارف دماعه |
وارجيه رجوى من بذر له زراعة |
ومهما كتب الشعراء وأبدعوا فلن يصلوا إلى القصيدة النموذج التي تسجل في خانة عطاء الشاعر.. وهنا نموذج من النماذج الطيبة لسعود بن بندر - رحمه الله - تجاه والدته:
لا كنت أنا لا كان يوم زعلتيه |
وشلون أبرضي خالقي لا زعلتي |
كلش ولا تكدير خاطرك ما أبيه |
كل يهون ارضاه عندي سوى انتي |
ياللي وجودك فارغ العمر ما ليه |
لا تهت في ليل الأحاسيس بنتي |
ولا يفوتني أن أعرج على بيت مشهور لسعود بن بندر أيضاً حيث يخاطب والدته قائلاً:
يا ليتني بينك وبين المضرة |
من غزة الشوكة إلى صرخة الموت |
Ali666m@hotmail.com |