| |
نوافذ جسور أميمة الخميس
|
|
(دينا إنج) هي كاتبة صحفية أمريكية من أصول شرق آسيوية، وتكتب مقالاً أسبوعياً في شبكة (جانيت الإخبارية) تحت عنوان (جسور). وموضوعات مقالاتها تراوح بين السياسي وانتهاء بالعلاقات الإنسانية في المجتمع، ولكن المحور الذي تنطلق منه وتعبر عنه في جميع كتاباتها، هو كيفية مد الجسور العميقة ما بين ثقافتين مختلفتين، وكيفية مساعدة المهاجرين الجدد على التعايش والتأقلم وصولاً إلى مرحلة الفاعلية في تلك المجتمعات. فعلى اعتبار أن من يسمونهم (الأمريكيين الآسيويين) يمثلون أقلية وسط المحيط (الأنجلو ساكسوني) الواسع، فلا بد أن هناك كثيراً من التحديات التي تترصد بهم على مستوى الاندغام والتعايش مع محيطهم، والحفاظ على قيمهم الروحية، والموضوعات التي تخص النساء والأطفال. تقول (إنج): إن مقالي الأسبوعي هو (مركبة) للوصول ولتفعيل لغة التفاهم، وترسيخ كل ما هو إنساني ومشترك بين الثقافتين. تعمل (إنج) أيضاً رئيسة لنقابة الصحافيين الآسيويين، إذ بدأت مستقبلها الصحفي باكراً، ومن ثم نالت درجة الماجستير في الصحافة من جامعة كولومبيا العريقة. ولو تأملنا الحضور الشرق آسيوي في جميع دول العالم لتبدى لنا في الغالب حضوراً هادئاً فاعلاً ومنتجاً ومن ثم به أجيال بسيطة سرعان ما نجدهم يندغمون في تلك المجتمعات ويصبحون جزءاً منهم، ويندر أن تذهب إلى إحدى مدن العالم الكبرى دون أن يكون هناك في أحيائها حي للجاليات الشرق آسيوية تحت مسمى (الحي الصيني). محلياً كان الحج إلى الحجاز رحلة روحانية عظيمة، واستوطن في الحجاز عدد من الجاليات الشرق آسيوية، حيث كان وجودهم طوال الوقت هادئاً مسلماً يندرجون في المجتمع بصورة فاعلة ومنتجة على الرغم من الطبيعة الحذرة والمتوجسة دوماً من الآخر التي تسيطر على أهل الصحراء عموماً، فإنهم يتجاوزون الموانع بدأب وصبر، فيصبحوا أفراداً بكامل الولاء والانسجام، ويندر أن نسمع بينهم أياً من قضايا العنف أو الجرائم الأخلاقية. لعلها الثقافات العميقة والخلفيات الحضارية الواسعة التي قدموا منها تمهد لهم هذه المسارات الواضحة والمحددة والبعيدة عن العنف والكراهية مع قدرة كبيرة على التعايش والانسجام مع الكون.. ضمن اليومي والمتاح. تميزهم دوماً أطباع خجولة ودمثة تجعلهم لا يميلون إلى كثير من الأضواء والشهرة والصخب اللفظي، ولكنهم يفضلون العمل في مساحات ضيقة ومحدودة مع إنتاج غاية في الدقة والإتقان. تقول الصحافية (إنج) عن تجربتها في الصحافة: (أنا أبحث على العالم في داخلي وأكتبه في مقالاتي، وينصب جل همي في الوصول إلى الآخرين وبناء الجسور معهم، وتضيف أن عملها هو نوع من التعويض عن شخصيتها الخجولة، فتختار الاقتراب من العالم حولها عبر المقالات.. جسورها للآخر). تذكرت وأنا أتابع كلامها هنا (جسر الأئمة) الذي تفجر العام الماضي في بغداد، كم هو شاسع الفرق بين من يبذل عمره لمد الجسور وبين من يفخخها ويدمرها ويرمدها ثم يصيح فوق ركامها صيحة الظفر المتوحشة. (إنج) قد تقضي ما تبقى من عمرها في رصف الجسور بدأب وهدوء، وتمتينها ومدها بكل ما يدعمها ويجعلها مجالاً رحباً للالتقاء والتعايش، والبعد عن مواطن التوجس والخوف. ها هي الصين تخلت عن سورها العظيم، بل قفزت عليه وها هي تنفتح على العالم من حولها. وترمي جسورها للضفة المقابلة... وعلى كم هائل من الاحتمالات.
|
|
|
| |
|