البعد التربوي لليوم الوطني للمملكة
التمسك بوحدة الأرض الطاهرة.. اختلاف الأيدلوجيات والمذاهب لا يثنينا عن تقدّم الوطن

*تقرير - الدكتور فهد مطلق العتيبي:
في الثالث والعشرين من شهر (سبتمبر) احتفلنا نحن أبناء هذا الوطن الغالي باليوم الوطني السعودي، حيث تعني لنا هذه المناسبة الوطنية الشيء الكثير. وقد كتب الأدباء والمفكرون والمثقفون عن هذه المناسبة من الناحية الوصفية، وقد أجادوا في الكثير من الأحيان. لكنني لم أر في هذه الكتابات محاولة توظيف هذه المناسبة الوطنية تربوياً، وهو ما يهدف إليه هذا التقرير. إن التوظيف التربوي لليوم الوطني كفيل بتنمية روح المواطنة لدى أبناء هذا الوطن. ومتى تعززت هذه الروح الوطنية نجحنا في الحد من بعض الظواهر السلبية وعلى رأسها ظاهرة الإرهاب.
ما هو اليوم الوطني؟
اليوم الوطني هو ذلك اليوم الذي أُعلن فيه توحيد أجزاء هذا الوطن الغالي على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، فقد تقرر في اجتماع الطائف الذي عقد في 12من جمادى الأولى 1351هـ (10-8-1932م) تحويل اسم (المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها) إلى (المملكة العربية السعودية). وبالفعل صدر مرسوم ملكي كريم مكون من ثمان مواد، جاء في المادة الأولى (يحول اسم المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية ويصبح لقبنا بعد الآن ملك المملكة العربية السعودية).
أما المادة الثامنة فقد جاءت على النحو التالي: (إننا نختار يوم الخميس 21 من جمادى الأولى 1351هـ الموافق اليوم الأول من الميزان، يوماً لإعلان توحيد هذه المملكة العربية).
وعليه أصبح يوم الخميس الموافق 21-5-1351هـ (22 سبتمبر 1932م) يوماً لإعلان قيام هذه الدولة الفتية، وبذلك انتهى الشق الحربي من قصة الكفاح التي قام بها المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
كيف يمكن توظيف
اليوم الوطني تربوياً؟
لنتمكن من توظيف اليوم الوطني تربوياً، يجب على جميع المؤسسات التربوية بدءاً من مؤسسة الأسرة وانتهاء بمؤسسات التعليم العالي استغلال هذه المناسبة لغرس مفهوم المواطنة لدى الأبناء. فالأبناء بحاجة إلى التعريف باليوم الوطني وأهميته لنا كمواطنين. هم بحاجة إلى أن يتعرفوا على قصة الكفاح الطويلة والشاقة التي سبقت توحيد أجزاء هذا الكيان الشامخ في وحدة سياسية وجغرافية واحدة. هم بحاجة إلى أن يتعرفوا على بطل هذه القصة الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه حيث أحال القبائل المتناحرة إلى مجتمع متماسك، وأحال الصحراء الجرداء إلى واحات وبساتين، وأحال حالة الفوضى الأمني والسلب والنهب إلى إحدى أقوى صور النجاح الأمني والاستقرار على المستوى العالمي.
ولذلك فإن هذا التقرير سيعرض لبطل ملحمة توحيد الوطن معرجاً على أهم المحطات في عصره.
مولده ونشأته
ولد الملك عبدالعزيز - رحمه لله - في الرياض عام 1293هـ (1876م). وكانت أمه سارة بنت أحمد محمد السديري من بلدة الغاط، وقد اهتم والده - رحمه الله - بتربيته أيما اهتمام، فتم اختيار أحد قضاة الخرج المقيمين في الرياض وهو القاضي عبدالله الخرجي ليتولى هذا الأمر، فتعلم الملك عبدالعزيز القراءة والكتابة. أما القرآن الكريم فقد قرأه كاملاً على الشيخ محمد بن مصيبيح. وتولى بعد ذلك الشيخ عبدالله بن عبداللطيف تعليمه التوحيد والفقه.
دخول الرياض
نجح الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في دخول الرياض في 5 شوال 1319هـ (15-1-1902م) حيث تحرك من واحة يبرين بصحبة رفاقه الستين في العشرين من رمضان 1319هـ وأدركه العيد في (أبو جفان) وفي الثالث من شوال، انتقل إلى (ضلع الشقيب) وهو على مسافة ساعة ونصف للراجل من الرياض. هناك ترك الملك عبدالعزيز عشرين رجلاً عند الركائب. ثم تحرك حتى وصل نخلاً في شرق الرياض وترك ثلاثة وثلاثين رجلاً تحت قيادة أخيه محمد. سار الملك عبدالعزيز بسبعة من رجاله وتسلل حتى وصل إلى منزل عجلان وعندها أرسل في طلب أخيه محمد ومن معه. ودخل قصر عجلان (القصر الذي كانت تقيم فيه لؤلؤة بنت ابن حماد) واخذ ينتظر، حيث كانت من عادة عجلان بن محمد العجلان تناول طعام الإفطار في هذا القصر. وفي صبيحة الخامس من شوال 1319هـ أدى الملك عبدالعزيز ورجاله صلاة الفجر.
خرج عجلان من أحد قصوره وكان الملك عبدالعزيز يراه فسل عجلان سيفه على الملك عبدالعزيز إلا أن الأخير عاجله برمية من بندقيته حيث أصابه في غير مقتل. فهرب عجلان وتبعه الملك عبدالعزيز وأمسك برجليه حيث رماه فهد بن جلوي بحربة استقرت في الباب بدلاً من إصابة عجلان. ولكن عبدالله بن جلوي عاجل الأخير برصاصة أردته قتيلاً. عندها نادي المنادي أن الملك لله ثم لعبد العزيز بن عبدالرحمن.
محاربة البداوة
وقد نجح - المغفور له - الملك عبدالعزيز في محاربة البداوة. فكان اهتمامه بإقامة الهجر حول ينابيع المياه. حيث أنشئت أول هجرة حول آبار الأرطاوية عام 1330هـ (1912م) وقطنها سعد بن مثيب الحربي. ولكنها أعطيت فيما بعد لفيصل الدويش وقبيلته. ولم يمت الملك عبدالعزيز إلا وقد وصل عدد هذه الهجر 153هـ.
اهتمامه بالعلم
ولقد اهتم الملك عبدالعزيز بالتعليم إيماناً منه - رحمه الله - بأهمية هذا القطاع، ففي عام 1344هـ (1926م) تم إنشاء (إدارة المعارف العامة) في مكة المكرمة. وقد تعاقب على إدارتها كل من: صالح شطا، محمد القصاب، ماجد الكردي، حافظ وهبة، محمد أمين فودة، طاهر الدباغ، محمد بن عبدالعزيز بن مانع. ولكي يتم التغلب على النقص في إعداد المعلمين تم إنشاء (المعهد العلمي السعودي) بهدف تخريج المعلمين المؤهلين. وفي عام 1346هـ (1927 م) تم إرسال أول بعثة خارجية. ولم تلبث أن تحولت إدارة المعارف إلى وزارة المعارف حيث تولى - المغفور له - الملك فهد بن عبد العزيز أمرها حتى عام 1380هـ (1960م). ولقد بلغت آخر ميزانية للمعارف في عهد الملك عبدالعزيز (1373هـ) عشرين مليون ريال.
الملك عبدالعزيز والشورى
تم افتتاح أول دورة لمجلس الشورى على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يوم الخميس 14-1- 1346هـ بمكة المكرمة. وترأس أولى الجلسات الأمير فيصل بن عبدالعزيز رئيس المجلس يوم الأحد 18-1-1346هـ. وبعد ثلاث سنوات (عام 1349هـ) افتتح جلالة الملك عبدالعزيز الدورة الثالثة للمجلس بمدينة الطائف. وتم زيادة الأعضاء حتى وصلوا (20) عضواً في عام 1372هـ وأصبح عدد لجان المجلس في عام 1373هـ سبع لجان. ولقد استمر تطوير المجلس في عهد خلفاء الملك عبدالعزيز حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم.
الملك عبدالعزيز والصحة
اهتم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بتوفير الخدمات الصحية لمواطنيه بالقدر الذي تسمح به إمكانات ذلك العصر، فانشئت (مصلحة الصحة العامة) عام 1343ه (1925م) في مكة المكرمة، ولها فروع في كل من: جدة، المدينة، الرياض، الأحساء، وعسير. وفي عام 1369ه (1950م) تم تقسيم البلاد إلى عدد من المناطق الصحية: منطقة صحة مكة المكرمة، منطقة صحة جدة، منطقة صحة المدينة، منطقة صحة الرياض، منطقة صحة الأحساء، ومنطقة صحة أبها. ويتبع هذه المناطق الصحية فروع على مستوى البلاد. ولم تكن الخدمات الصحية مقصورة على المدن. بل كان للبادية أيضاً نصيبها. حيث تم إنشاء فرقة من عشرة أطباء عرفت ب(الطبابة السيارة) تتجول في مناطق البدو والمناطق التي تحتاج خدمات إسعافية وتقدم خدماتها الطبية.
الملك عبدالعزيز والأمن
لم تواجه الملك عبدالعزيز مشكلة كمشكلة الأمن وذلك راجعاً لطبيعة الحياة في الجزيرة العربية آنذاك، ولقد نجح الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في نقل البلاد من حالة التقاتل والتناحر والسلب والنهب إلى حالة من الاستقرار الأمني أصبحت معه ولله الحمد مضرباً للمثل على المستوى العالمي.
ولقد وصف (روم لندو) في كتابه (الإسلام اليوم) حالة الجزيرة العربية قبل عهد الملك عبدالعزيز حيث كانت تعاني الفوضى والاضطراب وحيث كان قطع الطريق واللصوصية أمراً منتشراً. قام الملك عبدالعزيز بإنشاء (إدارة الأمن العام) عام 1344 ه (1925م) في مكة المكرمة والتي كانت تعرف بل ذلك ب(مديرية الشرطة العامة). وكان لها فروع على مستوى البلاد، وكان على رأس هذا التنظيم (مدير الأمن العام). وفي عام 1396ه أصبح للشرطة إدارات في كل من: الرياض، جدة، المدينة المنورة، الظهران، الأحساء, الطائف، ينبع، شمال تبوك، ضبا، أملج، الوجه، العلا، رابغ، المهد، الليث، الظفير، جيزان، النماص، القنفذة، والقريات. كما تم إنشاء مدرسة للشرطة في مكة عام 1355ه (1936م).
الملك عبدالعزيز والجيش
في عام 1348هـ (1930م) أصدر الملك عبدالعزيز أوامره بتكوين إدارة للأمور العسكرية فكانت أولى خطواتها تكوين الجيش النظامي. وبعده بسنة جرى أول استعراض عسكري أمام جلالته في جدة. وفي عام 1354 (1935م) تم إنشاء وكالة الدفاع ومديرية الأمور العسكرية. وأصبحت القوات على ثلاثة أشكال: سلاح المدفعية، سلاح المشاة، وسلاح الفرسان. وفي عام 1359هـ (1940م) أقيمت (رئاسة الأركان الحربية). وفي عام 1365هـ (1946م) تم إنشاء وزارة الدفاع وكان أول وزير لها هو الأمير منصور بن عبدالعزيز.
وقد خلفه الأمير مشعل بن عبدالعزيز عام 1370هـ، ثم الأمير فهد بن سعود ثم الأمير محمد بن سعود. وفي عام 1381هـ (1961م) تولى وزارة الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز.
من أقوال الملك عبدالعزيز
-(الإنسان يقوم على ثلاث فضائل: الدين والمروءة والشرف. وإذا ذهبت واحدة من هذه سلبته معنى الإنسانية).
-(إنني لا أعلم أن لليهود ما يبرر مطالبهم بفلسطين. لأن فلسطين كانت منذ قبل البعثة المحمدية للعرب. سكنها بنو إسرائيل حقبة من الزمن وتسلط عليهم الرومان في ذلك الوقت، وقتلوهم وشتتوا شملهم، ولم يبق أثر لحكمهم فيها. والعرب قد استولوا عليها وافتكوها من الرومان منذ ألف وثلاثمائة سنة وزيادة، وهي منذ ذلك الوقت بيد المسلمين. ومن هذا يظهر أن ليس لليهود حق في دعواهم هذه، لأن جميع بلدان العالم تعاقبت عليها شعوب تملكها، وصارت الآن وطناً لهم لا منازع فيه. فلو أردنا تعقيب نظرية اليهود، لوجب على كثير من شعوب العالم المستقر، أن يرحل من بلاده. وفلسطين من ضمن هذه البلاد) (مجلة لايف الأمريكية 13 ربيع الأول 1362هـ).
-(على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً قد وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا).
-(إذا كان المسلمون والعرب في منعة من التعاضد والتكاتف، فليست هناك قوة في مقدورها مهاجمتهم وإذلالهم).
الملك عبدالعزيز
في نظر بعض الكتاب الأجانب
-(ابن سعود رجل ذو خلق قوي وإرادة نافذة، استطاع بهما أن يؤسس الوحدة والنظام في مملكته الواسعة التي لم يسبق لها أن عرفت السلام قط إلا في أيام حكمه. وهو أعظم شخصية في العالم العربي اليوم) (ايفننج وورلد 1938م).
-(الملك ابن سعود: مسلم ورع، تحلى بصفات السياسي المحنك واستطاع بدهائه العربي أن يصبح أبرز شخصية في العالم الشرقي) (رفيوبلج 1983م).
-(من النادر أن تجد رجلاً تجمعت فيه المزايا التي تجمعت في ابن سعود، فهو جندي موفق ظافر، ومصلح مبتدع مبتكر، وتقي ورع صالح، وجواد سخي سمح، وراسخ وطيد متين، وذكي حاذق لبيب، وشجاع جريء مقتحم، وإنسان لطيف مهذب، نبيل في تواضعه جليل في احتشامه) (كنث وليمز).
ماذا يجب علينا أن نتعلم من ملحمة توحيد الوطن؟
أولاً: يجب علينا أن نتمسك بوحدة هذه الأرض الطاهرة التي بذل من أجلها الموحد ورفاقه - رحمهم الله - الغالي والنفيس ونعلم أن كل تفريط في هذه الوحدة يعتبر خيانة لتلك التضحيات الجسام.
ثانياً: يجب علينا أن نعلم أن الاختلاف أمر طبيعي، ومهما اختلفنا أيديولوجياً أو مذهبياً... إلخ فإننا جميعاً نلتقي عند هدف سام واحد ألا وهو تقدم هذا الوطن ورفعته.
ثالثاً: يجب علينا أمام طوفان العولمة أن نتمسك بهويتنا الثقافية دون النفور من التفاعل مع المجتمع الدولي، فالحكمة كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها).
رابعاً: يجب علينا غرس حب هذا الوطن في نفوس الأبناء لخلق مواطنين صالحين تتسامى أنفسهم عن البحث عن مصالحهم الشخصية ويركزون على مصلحة الوطن وحده.
يجب أن يكون انتماؤنا للوطن الكبير وليس لمناطق جغرافية أو روابط قبلية. خامساً: يجب علينا الالتفاف حول هذه الحكومة الرشيدة التي لا تألو جهداً في خدمتنا كمواطنين.
***
المراجع
-خير الدين الزركلي، الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز.
-خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز (جزءان).
-فيلبي، الذكرى العربية للمملكة العربية السعودية.
Mohammed Al-Mana, Arabia Unified.