| |
نوافذ الدراما أميمة الخميس
|
|
في عهد الخليفة العباسي المأمون بلغت الحضارة الإسلامية عصورها الذهبية، ونتيجة لقوتها وسطوتها، كانت تحس بالمنعة وعدم الخوف أو التهديد من الحضارات المجاورة، لذا ازدهرت آنذاك بشكلٍ كبير حركة الترجمة والنقل إلى اللغة العربية، واستطاعت دار الحكمة التي أنشأها الخليفة المأمون، أن تنقل إلى العربية المئات من الكتب الإغريقية، حيث كان المترجم يكافأ بوزن الكتاب ذهباً، وكان من ضمن الكتب التي ترجمت آنذاك، كتاب أرسطو عن الفن المسرحي, ولكن ترصدت بالمترجم آنذاك الكثير من العقبات من أبرزها الاختلاف الثقافي التام بين البيئتين، وليس هذا بل الاختلاف البيئي الذي جعل هناك الكثير من المفردات الإغريقية تترجم بصورة محرفة، لغياب المتعين أو المدلول الذي يمثلها أو يشير إليها. فعلى الرغم من أن الفن الدرامي يحظى بمكانة عالية لدى الإغريق بل كان يدخل ضمن طقوسهم الروحية، إلا أن هذه المكانة ظلت بمنأى عن الانتقال والتوطن في المناخ الثقافي آنذاك وترجم على الغالب هذا النوع من الفنون على أنه قصائد، إما محزنة (المأساة) أو طريفة (الملهاة). فالنسيج الثقافي العربي والصحراوي لا يحتوي الشكل الدرامي في تفاصيله، وعلى الغالب كانت تسيطر عليه الثقافة الشفوية التي تتبدى في الشعر الغنائي، ما بين مدح وهجاء، هذا الاغتراب الذي كان وما زال يحاصر الفعل الدرامي خلق نوعاً من المزاج الحاد والمستريب ضد الدراما، فالبنية الثقافية لدينا ليس لديها الكثير من الألفة مع الفعل الدرامي، وفي كثيرٍ من الأحيان ما يدخل في باب إما المدح أو الهجاء في ثنائية مسطحة عاجزة عن أن تغور بعيداً في أبعاده. ولعل ردود الفعل الساخطة والحادة على بعض الأعمال الدرامية لدينا، ترجع في الكثير من أسبابها إلى غياب العلاقة التاريخية الواضحة والآمنة بين المتلقي والفن الدرامي، لذا تبقى الدراما في حالة حصار مركب، وتفسيرات متشنجة وغير قادرة على مقاربته ضمن وجوهه المتعددة، وضمن الحمولات المختلفة التي يعبّر عنها والتي في غالبها مستمدة من الواقع ومعبّرة عنه. جزءٌ كبيرٌ من التشنج الذي نلمحه هذه الأيام ضد بعض المسلسلات يرجع إلى قصور في مقاربة العمل الدرامي ضمن إطاره المعد له والمعبّر عنه. فمسلسل (طاش ما طاش) مثلاً لا أعتقد أنه سيقود الرأي يوماً ما، ولن يغيّر الثقافة أو مؤسسات المجتمع أو المناهج أو.... يبني قطار أنفاق.. أو يصلح رواتب موظفي الجوازات هو فقط مسلسل درامي فكاهي له مناطق قصوره وأساليب تفوقه، هو فقط مخلص لرسالته الدرامية التي من أبرز أولويتها أن تصبح مرآة تعكس المجتمع، بخيره وشره.... فإذا كانت المرآة عكست وأبرزت أموراً بشعة ولم ترق للبعض فليس ذنب المرآة إذا كان الواقع نفسه شديد البشاعة.
|
|
|
| |
|