-يقول الملاح التائه، الشاعر الكبير علي محمود طه:
سلاماً (طويل العمر) مصر تبثه |
تجلى طرازاً في لقائك مفرداً |
يحيى بك الشعب الحجازي شعبه |
وفيه يحيى (القبلة) الهرمان |
تساءل فيها الصاحبان وقد بدت |
وآفاقها (مكية) النور والشذى |
أفي مصر؟ أم بطحاء مكة يومنا؟ |
وتلك قطوف النيل دانية الجنى |
أم أن قطوفاً (للرياض) دواني |
هوى لك يا عبدالعزيز أصارها |
وأنت أخو الفاروق دارك داره |
على الرحب، والداران تلتقيان |
- وكان جميلاً من الشاعر أن يمثل المستشار المراقب للأحداث، فيتحدث عن الحرب العالمية الثانية وما انتهت إليه من خراب وتدمير، ثم ما بدت نيات الظافرين تتجه بسوء إلى دول العالم الإسلامي، تمنعه حقه في الاستقلال، وتغدر بما قطعته من مواثيق تبخرت كالسراب، وقد جعلت مجلس الأمن سياجاً يحمي أطماعها ويحل ما حرم الله من الغبن والاستعباد.. كل هذا قد ظهر في قول الشاعر الكبير، متحدثاً عن الشرق:
فهلا جمعتم أمره واستعنتموا |
أرى حلفاء الأمس لم يحفلوا به |
وما زال من خلف الوعود يعاني |
وما قرّ في ظل السلام بحقه |
بجمع يدير الرأي حول خوان؟ |
وليس لها من قوة غير ألسنٍ |
وماذا يفيد الرأي لا سيف عنده |
وماذا يصيب القول يوم طعان؟ |
على البأس فأبنوا ركنها وتأهبوا |
ضمنت بكم مجد العروبة خالداً |
- والحق أن الشاعر تحدث بلسان الوطني المقهور من دسائس الغرب وكيده، ولو عاش إلى اليوم لرأى أن هذه الدسائس قد أصبحت زلزالاً يكتسح الشرق المسكين..
- أما الشاعر محمود حسن إسماعيل، فله طريقته الخاصة في تصوير الآمال المكظومة واللوعات المكتومة.. وقد أنشأ في استقبال جلالة الملك عبدالعزيز قصيدة من عيون الشعر وعلى غير عادته، كان متفائلاً بمستقبل الشرق، وقد امتدت آماله الواسعة حين شاهد موكب الملك عبدالعزيز وما أحاطه من حب فياض من الشعب المصري، وهو يعلم ما يكنه هذا الشعب لجلالة الملك من حب ووفاء، إذ هو عاهل المملكة العربية السعودية، وفي وطنه الحرمان الشريفان، وموطد الأمن في ربوع الجزيرة، بعد أن عصفت بها زلازل قطاع الطرق من الذؤبان الذين لا يخافون يوماً تشخص فيه الأبصار.. ابتدأ الشاعر قصيدته مستمعاً إلى حادٍ من البيداء يغني على شاطئي النيل، فأصغى إليه السامعون في شوق حين ردد النشيد مجازياً، وقد أصغت إليه مصر، فاهتاجت خواطر لها؛ لأن الدار ذات هوى كهوى سكانها.. وامتد به الخيال في هذه المعاني الطريفة، وقد بدأ قصيدته بقوله:
حادٍ من البيد هزتني قوافله |
والنيل يصغى إليه أو يساجله |
يلقي النشيد حجازياً فتحتسبه |
أصغت له مصر فاهتاجت سرائرها |
نادت لموكبه الوديان شامخة |
إن الصحاري آذان وهو فائله |
كادت تضيء به الدنيا أنامله |
مهد النوبوات أرض النور موطنه |
وفي ربوع الهدى قامت منازله |
- ومضى الشاعر على هذا النمط يردد نشيده حتى قال:
فقال إني من الشرق الذي سطعت |
من بقعة عمد الإسلام في يدها |
سواعد الدهر يُعييها تطاوله |
مشى الرسول عليها فاغتدت حرما |
يجرّد النفس للتسبيح داخله |
وشعّ منها كتاب الله فهي حمىً |
لا بد يسجد قبل الخطو نائله |
- ثم اتجه إلى الحديث عن جلالة الملك عبدالعزيز، فقال إنه بنى ملكاً منيعاً في هذه الأماكن الطاهرة، ثم جاء إلى مصر، ونور الشهادة تبديه أسرته، وهالة المجد ترتسم في حمائله، وعطر النبوات يفوح من أردائه، وضياء التوحيد يفيض من جبينه، والجموع تهتف باسمه:
الله أكبر في الشطين هاتفة |
والنيل يهتز للأبطال ساحله |
في موكب يُفرح الإسلام عزته |
وتلفت الشرق للماضي مخايله |
-ووصفُ الموكب الملكي، كان موضع التفات الشاعر، فتحدث عنه حديث المؤمن بعزة الإسلام ومجد الشرق.. والحق أن الشاعر قد أبدع في التصوير إبداعاً لم يشغله عن رسم الصورة الحية للبطل المغوار، فهو ليث البوادي وحاميها وسيدها، كان الغيب لها في جدب الأيام، وقد جاء إلى مصر يحمله البحر، فصار موجه بساطاً هادئاً وادعاً، كأنه واحة في الفلاة، وقد وقف المصريون على الشاطئ يرتقبون طلعة العاهل المفدى بفرح غامر، يتأملون الدّراعة التي حملت صقر الجزيرة إلى أرضهم..
|