| شرفات
تختلف البيوت الدمشقية من حيث الحجم والاتساع تبعاً للحالة المادية للأفراد، فالأغنياء من التجار وملاك الاراضي بنوا بيوتهم وقصورهم الفخمة بالحجارة المقطوعة، المزية أو الكلسية أو البازلتية السوداء بناءً كبيراً محكما بشكل دقيق يستعمل في لصق حجارته الجص والكلس والتراب فيه من القناطر والعقود السقفية ما يشي بروعة البناء اما اولئك الذين لا يملكون الأموال من فقراء المدينة وعمالها فكانوا يستخدمون اللبن وهو التراب المجبول بالماء حيث يتم وضعه في قوالب خشبية مربعة الشكل ويتم تجفيفه ومن ثم بناؤه, هذه البيوت كانت غالباً عرضة لعواصف الزمن من ثلوج وامطار وقد عرف الدمشقيون طرق متعددة للبناء كان منها استخدام الخشب او اللبن في بناء الجدران كما استخدموا حجارة الغمس والغشيم مع الطين والكلس كما استخدموا الحجارة البيضاء والمزية او البازلتية وقد استخدم اسلوب القبب في مسقوف الابنية مثل التكية السلمانية وخان الحماصنة وخان اسعد باشا ومدرسة الخياطين وادخل القوس الرومي في الكثير من ابنية دمشق.
ومن اجل سقوف البيوت استخدم الحور والصفصاف والسرو بحيث توضع الاخشاب افقياً وتغطى بالعوارض والقصب والبلان والوزال والاتربة الحمراء والقصرمل والتبن والكلس وتخلط لتعطي مادة كتيمة تقي شر المطر والثلج في الشتاء وقد جعل السطح مائلاً باتجاه المزراب قليلاً حتى تتجه المياة الى الشارع او الى ساحة الدار الداخلية اما نوافذ البيت فهي نوعان خارجية صغيرة وضيقة ومصلبة بالحديد وهي قليلة وداخلية واسعة مشغولة بعناية, هذا يتم في الطابق الارضي وفي الطوابق العليا فقد روعي اقامة شبابيك عديدة تطل على الشارع وهي كذلك مسيجة بالقضبان الحديدية او اغلاق خاصة منقوشة من الخشب كل ذلك بقصد حجب انظار المارة عن سكان البيت.
البيت الدمشقي من الداخل لوحة فنية فائقة الجمال والآلفة فهي تبدأ من ساحة الدار التي تحوي البحرة او عدة بحرات واحواض متنوعة من الازهار والورود منتشرة في ارجاء البيت وتطالعك دالية العنب والياسمين المندى بعشق على الجدران,,والنارنجة التي تظل جوانب البحرة وهي تشكل ملعباً فسيحاً للاطفال والنسوة وجلسة شاعرية بالغة الروعة للعائلة مساءً.
بعد الساحة هناك الغرف العديدة فهناك عدد من الايونات منها السلاملك والحرملك والطرازات وبيوت المونة والمطابخ والاسطبلات والحمامات وتخصص غالباً غرف للضيوف.
وقد كان لكل مرحلة من مراحل البناء اسماً خاصاً عند البنائين يعرف به وقد بقي فن العمارة وهندسة البيت الدمشقي محافظاً على طبيعته المميزة والخاصة حتى نهاية القرن التاسع عشر بالرغم من وجود الاحتلال العثماني آنذاك وقد ظهرت خلال تلك الفترة بعض التغيرات التي تلائم واقع الحال التي كانت تعيشه البلاد في تلك المرحلة التاريخية فقد ضاقت الشوارع وتعرجت الازقة وسدت معظم المداخل وتم تصغير الابواب وتصفيحها بالحديد لتكون درعاً حامياً من الاعداء والتصقت البيوت ببعضها وقلت او انعدمت النوافذ الخارجية المطلة على الشارع وسيجت نوافذ الطابق العلوي بالحديد كل ذلك كان بسبب فقدان الامن والاستقرار واهمال الدولة العثمانية لمتطلبات واحتياجات المدينة القديمة من نظافة واهتمام بالمرافق العامة والصحية والشوارع, وهذا بدوره ادى الى اهمال الدمشقيين الى الشوارع والازقة وواجهات البيوت والاعتناء بها وترتيبها والاكتفاء بنظافة البيت وترتيبه من الداخل.
اما بناء القصور الكبيرة والمميزة في معالم دمشق كقصر العظم وخان اسعد باشا ومكتب عنبر فكان لها نظام بنائي خاص يجدر الحديث عنها بشكل مستقل وخاص.
البيوت الدمشقية المتجاورة تتعانق بحنو دافئ على بعضها الواحد يسند الآخر وفي الحارات الضيقة تكاد البيوت المتلاصقة ان تكون بيتاً واحداً لاسرة واحدة,, وحين يدخل المرء الى البيت من الداخل وينظر في غرفه وسقفه يلمح هذا الفن الجميل المبثوث في كل زاوية وركن منه فالنقوش والتزيينات والقناطر والاقواس,, تشكل معلماً هاماً للفن الاسلامي من خط ورسم وعمارة.
والساحة الكبيرة والفسحة السماوية التي تعطي الجمال للبيت، فكل بيت له حديقة، يستمتع الجميع بجمال ما فيها لانهم اعتادوا على نقل كل ماهو جميل الى داخل بيوتهم وعلى جعل البيت المكان المخصص للاقامة وللنزهة والحفلات وحول البحرة يجتمعون والغناء يبدأ في المناسبات بحيث اصبح البيت هو العائلة وهو موطن الجمال والمتعة التي يحتاج اليها كل انسان حين يعود الى المنزل مرهقاً,, ويريد ان يروح عن نفسه من عناء العمل تاركاً امام البيت كل المشاغل ومنغصات الحياة ومحيطاً لنفسه بكل ماهو جميل واخاذ,, يقول غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب : تكفي نظرة على اثر يعود الى الحضارة العربية كقصر او مسجد او محبرة او خنجر او مغلف قرآن لكي نتأكد من ان هذه الاعمال الفنية تحمل طابعاً موحداً وانه ليس من شك في اصالتها هذا الكلام ينسحب تماماً حين النظر الى البيت الدمشقي بتصميمه الداخلي والخارجي,.
والبيت حاضر الاسرة ومأوى الابناء محط الراحة من عناء اليوم اولاه الفنان المعماري عنايته الخاصة وجعله مميزاً له طراز خاص به من تصميم معماري خارجي يراعي احتياجات الاسرة وتوفير الشمس والفيء,, والعمارة العربية الاسلامية تميزت على العصور الطويلة بالتنوع والزخرفة ومراعاة التناظر واستعمالها الاستعمال الامثل وكان للخط العربي قيمة فنية بارزة وعنصراً بارزاً من الفن الاسلامي التي كانت تزين به الواجهات الخارجية والمداخل المطلة على الصحن وقد تفنن الخطاطون العرب في اظهار جمالية الخط العربي الاسلامي الذي عرفت فيه الحضارة العربية الاسلامية انواعاً عربية كثيرة كالديواني والكوفي والرقعة,, الخ.
راعى المعماريون في بناء البيت الدمشقي طبيعة المناخ الحراري الذي تتميز به دمشق ولذلك كان البيت الدمشقي يتميز بالحماية من اشعة الشمس وحرارة الصيف والتهوئة والترطيب في الايام الحارة,, وشتاءً يتميز بالتشميس والعزل للحماية من البرد فبعد دخول المرء من الباب الرئيسي الى فسحة البيت عبر الممر الضيق والمنخفض السطح نسبياً,, حيث تتوزع على جوانب البحرة رفوفاً متعددة جعلت كل واحدة منها تؤدي غرضاً محدداً وواضحاً.
والبيت الدمشقي غالباً يتألف من طابقين جدران الطابق العلوي اقل سماكة من جدران الطابق الارضي السميكة نسبياً كي تمتص حرارة الشمس الساقطة في فصل الصيف والاسقف مسطحة وعالية تميل بجهة الشارع لتسقط المياه عبر المزراب الى الخارج ولا تستقر على السطح والجدران مطلية على الاغلب بالكلس الابيض كما تساهم البحرة والنافورة في تلطيف جو البيت الدمشقي واعطائه طابعاً خاصاً ومميزاً.
الغرف الداخلية والخارجية في كلا الطابقين لم توضع نوافذها متقابلة لمرور تيار هوائي عبرها وهذا مرده الى تحفظ العائلات وقد استبدلت ذلك بفتحات متراكبة مطلة على الباحة,, بني المنزل الدمشقي عادة منسوب اقل من مستوى الشارع بدرجة او درجتين وذلك لتسهيل انسياب الماء من طوالع الحارات الى بحيرات البيوت وهذا ادى بدوره الى زيادة رطوبة ارضية قاعات الطابق الارضي وللتخلص من هذه المشكلة فقد عمد البناؤون الدمشقيون الى بناء القاعات الارضية في تلك المنازل على هيكل خشبي يرفعها عن التماس المباشر مع منسوب الابواب.
|
|
|
|
|