أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 6th October,2000العدد:10235الطبعةالاولـيالجمعة 9 ,رجب 1421

شرفات

شخصيات قلقة
تولوز لوتريك (1864 - 1901م)
عاش حاقداً ومات كئيباً
كان أبوه الكونت ألفونس مشغولاً دائما بخيوله وصقوره وعربات صيده وهواياته الارستقراطية الاخرى وغالبا ما يترك ابنه لوتريك وامه وحيدين في اقطاعيته.
كان لوتريك صبيا ضعيف البنية يهوى الرسم واستذكار الدروس فهو اما يرسم قطة او آنية او وجه الحوذي واما انه يذاكر ولم يكن الاب يحب ان يكبر ابنه وديعا خاملا هكذا، لانه يسعى لجعله فارسا مغواراً او رجلا من رجال البلاط,, كثيرا ما يأخذه معه في زياراته الى باريس حيث يكون قريبا من الملك او يحمسه لتعلم المبارزة وركوب الخيل,, ونظرا لان الاب والام كانا ابني عمومة وهو ما لا يستحب لاثره الضار على الاطفال جاء بنيان لوتريك ضعيفا، واصيب بالحمى اكثر من مرة ومن سقطة بسيطة كسرت ساقه بطريقة جعلت والده يتعجب ويضرب كفا بكف لحال ولده الوحيد الذي لا يتحمل شيئا والذي يظل شاحبا هزيلا رغم ما يحيا فيه من بحبوحة العيش.
الغريب حقا انه بعد عام من سقوطه وكسر ساقه وبينما هو يسير متوكئاً على عصاه سقط مرة اخرى وكسرت ساقاه الاثنتان معا!!
وبعد محاولات متكررة للعلاج حيث اجريت له اكثر من عملية جراحية اصبح لوتريك شخصا غريب البنيان حيث نما نصفه العلوي وبقيت ساقاه ضامرتين دون نمو بل تسببان له بعض الآلام.
حاول لوتريك ان يتغلب على آلامه ويكمل دراسته في البيت لكنه توقف قبل الحصول على الليسانس تحت وطأة رغبة شديدة في ان يصبح رساما محترفا وغادر منزل ابويه دون ان يخبر الاب ميمما شطر باريس بحثا عن زملائه من الفنانين الشبان ولأن اسرته كانت توفر له السيارة والسائق وسائر المصاريف فان زملاءه كانوا يتجنبونه ويحسدونه في قرارة انفسهم وهو يتوهم انهم يتجنبونه لانه كسيح.
كانت الام تشعر ان ابنها يعيش نوعا من العزلة فارادت ان تعرفه على ابنة صديقة لها وهي فتاة فاتنة تدعى (دنيز) وراح لوتريك يتنزه معها ويرسمها بإخلاص وتفان ويتوهم انها تبادله نفس العاطفة والحقيقة انها في دخيلتها لا تنطوي إلا على الامتنان والتقدير لموهبته وفاجأها يوما بطلب يدها وهو يمني نفسه بأنها ستوافق نظرا لثرائه واسم عائلته الذي سيسبغه عليها لكنها صدمته بالرفص لانه كسيح ولانه اقبح رجل رأته في حياتها!!
ايها القزم الدميم لن تحبك امرأة قط,, ولن تمنحك امرأة قلبها ابدا,, هكذا رشقته بالكلمات كأنها ترشق السكين في قلبه مما عجل برحيله عن اسرته مرة اخرى وان ظلت امه عن بعد تحاول ان تقدم له اية مساعدة ولو بتوصية الآخرين كي يعتنوا به موضحة لهم ان هذا القزم الذي يرونه هو كونت وابن كونت ايضا.
اعتاد لوتريك على حياة الليل في باريس يسهر مع اصدقائه حتى الصباح ، وفي اوقات الصحو يرسم بلا انقطاع كما انه اثار ضجة كبرى بالاعلانات والاغلفة التي كان يرسمها لبعض الاصدقاء,, ومنذ عام 1891 بدأ لوتريك يعرض لوحاته في معرض الفنانين المستقلين فلفت الانظار اليه بخطوطه الحادة العنيفة التي تظهر الانفعالات الداخلية لشخوصه واغلب شخوصه كانت لممثلات او فتيات الحانات.
بالطبع ثار ابوه الكونت المحافظ على ما يتجه اليه الابن وانّبه قائلا: لو لم تكن عاجزا لصفعتك بل لجلدتك بسبب هذه القذارة!
كان الوالد متضايقا من كونه يوقع باسم العائلة على هذه الرسومات الفاحشة والاعلانات الحقيرة كما كان ساخطا على حياة ابنه في الملاهي معتبرا موهبته مجرد موهبة عفنة ذات تأثير مقبض شرير,, وحاول ان يثنيه قائلا: لماذا يمضي فتى مثلك ذو موهبة فذة في تقليب الاحجار لرؤية الحشرات التي تدب تحتها,,؟ فرد لوتريك بصلف: (انا صائد حشرات يا سيدي الكونت).
يصر لوتريك ان يرسم القبح اينما كان,, البؤس الانساني في الملامح,, لدرجة ان النقاد اسموه (فيلا سكويز الساقطات) كما قارن النقاد كثيرا بين صور نسائه وصور نساء سلفه الفنان الكبير رينوار وقد رسم لوتريك العديد من اللوحات المهمة مثل: الغسالة، طاحونة الفطائر، في الطاحونة الحمراء، في ركن الملهى، غرفة الاستقبال، وغيرها من اللوحات، كما رسم بورتريه للكاتب الاشهر اوسكار وايلد.
ورغم ذيوع اسمه كفنان مجدد الا انه لم يغير شيئا من حياته العابثة ومضى يهدر طاقته الصحية وقواه العقلية اسرع من المتوقع, فكان يتوهم انه محاط بأعداء يحيكون له المؤامرات من خلف ظهره ويحتفظ بعصاه التي يتوكأ عليها للدفاع بها عن نفسه كما كانت تنتابه نوبات عنيفة لا يحتملها بنيانه الضعيف,ومن تصرفاته المجنونة الحمقاء انه رش مرسمه بالبترول كي يقضي على الحشرات فاذا به يشعل حريقا ضخما في المنزل بأسره لدرجة ان مدير الشرطة وضعه تحت المراقبة, اضطرت امه مع تدهور حالته الى نقله الى احدى المصحات العقلية حيث مكث خمسة وسبعين يوما، أنجز رغم معاناته مجموعة السيرك الشهيرة,
وما ان غادر المصحة حتى انتابته رغبة ملحة في الترحال وسرعان ما عاد الى باريس وانكب على غير عادته على ترتيب ما في مرسمه من لوحات ومراجعتها والتوقيع على ما رآه لائقا منها, ثم ما لبث ان انشب فيه الداء العضال انيابه، لقد زحف الشلل من ساقيه الى سائر جسده,, وما هي الا ايام معدودة حتى اسلم لوتريك الروح وصدرت جريدة الجمهورية التي تصدر في ليون تقول:
رحل عنا اخيرا فنان مجنون ذاع صيته كمصور مغرم بالقبح,, وكان يرى الوجود كله من خلال عجزه الجسماني وصبغ فنه بالمرارة والحق اللذين ولدتهما فيه عاهته, كان ينتقي نماذجه من كل مكان تعمه الرذيلة التي تشوه الوجوه وتجعل القسمات تبدو اكثر غلظة، لقد مات شقيا محطم الجسد والروح بعد ان زج به في بيت للمجانين,.
خاتمة كئيبة لحياة كئيبة.
شريف صالح

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved