| شرفات
عند الحوار مع رجل بمثل ثقافة وتاريخ وتعدد الاختصاصات المهنية والابداعية كالأستاذ نجدة فتحي صفوة ينبغي التنبيه مسبقا الى تأكيد حقيقة انه ليس من السهل تحاشي تقاطع الاختصاصات المتنوعة التي يمتلكها والرغبات الانسانية التي تفرض نفسها على الحوار، والذكريات المؤثرة والمندفعة بكل ألوان الطيف لتلوين صورة المقابلة.
وفي الواقع لا يمكن انجاز خبرة الرجل وتاريخه وتنوع اختصاصاته في حوار واحد ومقابلة متفردة وان طالت شجونها,
وهنا نستكمل الجزء الثاني من الحوار:
* وما ظروف انتقالك للعمل في المملكة العربية السعودية؟
كان قد أصيب القائم بالأعمال في جدة بمرض استدعى ايجاد بديل يقوم مقامه، وطلبوا من سفارتنا في القاهرة أن تتولى موضوع ارسال البديل، وهكذا كلفت بمهمة القائم بالأعمال في جدة حيث كانت جميع السفارات والبعثات الدبلوماسية تقوم بتأدية مهامها لكن السفراء يقدمون أوراق اعتمادهم في الرياض, وطلبت من الخارجية أن أذهب الى الرياض لتقديم التحية للملك، وكان هناك عدد من السفراء يتهيأون للذهاب لتقديم أوراق اعتمادهم، وهكذا ذهبنا جميعا بطائرة حيث اقمنا في دار ضيافة قريب من قصر المربع.
وأعطيت نصف ساعة وتشرفت بزيارته ومقابلته حيث بادرته بالتحية وقلت: كلفت بالقيام بأعمال السفير ورأيت من واجبي أن آتي اليك لتقديم التحية والتعبير عن مشاعري ومحبتي لك شخصيا وتحيات الملك فيصل الثاني، ورحب بي بابتسامة أبوية وبوجه محبوب وكنت شابا لا أتجاوز الخامسة والعشرين، وقال لي: نحن نحبكم ولا يوجد بيننا أي شيء، ولكن توجد جهات يهمها أن تخرب بين العرب,واضاف بلهجته البدوية نحن أهل معاكم ونحبكم وسألني فيما اذا كنت بحاجة الى أي شيء وأجبته بأنني بخير ولا يهمني إلا سلامتك ولكنه توفي بعد ستة اشهر رحمه الله.
* وكيف كانت مواقفه عربيا أثناء متابعتك لعملك حينها؟
كانت مواقفه ممتازة وحكيمة وهو غير مندفع ومتعقل كثيرا وبالأخص في قضية فلسطين، واتذكر حادثة مهمة فحينما قابل الرئيس روزفلت عند البحيرات المرّة تمكن بعقله وبساطة أفكاره أن يُفهم الرئيس روزفلت بقضية فلسطين، وحينها تحدث الرئيس روزفلت قائلا:في خلال نصف ساعة حديث مع الملك عبدالعزيز عرفت أمورا عن قضية فلسطين لم أعرفها منذ عشرين عاما , وما كان ذلك ليتم لولا طريقة الملك عبدالعزيز المؤثرة والبسيطة ومع ذلك بوسعي القول الآن حين أقرأ الوثائق التاريخية التي شكلت تاريخه السياسي وأتأمل ملاحظاته وشروطه والنقاط التي يضعها في حواراته ومفاوضاته مع الأجانب اكتشف نظرته الثاقبة والبعيدة وذكاءه وحسه، ولذلك حين ننظر الآن الى ما وصلت اليه مدن الرياض وجدة وغيرهما من المدن السعودية بعد أربعين عاما من زيارتي السابقة لها، أدرك أن مقدار هذه القفزة الحضارية والمعمارية لم تأت من فراغ وكان لها أسس وضعها ذلك الرجل البسيط والذكي وبنظرته البعيدة.
|
|
|
|
|