أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 6th October,2000العدد:10235الطبعةالاولـيالجمعة 9 ,رجب 1421

الاخيــرة

المبالغة بين الشخصية والغاية
د,محمد بن عبد الرحمن البشر
لقد جانب الصواب من بالغ في الترحاب، كما جانب الصواب من بالغ في المديح، فالمبالغة عندما تتعدى حد القبول تصبح مدعاة للضحك تارة، والاحراج تارة أخرى ولكنه السلوك الشخصي الذي يميل اليه البعض، فما يلبث المتحمس في الحديث عن أي موضوع يتم طرحه حتى يخرج عن المعقول الى غير المعقول، فتراه يبالغ حتى في الكراهية، فيكيل لمن يكره من الذم وابراز الخصال المذمومة ما هو منها براء، ويرميه بما ليس فيه لتجسيد ما تحمس له, وتراه ان مدح اضفى على ممدوحه من صنوف الخصال الحميدة, ما لم تجتمع في مخلوق قط، ويصفه بأوصاف جمعها من كتب التاريخ حيث برزت في مئات الأشخاص فكأنها قد تجلت في شخص الممدوح, فالممدوح هو خالد بن الوليد في الشجاعة والحنكة، وهو المتنبي في الشعر والحكمة، وهو المغيرة بن شعبة في الدهاء، وعلي بن ابي طالب رضي الله عنه في البلاغة، ومعاوية بن أبي سفيان في الحكم، وحاتم طيئ في الكرم، والسموأل في الوفاء، وابن حزم في غزارة العلم والمنطق، وسيبويه في اللغة, وان كره قوماً، فهم أولئك الحاقدون المبغضون، الذين يتربصون به وبقومه الدوائر، وهم المخططون القادرون على تسيير الأمور في انحاء المعمورة، لذا وجب الحذر منهم، وعدم موالاتهم, فان تكلموا بخير عزاه الى غير مراده، وان تحدثوا بغير ذلك أخذه شاهدا عليهم, وهو بهذا لا يرى في حديثه ريبة، ولا يشك مثقال ذرة في قبول ما قال، حتى وان كان في قرارة نفسه يشعر بمقدار مبالغته، لكنها الجبلة، والشخصية التي تمثلت من خلال معطيات وراثية واجتماعية أدت الى تكوين شخصيته فبرزت هكذا فلم تجد ما يردعها عن خلالها فظلت كما كانت.
وفي ظل قصور الفهم، وعدم القدرة على التعبير، يكون الحماس الملاذ الذي يلفت النظر ويوصل الى الغاية فهو الوسيلة الوحيدة المتوفرة لدى العاجز.
والحماس في ذاته مطلب جيد مقبول لكنه ذلك الحماس الذي لا يعتريه شطط يخرج صاحبه عن الصواب ولا أقول الواقع فالفرق بينهما كبير.
لقد بالغ المداحون في مديحهم، كما بالغ الهجاؤون في هجائهم، شأنهم شأن مبالغة المحبين في حبهم، غير أن معظم أولئك المداحين او الهجائين، كانوا يتناولون مواضيع مديحهم وهجائهم لأغراض ترتبط في معظمها بشأو يريد المداح أو الهجاء الوصول إليه عن طريق مبالغته تلك, واليك ما قال ابن زيدون في المعتمد:


ويا فرط بأوى اذا ما طلعت
فقمت أقبل تلك اليدا
وحسبي من خالد فخرا أن
رضيت قبولي مستعبدا

فأي ذل بعد هذا يرتضيه أبو الوليد ابن زيدون لنيل مبتغاه، وأي ثمن يدفعه لكسب رضا من يمدحه وان كان يقليه في داخل قلبه؟! بل انه بالغ في المديح حتى أخرجه عن الكلام المقبول دينيا, وأربأ بنفسي عن ذكر ذلك.
وها هو المتنبي يهجو في أسلوب مبتذل كافور الأخشيدي الذي لم يكن كما صوره المتنبي, بل قد قام بقيادة الدولة الأخشيدية خير قيام بعد موت محمد طفج، وأولاده من بعده والذي اوكل اليه تربيتهم, وقد مدحه المتنبي فبالغ حيث يقول:


يا أيها الملك الغاني بتسمية
في الشرق والغرب عن وصف وتلقيب
أنت الحبيب ولكني أعوذ به
من أن أكون محبا غير محبوب

لكنه ما لبث أن هجاه بعدما نال ما ابتغاه لكنه لم ينل كل ما رآه جل غايته فبالغ في الهجاء متجاوزا كل القيم والمبادىء وهو بمبالغته مع بلاغته الفائقة قد جاوز الحد حيث يقول:


وتعجبني رجالاك في النعل أنني
وجدتك ذا نعل اذا كنت حافيا
وانك لا تدري ألونك أسود
من الجهل أم قد صار أبيض صافيا

هذا النوع من المبالغة في المدح والهجاء يختلف عن المبالغة في الحب والمودة حيث الغرض من هذا المسلك مطلب معين بين الحب الصادق مهما كان المحبوب كتابا كان أو قلما، أو صديقاً أو قريباً فتكون مبالغته تعبيراً عن ما هو مكنون، ومع ذلك فإن ذلك الوجد اذا صاحبته مبالغة كانت نتائجه غير المتوخاة في غالب الأمر.
لذا فإن التوسط في التعبير عن المحبة يكون أبلغ وأجدى للمحبين.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved