| أفاق اسلامية
* حوار : فهد بن راشد الغميجان
الجميع يدرك أن السرقة ظاهرة عالمية خطيرة موجودة في جميع بلدان العالم، ومن بينها بلادنا الاسلامية التي لم تسلم من هذه الظاهرة التي كم عانى البعض منها، وهذا ما يهمنا في هذا الصدد.
ومن اسوأ ذلك وجود السرقة في الاماكن المقدسة، مما يستدعي ويستوجب التصدي لهذه المشكلة في سبيل مكافحتها من جميع جهات المجتمع وافراده,, ولإيضاح مزيد من التفصيل في جوانب هذا الموضوع وقضاياه، يسرنا أن نلتقي بفضيلة الشيخ الدكتور ابراهيم الخضيري، القاضي بمحكمة الرياض الكبرى فإلى نص الحوار:
* في البداية,, نود من فضيلتكم تعريف السرقة لغة واصطلاحا.
السرقة في اللغة/ هي اخذ المال خفية، يقال سرق اي اخذه خفية.
اما اصطلاحاً/ فهي أخذ المال على وجه الاختفاء من مالكه او نائبه, ومتى كان الآخذ بالغاً عاقلاً مكلفاً قادراً، واعترف بذلك او ثبتت البينة بذلك حكم عليه بالحد.
* تفشت في الآونة الاخيرة مشكلة السرقة بعمومها، كيف ينظر الكتاب الكريم والسنة المطهرة لهذه المعصية؟
ينظر اليها على انها خطيرة، ومن القواعد المهمة التي جاء الاسلام بها للحفاظ على المال، ولهذا جعل الله عز وجل ضمانات كثيرة للمال، من تلك الضمانات قوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل , ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام,, الخ.
ولعل الشريعة لما راعت مسألة المال والحفاظ عليه، جعلت حد السرقة، فقال تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله * والله عزيز حكيم .
وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه فاقطعوا أيمانهما وعلى هذا فإن عائشة رضي الله عنها تروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما اخرجه البخاري ومسلم انه قال: ربع دينار وصاعداً ، وربع الدينار هو تسعمائة وسبعة وثلاثون في الالف من الجرام الواحد، لان الدينار اصله ثلاثة جرامات وثلاثة ارباع الجرام.
ولهذا لما جاءت الشريعة بحد السرقة، جعلت ثمة ضمانات كبيرة حتى لا يقام الحد على احد فيجنى عليه، لان اليد لا ترجع بعد ذلك، وقد تباحث العلماء في مسألة ارجاع اليد بالعمليات الجراحية بعد القطع، والحق في هذه المسألة انه يحرم، وان ارجاعها بالعمليات الجراحية بعد قطعها من الاستهزاء بشرع الله المطهر، فيحرم اعادة يد السارق، لان هذه اليد يد نجسة لكيلا تسري على الجسد كله.
* على ذلك ما الشروط الاساسية المطلوب توفرها شرعاً لإصدار الحكم على أن جريمة ما سرقة ؟
السرقة لها ستة شروط:
1, أن يكون المال المسروق محترماً.
2, أن يكون نصاباً وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار.
3, ان يخرجه من الحرز، والحرز هو ما تحفظ فيه الاموال وتغلق فيه، وحرز كل شيء بحبسه.
4, ان تنتفي الشبهة، وقد جاء في الحديث ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم ، وهذا الحديث روي عن عمر - رضي الله عنه - بطريقين صحيحين، وهو في حكم المرفوع، ولم يثبت رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح.
5, ثبوت السرقة، فلا يقطع الا بشهادة عدلين او يقر هو بنفسه مرتين، ولا ينزع عن إقراره.
6, ان يطالب المسروق من السارق ماله وعدم التنازل عنه، ولو تركه قبل وصوله الى الامام، فإنه لا يقام عليه الحد اما اذا تنازل عنه بعد وصوله الى الامام فانه يقام عليه الحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصفوان رضي الله عنه لما قال لسارق ردائه: اني عفوت عنه قال: هلا كان قبل أن تأتيني به.
* إذاً ما الانعكاسات السلبية التي تعود على الفرد والمجتمع جراء انتشار السرقة ؟
لاشك أن السرقة شر مستطير، وانه يجب على علمائنا ودعاتنا وقضاتنا ورجال اعلامنا ونسائنا الصالحات ان يحذروا اولاد المسلمين من السرقة لخطورة ذلك، ولعظم خطرها وضررها على الامة، فالسرقة اذا انتشرت في قوم ضعف جانب الايمان لديهم، كما قال صلى الله عليه وسلم أي جسم نبت بحرام فالنار أولى به ، كما ان ضرر السرقة يتمثل في اربع نقاط رئيسة:
1, ان الله لا يقبل دعوة السارق, لانه اكل مالاً حراماً كما جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: يمد يديه الى السماء يقول يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له .
كذلك قال في الملبي اذا وضع رجله في الغرز وقال لبيك اللهم لبيك وماله حرام,, قال له المنادي: لا لبيك ولا سعديك فزادك حرام ومطعمك حرام فلا يستجاب له دعاء.
2, ان السارق يخشى عليه ان يستدرج به الامر حتى يهتك الاعراض ويقتل، وقد حصل ذلك كثيراً، لان السيئة تقول لأختها أختي أختي أي تدعو اختها,, والحسنة تدعو اختها والله عز وجل يقول: إن الحسنات يذهبن السيئات , اذاً السرقة تجر الى ماهو اكبر منها.
3, الامر الاخطر هو ان السارق يعرض نفسه لدعاء المسروق، حتى لو كان كافراً، فانه لو دعا عليه فانها مستجابة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى قال في دعوة المظلوم: وبعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين .
4, ان المجتمع ينشأ في زوبعة من عدم الثقة والضياع المالي، فحينئذ تكسد التجارة ويتكاسل الناس عن بحث الرزق الحلال ويتعادون على كسب المال بطريقة محرمة، ولا يتورعون عن ذلك، فيصدهم عن بيوت الله والقيام بالطاعة, فكان لزاماً على الامة ان تتكاتف تكاتفاً عظيماً من اجل مكافحة السرقة وموعظة الناس وتوعيتهم وتحذيرهم من مغبتها.
* بصفة عملكم في القضاء بالمحكمة الكبرى بالرياض كيف ترى قضية السرقة ومدى انتشارها؟
من المعروف ان كثيراً من الناس يشتكي في بعض الاحيان من السرقة وبخاصة سرقة الصغار، وهذا يحتاج الى جهد مضاعف للتصدي لهذه المشكلة، من قطاع الامن او رجال الهيئات او الدعاة والمصلحين لاسيما في مواسم الحج لتوافذ بعض ضعفاء النفوس بقصد السرقة، وايضاً جانب العمالة التي ان كثرت كثر معها السرقة والجنايات، وكلما كثر الجهل وانتشر كثرت معه السرقة، وكلما ايقضنا الوازع الديني كلما تقل ويضعف وجودها.
* ولكن ما الجزاء المترتب على مرتكب هذه المعصية ؟
جزؤاه ان تقطع يده اليمنى في المرة الاولى، وذلك من مفصل الكف، وان كرر السرقة مرة اخرى قطعت الثانية على قول بعض اهل العلم.
ولكن الاهم والملحوظ هنا ان السارق له جزاءن وعقابان، جزاء في الدنيا يتمثل باقامة الحد, وجزاء في الآخرة يتمثل بعقاب الله سبحانه اذا لم يتب, وهناك حق للمسروق منه اما بدعوة في الدنيا او حسنات يجنيها يوم القيامة ونكال للسارق وسيئات تثقل كاهله يوم الدين.
كما اؤكد عبر هذه الرسالة انه يجوز لولي الامر ان يقتل السارق تعزيراً اذا تكررت سرقته وعم خطره وضرره بالمجتمع ولم يردعه الحد وقد ذكر ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية وذكره الامام احمد بن حنبل في رواية والامام مالك وغيره فالسارق اذا تكررت سرقته تكراراً مراراً فإن لولي الامر ان يقتله تعزيراً .
وهذا معمول به شرعاً عند الفقهاء المتقدمين، فعلى من تسول له نفسه الاقدام على مثل هذه الجرائم ان يحذر ويتنبه لذلك العقاب.
* من واقع خبرتكم القضائية، ما الحكم المعمول به في دول الغرب لهذه الجريمة؟
بطبيعة الحال مع الاسف الشديد الدول الاخرى لا تطبق حدود الله ولا تحكم بشرع الله عز وجل، ولهذا فإن مبايعة شعوبها لحكامها مبايعة مشلولة لم تبن على اصول شرعية، ودائماً يحكمون بالحديد والنار، وتلك الدول لا تطبق اصلاً حد القطع، وتنتشر السرقة بشكل خطير ومخيف وواضح جداً، بسبب انهم عطلوا حكم الله عز وجل، انما الذي يطبقونه فهو السجن لمدة بسيطة، او يحاكم ليرد المال المسروق وهذا نادر لا حكم له.
* فضيلة الشيخ,, هذا سؤال من شقين الاول يقول: بدأ البعض يلحظ وجود سرقة للسيارات من بعض الشباب، والثاني السرقة وسط الاماكن المقدسة هل من كلمة لمن تسول له نفس الاقدام على مثل هذه الجرائم؟ وهل من نصيحة لعموم المسلمين في هذا الجانب؟
اولاً سرقة السيارات فيها حكم القطع اذا سرقها وقد اغلقها صاحبا واوقفها في موقف صحيح، فانه تقطع يد السارق.
ثانياً السرقة في مكة المكرمة تضاعف حرمتها، لخطورة المكان، قال تعالى: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .
فاذا كان مجرد الالحاد في الحرم بالنية او الارادة يعاقب عليها، فما بالكم اذا قام بها وعمل بالسرقة, ولا ريب ان الذي يسرق في مكة يعزر بتعزير بليغ زيادة على القطع ليردع عن هذا العمل الشنيع وانصح اخواني اصحاب السيارات ان يحرصوا على سياراتهم، ولا يجعلوها عرضة للسرقة، وألا يهملوها كما انبه اخواني رجال الامن الى العناية والاهتمام بهذا الجانب ومحاولة الجد والاجتهاد كعادتهم في الشؤون الامنية.
كما اتمنى من صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز وفقه الله ان يوجه حفظه الله باستخدام الطائرات العمودية الهيلوكبتر في متابعة المسروقات خصوصاً في المناطق البرية لان المملكة صحراء كبيرة، ومحاولة القضاء على تلك السرقات بهذه الطريقة، في حال التبليغ عنها.
* ومتى يمكن غض الطرف عن السرقة وتخفيف الحكم فيها؟
ذكر العلماء وقت المجاعة والمسغبة، كمثل ان يسرق انسان طعاماً ليأكله خوفاً على نفسه من الهلاك والموت، وانما يجازى بما دون القطع وذلك للمسغبة وهي المجاعة التي يخشى الانسان ان يهلك معها، مع انه آثم اذا سرق فيما زاد عن دفع الضرورة، اما فيما يتعلق بالضرورة الشديدة والقصوى اذا اضطر للأكل ثم سرق الطعام ليأكل في وقت مجاعة، فهذا فيه تخفيف في الحكم عليه.
* وقبل الختام,, نسألك ما الطرق المشروعة لكسب المال الحلال؟
لعل من ابرز الطرق كما اخبر الله عز وجل، في كتابه الكريم من خلال السعي في الارض لابتغاء الرزق، قال تعالى: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور , وقال تعالى: أمن يرزقكم من السماء والأرض , وقد ذكر العلماء رحمهم الله تبارك وتعالى، ان افضل انواع الكسب هو الزراعة، وقال بعضهم التجارة، وقد كان داود نبي الله عز وجل يأكل من كسب يديه حين كان نجاراً، وكان من الانبياء من يرعون الغنم، ويأكلون من كسب ايديهم ومن تجارة رعيها، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة، فيأكل من كسب يده عليه الصلاة والسلام.
* هل من كلمة أخيرة في هذا الجانب.
نصيحتي لاخواني المسلمين في هذه البلاد المباركة شكر الله على نعمه العديدة التي من بينها واعظمها ان هذه الدولة يقوم عليها ولاة يحكمون بشرع الله فحفظ الله اموالهم واولادهم واعراضهم ودماءهم، والله هو خير حافظ ومعين, وانصحهم بتقوى الله والحرص على مصالح الامة.
كما اشكر الدعاة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وبخاصة رجال الحسبة،
واسأل الله لهم مزيداً من القوة والتوفيق والسداد واقول لهم ما قاله الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .
|
|
|
|
|