| مقـالات
كانت مسيرتنا مع هذا الكتاب، في الحلقة السابقة، عن سجل البيانات، في الأمور الدبلوماسية، في شؤونها المختلفة، مما حرص المؤلف الدكتور عبدالرحمن الحمودي، على إثباته في كتابه هذا، الجديد في موضوعه، المهم في مادته التي بسطها فيه، وهو جهد لا يستهان به، تحقق به فوائد ذات أثر، لا تتحقق لأي باحث، إلا بجهد ومثابرة,.
هذه البيانات، ترصد تاريخاً في مسارب الدبلوماسية، التي حرص عليها الملك عبدالعزيز رحمه الله من حين تكونت الدولة السعودية، في دورها الثالث، واتصلت بالعالم الخارجي سياسياً واقتصادياً,, مما أضفى على الكتاب مكانة متميّزة، وقيمة علمية,, وفي حديث اليوم، الذي نستهله بشهادة تقدير عما قدمه هذا الباحث، في كتابه العلمي هذا، من تغطية لجانب هام، في الدبلوماسية السعودية، في أدوارها الثلاثة، مع التوسع لما مرّت به في العصر الحاضر، بدءاً بتنظيم الملك عبدالعزيز لها، ومسايرته للجوانب الإدارية والتنظيمية، التي وصلت لها الأمم الأخرى، لأنه رحمه الله أراد الأخذ من حيث انتهوا، ولم يعد للماضي، ليأخذ من حيث بدؤوا المسيرة,.
وهذا برهان على بعد نظر الملك عبدالعزيز رحمه الله وسعة أفقه، حيث بهر الساسة بعمقه في الأمور، واهتمامه بالرقي ببلاده، على قاعدة راسخة، مستمدة من رسالة الإسلام، وسمو تعاليمه، حيث اعتزّ بأن يقدم كتاب الله جلَّ وعلا، في هيئة الأمم المتحدة، تلك المنظمة الدولية العالمية، التي حرص مؤسسوها منذ قامت على الاهتمام بقوانين الأمم المشاركة ودساتيرها، ضمن الوثائق الرسمية فيها,, فاعتزّ الملك عبدالعزيز بأن يكون القرآن الكريم، هو دستور بلاده، وعليه وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قامت الدولة، وبهما تسيّر الأحكام,, لأن تعاليمهما هي ثوابت البلاد، ودعائم بناء الفرد والجماعة,.
وقد جاء في تزكية هذا الكتاب، من سمو الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية، كلاماً توّج الباحث به كتابه هذا، وهي شهادة تستحق التقدير، والاعتزاز,, يقول سموه:
تعكس هذه الدراسة عن الدبلوماسية والمراسم السعودية ما بذله صاحبها الدكتور: عبدالرحمن بن محمد الحمودي، من جهد طيّب، وبحث جاد، وتقص متعدد الزوايا، والجوانب في موضوع لم ينل حتى الآن، ما يستحقه من العناية، والاهتمام، على الرغم من أهميته ودلالته.
وقد جاء هذا البحث، ليشكّل خطوة جيّدة، نحو تلبية هذه الحاجة، ولفت الأنظار، إلى مراحل تطور المراسم السعودية، وما صاحب هذه المراحل، من نمو مطرد، وانجازات عديدة بفضل الله ثم بفضل توجيهات ومساندة حكومتنا الرشيدة.
وإنني إذ أقدّر للباحث حرصه، على تغطية هذا الجانب الهام، من أنشطة الدولة، والمسؤولين فيها، لعلى يقين بأن ما بذله من جهد، وصرفه من وقت، خلال اعداد هذه الدراسة، سيعود بالنفع والفائدة على من يطلع ويتصفح هذا المؤلف (1:1).
هذا الموضوع الذي تطرق إليه الدكتور عبدالرحمن، في مؤلفه هذا، الذي ضمّ بين دفتيه مجلدين كبيرين، يعتبر الأول من نوعه، في المكتبة المحلية والعربية، ومرحباً مهماً في الدبلوماسية والمراسم السعودية: تاريخاً وتنظيماً وتوثيقاً، حيث لم يسبق إليه، ولم يتح لباحث، رصد المعلومات، واستيفاء الموضوع، بمثل ما أتيح له، بحكم عمله الذي يزاول، ولخوضه في الميدان تجربة ومتابعة,.
وبالنظرة العامة: فإن الكتاب يحتوي على مقدمة وتمهيد، وتعريف بالدبلوماسية الإسلامية وانطلاقها من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والسفراء الذين حملوا رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الملوك والأمراء في ذلك الوقت، وتوضيح لمميزات تلك الدبلوماسية الإسلامية من العصر الأول، إلى قيام الدولة السعودية الأولى في الدرعية.
وقد حرص المؤلف على أن يجعل كتابه في ستة فصول خمسة منها، هي محتويات المجلد الأول، والسادس انفرد به المجلد الثاني، مذيّلة صفحاته بالرسومات والصور التذكارية والبيانات والتوثيقات.
فالفصل الأول: تحدث فيه عن الدبلوماسية السعودية ، وبناء الدعوة السياسية في الدولة السعودية الأولى والثانية، كميثاق الدرعية، وبداية التكوين السياسي للدولة، ونشأته من خلال البعوث والرسائل، والأسس الإسلامية، وان الدبلوماسية السعودية، هي امتداد للدبلوماسية الإسلامية، منذ بداية دعوة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، سار على نهجها حكام هذه الدولة في اطوارها الثلاثة.
والفصل الثاني: عن الدبلوماسية السعودية، منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد أطال الله في عمره على طاعته ويحوي ايضاحات عن تأسيس وزارة الخارجية، وتشكيلاتها، ثم الأدوار التي مرت بها المملكة في قضاياها العربية والإسلامية، والجهد الذي بذلته الدبلوماسية السعودية لبعض تلك القضايا، كقضيّة فلسطين، وقضية الخليج، وقضية إعمار لبنان، وقضية البوسنة والهرسك، وقضية أفغانستان، وقضية الصومال، والآراء المستقبليّة عن تلك الدبلوماسية.
والفصل الثالث: يتضمن ايضاحات، عن نشأة المراسم السعودية وتطور إدارتها.
أما الفصل الرابع: فعن المراسم السعودية، ومقارنتها بمراسم بعض الدول العربية، كمراسم استقبال الضيوف وتوديعهم، والمآدب والحفلات التي تقام لاكرامهم، وحفلات الحج والعيدين، ومراسم تقديم أوراق اعتماد السفراء، ومنح الأوسمة، والميداليات ومراسم رفع الأعلام في المناسبات الرسمية والوطنية.
والفصل الخامس: يحتوي على مواثيق للمنظمات العربية والإسلامية والدولية، التي ساهمت المملكة العربية السعودية، في تمويلها وتأسيسها مثل: جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وهيئة الأمم المتحدة، وأهم ما صدر عن تلك المنظمات من قرارات بشأن حلّ المشكلات العربية والإسلامية والدولية.
وخصص الفصل السادس للزيارات والمؤتمرات في الدولة السعودية المعاصرة ومراسمها، حيث تحدث فيه عن الملك عبدالعزيز رحمه الله باختصار وسياسته الداخلية والخارجية، وبرنامجه وأهم الزيارات التي قام بها خارج المملكة، والزيارات التي قام بها ملوك ورؤساء، وأمراء الدول للمملكة في عهده، ومثل ذلك ما تم في كل من الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد رحمهم الله وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، وإخوانه ورجاله المخلصين,.
هذا الكتاب الشامل، كما يتضح من أبوابه الستة أو فصوله الستة التي احتواها، وما تحمل من معلومات سوف نشير إلى ما يتيسر منها، مما يبرز مكانة هذا الكتاب، في ميدان تخصصه، فإن المؤلف الدكتور عبدالرحمن، قد بدأه بعد المقدمة التي شملت: أهمية الموضوع وسبب اختياره، في دراسة تحليلية لأهم مصادره، بالتمهيد: المبين بعرض موجز، لنشأة الدبلوماسية الإسلامية العربية، في أربع نقاط.
التعريف بالدبلوماسية الإسلامية وانطلاقة الدعوة الإسلامية من مكة المكرمة والمدينة المنورة.
- والسفراء الذين حملوا الكتب المرسلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء وردود الفعل تجاه تلك الرسائل.
- وأهداف ومميزات الدبلوماسية الإسلامية في العصور الأولى، وتطورها حتى قيام الدولة السعودية المعاصرة,,
وهذا التمهيد يعتبر مدخلاً للموضوع، وربطاً للقديم بالجديد، وأن الدبلوماسية الحديثة المقننة بأنظمتها وترتيباتها، فإنما هي امتداد للدبلوماسية الإسلامية الأولى، ذات البساطة في عملها، المستمدة من بساطة الإسلام وشموليته,.
وكما هي العادة في كل بحث علمي، يختم المؤلف كتابه هذا بخاتمة: تنبئ عن أهم النتائج، ومصادر البحث التي اعتمد عليها، في توثيق بحثه، حيث ضمّن الملاحق، بجداول عن الأئمة والملوك، الذين تعاقبوا على حكم الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة، بتوضيح فترة الولاية، ومدتها وجداول أخرى، بأسماء الذين تعاقبوا على المناصب الرسمية القيادية في المملكة، منذ عام 1344ه إلى وقت اعداد هذا البحث، كمنصب رئيس مجلس الوزراء، ورئاسة الديوان الملكي، والمراسم الملكية، ثم المناصب الوزارية، ووزراء الدولة، موضحاً تاريخ بداية ونهاية كل فترة.
واتبع ذلك بملاحق وبيانات ووثائق، وخرائط ورسومات ثم ثبت ذلك بالمصادر، التي استقى منها معلوماته، في بحثه هذا,.
ويمكن إبانة الجهد الذي بذله الباحث في تجميع المعلومات وتوضيحها، وضغط المادة حتى لا يكبر الحجم فوق ما يريد، لتكون المعلومات واضحة ومفيدة، ومؤدية الغرض، مع تشويق القارئ حتى لا يمل,, يمكن بروز ذلك وفق هذه المعلومات المجملة.
عدد البيانات الموضحة للمعلومات، التي أشرنا إلى جزء منها في الحلقة السابقة 182 بياناً.
عدد الصور الممتازة والنادرة وفق مناسباتها واستقاها من ثماني جهات 146 صورة.
عدد الوثائق والخرائط، التي تبرز مكانة المملكة، وحدود الحرم 37، بين وثيقة وخريطة توضيحية.
ولا شك ان الدكتور عبدالرحمن، في مؤلفه هذا قد برزت مجهوداته، واهتماماته باضافة أشياء جديدة، على المكتبة العربية، واستخراج معلومات، عن بلادنا: تاريخياً ودبلوماسياً مما يسلّط الضوء على اهتمام المسؤولين في المملكة، على السير بالبلاد حثيثاً في التنظيم، والأخذ بكل جديد، في السياسة المعتدلة، والمراسم وما يتعلق بجوانب هذا الموضوع: الجديد القديم,, فهو جديد في ادخاله كنظام حديث يساير الدول الأخرى، فيما أخذته من غيرها,, حتى صار نظاماً له ترتيباته وطقوسه، متعارف عليه.
وقديم في التقاليد بين الأمم، حيث أدخل عليه الإسلام، منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إطاراً دينياً، تمكّنه شريعة الإسلام، في البساطة والصدق والأمانة,.
وكان من فاتحة الصور في الجزء الأول، تلك الصورة النادرة التي تبيّن سور وقلعة المدينة المنورة، بصغر حجمها، حيث تبرز من داخل السور مآذن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1:42 وليت هذه الصورة، قد وثّقت بالتاريخ، الذي يوضح زمن أخذها,, لأن توسعة خادم الحرمين الشريفين لمسجد رسول الله فيما يظهر للمهتمين، قد استحوذ على هذه المساحة وزيادة، المحددة للمدينة المنورة، وفق شمول هذا السور، وبالمقارنة تبرز الجهود المبذولة من الدولة السعودية، في خدمة الحرمين الشريفين، والاهتمام بالمشروعات المتعلّقة بالأماكن المقدّسة، وتيسير سبل الحجاج والزوار، في الوصول إلى الحرمين الشريفين، وأداء المناسك في الحج والعمرة، وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يسر وسهولة، وأمن وراحة، بعد أن عزّ الأمن، قبل العهد السعودي، الذي شعر بدوره الحجاج منذ عام 1344ه وعلى يد وبتوفيق من الله، وجهود الملك عبدالعزيز رحمه الله ,, عزّ ذلك قروناً متطاولة,.
فقد أعطى الدكتور هذا الجانب أعني جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أهمية في بحثه وتعريفاً، بالصور والبيانات، التي تمّت في الحرمين الشريفين، مقارنة بين الزيادات السابقة، وما تحقق في عهد خادم الحرمين الشريفين، بالأرقام، والتكاليف المالية، والرسوم التوضيحية، حيث بلغت تكاليف توسعة وإعمار الحرمين الشريفين في العهد السعودي أكثر من 72 بليون، 200 مليون ريال سعودي، حيث أصبحا أكبر مسجدين في العالم بأسره، وأكثر استيعاباً لأي تجمّع على وجه الأرض في العالم، فقد قدر الدكتور أن الحرم المكي عدد استيعاب المصلين في أوقات الحج والعمرة، ورمضان بأكثر من مليون مصل، ومثل ذلك مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم,, هذا عدا الجهود المبذولة في المساجد الأخرى في مكة والمدينة من أجل راحة الحجاج في مسجد قبا ومسجد القبلتين في المدينة، ومسجد نمرة في عرفات، ومسجد الخيف في منى وغيرها، وهي جهود سلّط الدكتور عبدالرحمن الضوء عليها تذكر فتشكر ينظر 2: 1079 1096 .
قوانين الحجابة ورسومها: جاء في كتاب رسوم دار الخلافة لهلال الصابئ المتوفى عام 448ه : ان الوزير متى أراد أن يكتب شيئاً بحضرة الخليفة إذا أمره به، فقد كانت العادة جارية، بأن يكون في خُفّ الوزير أو الكاتب دواة لطيفة سلسلة، ودرج، وأداة فيها طين أحمر يختم به، وفيها قصاصات من الورق كالسير في عرض رأس الخنصر تلفّ على الرسالة، بعد طيّها، فإذا أراد أن يكتب، علّق الدواة في يده اليسرى، وأمسك الدرج في اليمنى، وإذا فرغ اصلح الكتاب وطواه، بلفّ بعضه على بعض لفاً خاصاً، ووضع الطين وختمه وأنفذه.
وليس من الأدب ان يستسقى الماء في دار الخلافة، ولا من الرسم أن يُسقَى، هذا في عموم الناس، فاما الخواص، فربما فسح لهم في ذلك على وجه الإكرام، وأولى ألا يكون,, فقد حدّث إبراهيم بن هلال جدّ المؤلف، قال: حضر المهلبي، دار المطيع لله، لأمر عرض، فإلى أن يؤذن له ويصل، ما استسقى ماءً، وتأخر إلى أن دخل إلى حضرته، وخرج ونزل إلى طيّارة، ولحقه خادم معه غلام تركي، وضيء الوجه، حسن الثياب، وفي يده صينية عليها أقداح الشراب من ذهب، وفيها كوز بلّور، وعليه منديل ديبقيّ، وبيده الأخرى منديل شراب، فشرب المهلبي، فلما فرغ وسلّم الكوز إلى الغلام قال الخادم للغلام امض مع الوزير، فقال المهلبي: ولِمَ ذاك؟ قال: لأنه لم تجر العادة، بأن يخرج عن دار الخلافة شيء، من هذه الأشياء، ويعود إليها، وقد رسم لي ما فعلت، ولا قدرة لي على مخالفته والغلام، الآن عندك وما معه لك، فذهب المهلبي بالغلام وما معه.
والحاجب لابد أن يكون في متوسط العمر، بين الثلاثين والخمسين من عمره، قد أحكمته الأمور، أو شيخاً متماسكاً قد عجمته الدهور وعركته، وله عقل وحزم، يدلّانه على الصواب، وأن يرتب الحواشي فيما يتولونه ترتيباً لا يجاوز بكل منهم حدّه، ولا يحمله ما لا يطيق، ثم يراعيهم مراعاة، تدعوهم إلى التحرز في الأفعال، ومداومة الخدمة من غير اخلال وملازمة الحشمة، والتحفظ في الأعمال.
ومما ينكر: دخول الداخل إلى دار الخلافة، بنعل أو خفّ احمر، لأن الأحمر لباس الخليفة، ومن دخل بحذاء أحمر فإنه يعد من الخارجين عن الطاعة، واتفق ان دخل ابن أبي الشوارب القاضي، وكان من جلة القضاة، وممّن يرجع نسبه إلى بني أمية، دار المطيع لله، بخفّ أحمر، ورآه الحاجب، فقال له: تأتي أيها القاضي إلى خليفة آبائك في العناد، والمباينة، يا غلام أنزع خفّه، وأعل به رأسه، وتناوله من المكروه قولاً وفعلاً، بما أسرف فيه، وعرف المطيع لله ذلك فلم ينكره، حيث أخبره جواسيس القصر، وانصرف أبن أبي الشوارب إلى داره، فاحتجب فيها، ولم يخرج منها حياء وكمداً، وكانت وفاته عقب هذه القصّة, رسوم دار الخلافة 71 76 .
|
|
|
|
|