| مقـالات
هل يشكل نقل مفاهيم الحداثة ومصطلحاتها النقدية من اطارها المعرفي ومن مزاجيتها الفكرية أو ابتسارها من بيئتها، وتفريغها من محتوياتها لتصبح نصاً كانطياً مفرغاً، لتقوم الثقافة الحاضنة بملئها، بمفارقاتها الفكرية والاجتماعية، بعد عزلها عن دلالاتها المعرفية والثقافية، ليتم توظيفها لينتج بعد تبييئها آليات من الممارسة المعرفية بغرض جعلها متناغمة ومنسجمة معها بوصفها نسقاً معرفياً واطاراً لتطور الخطاب الاجتماعي، هل هذه الدينامية لا تساهم في خلق أزمة في الوجدان الاجتماعي ولا تزيد من صعوبة تعكر المزاج الثقافي، أو تكون سبباً في احداث فوضى على مستوى آلية الاتصال المعرفي، وبالتالي فقدان القدرة وتلك الآليات المألوفة على مستوى فهم الدلالات المعرفية وعلاقتها في انتاج الخطاب المعرفي في اطاره التاريخي والاجتماعي دون أن تكون هناك حالة من الارتجاج والارباك في تخليقه في واقعنا العربي أو تحديد معانيه في لغة الوجدان الاجتماعي، ان هذا الموضوع نرى تجلياته في المفاهيم والمصطلحات المعاصرة وما أنتجته الحداثة الغربية من انماط ثقافية متعددة، وتبرز هذه التجليات في المدارس النقدية والادبية والفلسفية، من بنيوية وتفكيكية وما أفرزته من تطورات مثلت تحديات وهواجس انعكست حتى في علاقة ذلك الخطاب الحداثي بالسياق الغربي نفسه، فلم تكن تلك المذاهب وما أنجزته الحداثة الغربية في بيئتها تعبيراً تاماً عن الوجدان الاجتماعي أي تعتبر تطوراً معرفياً لا تعتريه الشوائب والبراثن المزاجية التي تسقطه مجرد محاولات، فيها كثير من الفوضى والاهتزاز، بمعنى اغترابها كنسق ثقافي ووجداني عن الخطاب التاريخي الاجتماعي وآلياته التخاطبية وقدرته الحقيقية التي يستمدها من علاقته الانسانية والحضارية، فإذا كان خطاب الحداثة اليوم يشكل بعض التحديات المعرفية للانسان الغربي نفسه في علاقته بهذه المذاهب كمتلقٍ ومنتج لهذا الوجدان، وكما نلمس ذلك في تعليقة أستاذ الشعر والنقد (جودسون) على بحث (جاك دريدا) في مؤتمر جون هوبكنز (1966) وقد اعتبر في حينه (مانفستو) التفكيكية الذي جاء فيه ان بحث دريدا يقنع القراء بأنهم لا يعرفون لغتهم، وأكثر من ذلك، فكرهم يجب ان تتم دراسة للغات النقد قبل ان يصبح لأي شيء نقوله حول الأدب معنى (1) فإذا كانت لهذه الهواجس من مشروعية في البيئة التي انتجت خطاب الحداثة، فكيف الأمر بالنسبة للثقافات الأخرى التي لا تنتج هذا الخطاب ولا تنتظم أصلا في مرجعياته، كيف لا يكون السؤال أكثر مشروعية؟ ولاسيما في ظل انعدام العلاقات المتوازنة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا.
حيث ان هذا الأمر لم يقتصر على الشرق الإسلامي والعربي بل حتى العالم الغربي بات خطابه الثقافي يعكس مثل هذه الهواجس والمخاوف بسبب الاستغلال السياسي والايديولوجي لخطاب الحداثة من قِبل بعض الدول التي تمارس الاستبداد الثقافي وفرض عقيدتها السياسية والاقتصادية، باعتبار ما يتضمنه هذا الخطاب من وصايا وسيطرة ثقافية وفكرية، ولهذا أصبح مألوفا معارضة هذا الخطاب وتوجهاته ومقاومته، حفاظا على الثقافة الوطنية والتاريخ والفلكلور الشعبي وما الى ذلك من الهواجس كما هو حاصل ومتبدٍ بشكل واضح في الخطاب الثقافي الفرنسي وفي موقف النخب الثقافية التي تتحفظ على كثير من آليات التثاقف التي تطرح بقوة في خطاب العولمة والمنحاز ثقافيا وسياسيا لحساب الولايات المتحدة كأكبر منتج لمفرداته اليوم، اذاً ليست المسألة مجرد موقف رافض او يستهدف التعبير عن مواطن التفكير الايديولوجي عند إجراء مراجعة فكرية لنمط الخطاب الحداثي او التحفظ على طريقته وآليته التي يتم من خلالها نقله وفي متن تاريخي ومعرفي معزول عن بيئته وخلفيته الفكرية والثقافية، وانباته بفوضة المنطق الحداثاوي وبنزعة علموية تجعل من الحداثة عقيدة وأصلانية، وحتى لو كانت في لحظة تاريخية غير منسجمة ولا تعبر عن تطور الخطاب في سياقه الاجتماعي، بمعنى عندما تتحول الحداثة الى لغة مطاطة وأداة للاخلال وتشريع الفوضى المعرفية وزحزحة بنى الاستقرار وإحداث الارباك في داخل الواقع الثقافي والاجتماعي، ومحاولة ايجاد منطق عقلاني لممارساتها وما تفرزه من نتائج تُخلف الكثير من الاشكاليات والتعارضات الفكرية والايديولوجية او تتحول ممارستها الى نوع من الكليشيهات الايديولوجية وبالتالي تبرير تداعياتها السلبية والمعرفية مطلقا، حيث يبقى منطقها حتى لو افرغ من مضمونه من أي مؤدى علمي، المنهج الذي لا يجب ان يرفض حتى لو أدت ممارسته الى التعارض مع ما انجزه الفكر العربي من معارف، هكذا تقوم بعض التوجهات الفكرية باستحضار الحداثة، على انها شكل من أشكال الترف الفكري والمعرفي، حيث تخرج عن كونها محاولة جادة للخروج من مآزق التخلف التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية، فعندما لا توظف المعرفة ومذاهبها الحداثية لحساب الوعي الثقافي والمعرفي ولا تكرسه كقيمة إنسانية، او عندما يتحول مجرد السعي لاكتسابها فقط للتعبير عن المساحات الايديولوجية، وليس بقصد تعميق الوعي الاجتماعي الحقيقي الذي يتجاوز الأغراض الشخصية البسيطة التي لا تعدو عن كونها مزاجية وضيق أفق في ممارسة العمل الثقافي والاجتماعي.
هوامش: (1) مجلة الكرمل
|
|
|
|
|