| مقـالات
أبداً لا تعني النظرة للمعاقين أنها مجرد الرأفة بهم، والشفقة عليهم، وإبداء مظاهر العطف لحالهم، ولكنها تعني في مجتمعنا المتحضر أنهم ذوو كفاءات، ويمكن الاستفادة من قدراتهم المتبقية في العمل على محاور النهوض بمجتمعنا, هذا جانب في فلسفة رعاية المعاقين، جانب آخر هو أن المعاق له حقوق أساسية في النواحي الاجتماعية والإنسانية التي تستهدف تمكنه من أداء وظيفته في الحياة، واشباع حاجاته كأي عضو آخر في المجتمع، وكأي مواطن صالح يعمل وينتج له من الحقوق ما لغيره، وعليه من الواجبات ما عليهم على أساس من تكافؤ الفرص وحق التنافس في الحياة بما يحقق لهم احترام الذات، والاعتماد على النفس، والشعور بالأمن والارتياح والاستقرار.
ولقد ثبت فعلاً من التجارب العملية في ربوع المملكة ان المعاق في امكانياته مزاولة العمل بإتقان ومثابرة ومهارة تفوق مهارة الشخص السليم أحياناً لو أحسن اختيار العمل المناسب لقدراته ومواهبه ودرب عليه التدريب الفني الصحيح, كما أثبتت البحوث العلمية التي أجريت في هذا الصدد أن المعاقين أكثر مواظبة في العمل واستقراراً فيه، بل وأقل تعرضاً للاصابة من غيرهم أثناء العمل لزيادة حرصهم.
إذن ثمة هدف من النظرة إلى المعاق في حضارتنا قوامها تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص كما ذكرنا وذلك عن طريق تهيئة الفرصة لهذه الفئة من أبناء الوطن العزيز ليحيوا حياة كريمة هم وأسرهم، فلا يعيشون عالة على المجتمع ولا يتجهون إلى التكسب بطريق غير مشروع قد يؤدي بهم إلى الانحراف عن خط السواء المعاييري بسبب حنقهم وضيقهم وتحاملهم على المجتمع الذي لم يمنحهم حقهم، ولم يسد حاجاتهم، ولم يشبع رغباتهم ويحقق آمالهم.
إذن تشمل النظرة الصحيحة إلى المعاق الكيفية التي يتوافق بها مع المجتمع الذي يعيش فيه، وإلى مد قنوات التقبل والرضا ووضع أساليب العمل التي تقضي بحل مشكلاته تلك التي يعانيها المعاق وأسرته حتى يكون في طليعة كتيبة الانتاج، وبالتالي زيادة معدلات التنمية ورفع مستوى الدخول.
وتحقيقاً لهذا الغرض تقوم الأجهزة المعنية بشؤون المعاقين سواء كانت هذه الأجهزة حكومية أو أهلية بدور ايجابي فعال في هذا الميدان وترسم له سياسة انشائية بناءة تنهض على أسس من التخطيط الواعي السليم الذي أوصى به قائد مسيرتنا الوطنية الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - ونائبه الأول، وحكومته الرشيدة التي لم تأل جهداً في تقديم البرامج لتنظيم العمل وتوفير الخدمات للمعاقين كحق كفلته الأنظمة في المملكة التي حددت وسائل تقديم الخدمات، وأسس انشاء وتشكيل الجهات المختصة بذلك ونظم توجيهها ورقابتها والإشراف عليها.
هكذا تغيرت النظرة للمعاقين من مجرد العمل على منحهم المساعدات الاجتماعية والايوائية من منطلق العطف عليهم والرأفة بهم، إلى اعتبارهم يشكلون حجماً متناسباً في نطاق القوى البشرية المنتجة التي تساهم بمقدرة وفعالية في ميدان الانتاج باستخدام أحدث النظم والوسائل لدرجة تفوقت فيها المملكة على سائر الدول التي سبقتنا في هذا المضمار وذلك عن طريق الاستثمار الجيد لما تبقى لهم من قدرات, وقد وضعت المملكة أساساً متيناً في هذا الصدد يعتمد على قواعد البحث العلمي السليم فنياً وتجريبياً، واستثارة الرأي العام بوسائل الإعلام المختلفة للمشاركة في مجالات العمل المختلفة مع هذه الفئة الغالية من أبنائنا، أبناء هذا الوطن الغالي.
ولعله مناسب من خلال الخبرة الميدانية أن أعرض لتلك المجالات العلمية التي ينتظم بها فئات من اخواننا المعاقين حسب قدراتهم واستعداداتهم وتدريبهم في مؤسسات التأهيل المهني وهي على سبيل المثال وليس الحصر ولنوضح مدى المساهمة التي يقدمها المعاقون في خطط التنمية، وسوف أعرض هذه المجالات في مجموعات نوعية: فمنها مجال الكمبيوتر والمعلومات والاتصالات بفروعها المختلفة، ومجال الأعمال الميكانيكية والصناعية المختلفة مثل لحام الاكسوجين والكهرباء والبرادة والخراطة والحدادة وأعمال السمكرة والسباكة وطلاء المعادن ودهان الديكور والنقش والصناعات الجلدية وصناعة السجاد وآلات النظافة، وصناعة الكراسي والدواسات، والصناعات الدقيقة التي تشمل اصلاح الساعات، وكذلك المشاركة الايجابية الملموسة في قطاع التعليم بالتدريس والإدارة المدرسية والتعليمية وفي مجال الإمامة والوعظ وتحفيظ القرآن الكريم، والكتابة على الآلة الكاتبة وأعمال الترجمة والتحرير، والتجليد، والطباعة وأعمال التليفون والاستعلامات، ومصور أشعة، والرسم والخط وأعمال المخازن، وفي أعمال التجارة والبيع، وأعمال البنوك والصرافة، واقامة المشروعات الفردية والجماعية، وفي مهن أخرى مختلفة مثل عمليات اللف والتغليف والتجميع والتركيب,, إلخ.
يفهم من هذا ان نظام الدولة يهدف إلى قيام مجتمع الرفاه، مجتمع الانتاج والتنمية المستدامة، وتهيئة الحياة الكريمة المنتجة لكل مواطن، والدولة الآن لا تعرف معنى العجز، فقد رفعته من قاموسها وتحولت إلى العمل على ارساء مبادئ عزة المواطن وكرامته، فالعمل الذي يؤديه المعاق في معية اخوانه المواطنين الأسوياء في المجتمع فضلاً عن أهميته الاقتصادية في حياة الإنسان، فهو تأكيد للوجود الإنساني ذاته، وليدرك أخي المعاق انه لم يكن ولن يكون في عداد القوى البشرية المعطلة، فهو لا يقل عن غيره من الأسوياء وله حق العمل وحق الحصول على ربح ودخل يتناسب مع قدراته، ومجتمعنا السعودي مجتمع الكفاية والعدل، مجتمع تكافؤ الفرص، مجتمع الانتاج والخدمات.
وبهذا أصبحت رعاية المعاقين لا تدخل في عداد الصدقة والإحسان ولكنها تحمل معنى التقدير والاحترام، وان توفير الخدمات الرعائية لهم هو من أجل تقرير حق الحياة والعمل لكافة فئات المجتمع على السواء من خلال خطة مدروسة واستعداد كامل، ومن خلال الوعي بأن الدولة تهتم بكافة المواطنين عملاً لا قولاً، وأنها تستخدم هذا الوعي في تحريك المواطنين نحو معالجة مشاكلهم بطاقاتهم الذاتية تحت رعايتها وبمعونتها ليتحقق النصر والنجاح بعون الله وتوفيقه.
|
|
|
|
|