لقد شرف الله سبحانه وتعالى هذه البلاد المباركة باحتضانها لأطهر البقاع المقدسة على وجه البسيطة كما شرف حكومتها يحفظها الله بمهمة ومسؤولية القيام بخدمة ضيوف الرحمن القادمين لهذه الاماكن المقدسة حتى اضحت هذه المهمة تمثل الركيزة الاساسية التي تتمركز حولها بقية المهام، ومن دون شك فقد اضطلعت حكومة هذه البلاد بمسؤولياتها على الوجه الاكمل وبالشكل الذي يتناسب مع الاهمية البالغة لهذه الديار المقدسة ويتوافق مع شرف المسؤولية.
وفي هذه الايام حيث يتوافد المسلمون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليؤدوا فريضة الحج تحرص الجهات الحكومية المعنية على بذل كافة الجهود وتذليل كافة الصعاب حتى يتمكن ضيوف الرحمن من أداء مهمتهم بكل طمأنينة واستقرار، ولكن على الرغم من كل هذه الجهود المكثفة هنالك بعض الملاحظات التي ارى ان من الممكن تلافيها حتى تكتمل الصورة المشرفة وبخاصة ونحن نعلم حرص المسؤولين في هذه البلاد رعاهم الله على الظهور بالمظهر المشرف الذي يتوافق واهمية المسؤولية.
ومن اهم هذه الملاحظات:
1, على الرغم من ضخامة المشاريع التطويرية التي لم تتوقف ولم تتأثر بالتغيرات الهيكلية التي تتعرض لها الميزانية العامة للدولة الا ان المتابع يلاحظ ان تنفيذ بعض هذه المشاريع يتأخر الى اوقات حرجة بل الى اوقات تتداخل مع الاوقات المحددة لقدوم الحجاج، وهذا في اعتقادي له الكثير من السلبيات التي ربما تأتي في مقدمتها الزيادة الكبيرة في تكاليف هذه المشاريع نتيجة للمغالاة التي قد يلجأ لها المقاول المنفذ لقناعته بأن البديل المناسب ربما لا يكون متاحا او متاحا ولكنه غير قادر على التنفيذ خلال الفترة الزمنية المحددة، كما إن التأخر في التنفيذ قد يؤدي الى إضعاف عنصر الرقابة المطلوبة على مثل هذه المشاريع مما قد يؤثر سلبا على مستوى النوعية خصوصا وان ضيق الوقت قد يدفع الجهات المعنية الى قبول المشروع بكل عيوبه وعلاته، وبالتالي فإن من الاولى المبادرة الى تنفيذ هذه المشاريع في اوقات مبكرة ومناسبة بدلا من تأجيلها الى اللحظات الاخيرة خصوصا وان موعد الحج ثابت لا يتسم بعنصر المفاجأة، يجب علينا ان نعي اهمية التخطيط المستقبلي حتى نتلافى مثل هذه الملاحظات التي تكلف الكثير وتولد الانطباع لدى الحاج بعدم وجود المخطط والمنفذ الناجح.
2, لقد حرصت حكومة هذه البلاد رعاها الله على تنفيذ مشروع الخيام الدائمة بمنى كوسيلة لتأمين سلامة الحجيج وتنظيم سكناهم خلال فترة اقامتهم بهذا المشعر، وحتى تكتمل فرحة ضيوف الرحمن بهذا المشروع المبارك نأمل من الجهات الحكومية ذات العلاقة العمل على وضع الآلية المناسبة التي تحول دون استغلال بعض المطوفين لهذا المشروع كوسيلة لمضاعفة الكسب واستغلال الحاجة حيث نجد ان بعض المطوفين يقوم باستئجار أعداد كبيرة من الخيام تفوق حاجته بقصد إعادة تأجيرها وبأسعار خيالية خلال الأيام الاخيرة التي تشهد ندرة أماكن السكن المناسبة مما يدفع بالحاج الى القبول بالسعر المفروض، وهنا أعتقد ان من المناسب ان تقوم الجهات المعنية بتحديد تسعيرة معينة يلتزم بها المطوفون ويعلن عنها في جميع وسائل الإعلام المتاحة على ان يعاقب كل مخالف بعقاب رادع قد يصل الى حرمانه من الاستئجار في الاعوام القادمة، اضافة الى ذلك فإن من المفترض ان تعمل الجهات المعنية الى خلق سوق اكثر تنافسية بدلا من السوق الحالية التي يمكن وصفها باحتكار القلة وذلك عن طريق زيادة فرص حصول الافراد على الخيام من الجهة المعنية التي تتولى الاشراف على توزيع الاماكن للمطوفين خصوصا إذا كان من غير الممكن وضع ضوابط ملزمة تحكم تصرفات وتعاملات المطوفين.
إشارة
على الرغم من ان النظرية الاقتصادية الجزئية تنص على ان زيادة أعداد المستهلكين تؤدي الى زيادة الطلب على السلعة التي بدورها تخلق فائضا في الطلب لا يزيله سوى ارتفاع السعر الذي سوف يحد من زيادة الطلب ويشجع البائعين على زيادة الكميات المعروضة، الا ان التقارير الرسمية والملاحظات الشخصية تؤكد بأن اسعار السلع الرئيسية لا تخضع لهذه القاعدة اثناء موسم الحج، ففي حالات كثيرة نجد ان زيادة أعداد المستهلكين قد ادت الى زيادة المعروض من السلعة دون ان يصاحب ذلك ارتفاع في الاسعار، اعتقد أن التفسير الوحيد لذلك هو ان النظرية الاقتصادية قد اعتمدت في تحليلها على دور قوى السوق في تحديد اتجاه التغير في المتغيرات الرئيسية ولم تأخذ في الاعتبار القوة الإلهية التي عطلت قوى السوق وبدلت اتجاه المتغيرات الاقتصادية، فسبحان القادر على كل شيء.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية.