كيف ننمي في الطفل عادة القراءة؟ مندل عبدالله القباع |
ونحن نتعامل اليوم ولو عن بعد مع التكنولوجيا المتقدمة والليزر والمستشعرات والأنزيمات والاتصالات البيئية والكمبيوتر والانترنت، وتكنولوجيا المعلومات، والتكنولوجيا الحيوية، والهندسة الوراثية، وتكنولوجيا الدواء وتكنولوجيا الالكترونيات الدقيقة وكذلك تكنولوجيا الفوتونات الضوئية الدقيقة,, الخ، لم يعد مقبولا في ظل هذه الثورة العلمية والتكنولوجية أن ننصرف نحن الراشدين عن القراءة عامة والعلمية منها خاصة.
والحقيقة التي لاشك فيها أن الانصراف عن القراءة ترجع أسبابه الى المرحلة الأولى من عمر الانسان مرحلة الطفولة الباكرة حيث لم يجد القدوة والمثل أمامه، ذلك الذي يهتم بالقراءة، فهما وتحليلا، وتركيبا ونقدا وتمييزا، حتى يمكن للطفل أن يحترم الكتاب ويحترم تناوله والتعامل معه، ولم يكن هناك من يمد له يد العون والمساعدة في مراحل القراءة الأولى التي تحتاج الى توجيه وإرشاد كيف يقرأ بتأنٍ وكيف يمعن النظر ليفهم ما يقرأ، ولم تكن المكتبات اتسعت كما هي عليه الآن حيث يوجد بها كل ما يناسب الطفل سنّاً وموضوعا، ولم يتوفر له التشجيع والحافز الذي يجعل القراءة عملية سارة ومبهجة ومحببة بحيث تصير بعد ذلك عادة متأصلة تصاحبه بعد ذلك في مختلف مراحل العمر، مع الوضع في الاعتبار أن القراءة أساس التعلم، والبنية الأساسية للمعرفة، ومظهر الشخصية النامية.
ولقيت من الناس من يتخيل أن الطفل ليس بحاجة الى الكتاب إلا بعد ان يلتحق بالمدرسة ويتعلم القراءة، فحينئذ يصير الكتاب مهما بالنسبة له، ولكن هذا الاتجاه نحو القراءة بعيد عن الصواب,, لماذا؟ لأن الطفل الذي لم يتدرب على مسك الكتاب وفتحه والتطلع اليه سيواجه بالطبع عند التحاقه بالمدرسة صعوبات كثيرة في علاقته بالكتاب.
ولذا فإن الطفل الذي ينشأ في بيئة تمارس القراءة وتحث عليها وتشجع على تناولها ويجد الكبار والصغار حوله يتناولون الكتاب بأغراض مختلفة للمذاكرة أو الاطلاع أو مجرد التسلية أو اللعب أوالرسم وفي غضون ذلك يجد اهتماما ورعاية بالكتاب، وتخصيص مكان هادىء للقراءة وموقع مناسب لحفظ الكتاب مع تخصيص جزء منه للأطفال في مثل هذا المناخ تنمو قدرات الطفل على القراءة بنفس الطريقة التي تنمو بها قدراته على الكلام مما يجعل أهمية القراءة هي نفسها أهمية المشي أو الكلام بالنسبة للطفل.
والطفل الذي ينشأ في بيئة قارئة عندما يلتحق بالمدرسة يجد الأمر سهلا وميسورا لديه في القراءة من خلال ما سبق اكتسابه من أفكار ومدركات واتجاهات مما يجعله يقبل على القراءة في سعادة وبهجة بل رغبة في الفهم والوعي بما يقرأ.
ونود التنويه بأن الطفل أي طفل لديه دافع للاهتمام بمسك الكتاب أولا ثم التعامل معه بناء على التقليد والتوجيه, وهذا الدافع يبدأ عند الطفل من مرحلة مبكرة تكون في الغالب في بداية العام الثاني من عمره، ثم يستمر في نماء الاهتمام الى أن يتمكن من فهم الرموز المكتوبة وهو في سن السادسة.
ولذا على الوالدين أن يهتما بهذا الدافع ويقدما للطفل فيما يناسب عمره الكتاب المناسب.
ولنضرب نحن لذلك مثلا: في مرحلة ما قبل القراءة نقدم للطفل كتب الألعاب التي يتعرف على محتواها بحاسة النظر واللمس، مثل الكتب المصنوعة من الورق المقوى أو القماش حتى تصمد امام لعب الطفل وعبثه، وهناك كتب تتكون من أجزاء تتحرك أو تتجسم اذا فتحت الصفحات، وكتب أخرى يصدر عن فتحها أصوات وأنغام موسيقية رشيقة ينسجم لها مزاج الطفل ويسر لسماعها.
وعندما يتقدم العمر نجد كتبا تتضمن بعض الصور والرسومات البسيطة الملونة والواضحة التي تعمل على جذب انتباه الطفل, وبتطور العمر نجد الكتاب القصصي الذي عن طريقه يمكن أن يقدم للطفل المعلومات العلمية فضلا عن تقديم القيم الدينية والأخلاقية والتوجيهات السلوكية والاجتماعية والمعلومات الجغرافية أو التاريخية.
ومعلوم للجميع أن الأسلوب القصصي فيه تشويق للطفل وخيال في ربط الأحداث مما يجعله وسيلة مناسبة لتقديم ما نريد تقديمه للطفل.
ويراعى في كل كتب الأطفال على مختلف مستويات الأعمار حصيلة الكلمات التي حصّلها الطفل التي يزداد حجمها تباعا بالانتقال من مرحلة لأخرى، ولذا يتوجب ألا يقدم للطفل أي كتاب إلا في حدود حصيلة الكلمات التي اكتسبها حتى لا يصادف صعوبة في القراءة، ومن ثم الملل الذي يعقبه الضيق والانصراف عن القراءة.
مرة أخرى نقول ونحن ننمي عادة القراءة عند الطفل يلزم أن نستخدم نفس الألفاظ التي يستخدمها الطفل، وأن نستخدم الكلمات ذات المضمون المادي الملموس القريب من المعاني الحسية المتعلقة بالبصر والسمع والحركة واللمس والذوق والشم، أكثر من الكلمات ذات المعاني المجردة، وذلك نظرا لأن الطفل يتعرف على العالم المحيط به عن طريق الحواس أكثر من معرفته عن طريق الحكي أو الكلمات المجردة ذات المعنى المعنوي.
لذا ندعوا أجهزة التربية والاعلام والنشر والثقافة أن تتضافر جهودها لتوفير الكتب ومكتبات الأطفال، وتوعية الآباء والأمهات والراشدين عموما الى دورهم الأساسي في تكوين عادة القراءة المفيدة لدى الأطفال.
|
|
|