ذكرت الأنباء ان إحدى الشركات العالمية العاملة في حقل صناعة الحاسب الآلي اخترعت جهازا جديدا من طراز الحاسب الشخصي,, هذا الجهاز يتفاهم مع صاحبه: يوجهه إلى كيفية استخدامه,,!,, وينصحه إذا أخطأ,, فإذا ما عاد لارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى,, انتهره بطريقة عصبية واضحة!!
هذا الحاسب يوجه صاحبه بسياسة الخطوة ,, خطوة ,,؟ فهو يبين له ما يجب عمله,,؟ كيف يبدأ؟ يراجعه,,! ثم يصحح الخطأ,,!! بل ويبين مكانه,,!!
وينظر,, هل هو في العمليات الحسابية! أو في إعداد البرامج ومعالجة الكلمات!
وإذن فقد أمكن في دنيا الحاسب الآلي ليس مجرد استدعاء معلومات وحلول سبق تخزين المعلومات الخاصة بها، بل إن الإضافة العملية الباهرة هنا حقا هي:
أولاً: تزويد الحاسب ب,,, حساسية ضد الخطأ .
ثانياً: بالعطاء رغم الخطأ في حق الجهاز ,,!
بالعطاء,, توجيهاً ,, و,, نصحا ,, بكيفية الصواب مراجعة ,, وتحديداً لموقع الخطأ,.
ما يبهر هنا حقا في تلك المعادلة الجديدة: الآلة ,, في مواجهة,, الإنسان ,,! إنها تبشر بعصر جديد,, تتعاون فيه الآلة مع الإنسان,, بل تأمر بالصحيح,, وتنهى عن الخطأ,,!! وحيث تتحول كل آلة بهذه الإضافة إلى آلة معلمة إيذانا بافتتاح شيق لعصر معلم آلي جديد!!
وسوف يشار إلى العصر الآلي الذي نعيشه الآن كعصر متخلف يتميز بعجز وتحجر الآلة عن التعاون وتعليم الإنسان كيفية الاستفادة منها وتسخيرها,,!
إن الإنسان إذا أخطأ اليوم في التعامل مع السيارة على سبيل المثال وطبقا للترتيب المقرر لتشغيلها,, فكيف يكون الرد؟
الآلة,, ترد أو تجازي على المدخل الخاطىء ,, بعدم التمكين ,, أي برفض تسخير القوة,,!!
فإذا تكرر الخطأ,, تصاعد الرد والجزاء بصورة تخرب ,, الآلة,, أي تزداد العقوبة في حالة العودة لارتكاب نفس الخطأ أو للتسلسل المضطرب لعمليات التشغيل والقيادة بفقدان فاعلية الجهاز نفسه,, نعم,, حتى ولو تم العثور على المدخل الصحيح لاحقا,,!!
فإذا فرضنا أننا تمكنا من إدارة سيارة أو طيارة أو حتى صاروخ,,! بطريقة عشوائية,, فإن العقوبة هنا سوف تتضاعف لا محالة من الآلة,, حيث تتحول إلى قوة جامحة بلا كوابح تسيطر عليها تهدد صاحبها كما تهدد الآخرين بأوخم العواقب,, شأنها في ذلك,, شأن كل قوة مطلقة,, تكون مفسدة بإطلاق,,!! إذ لابد لكل قوة من كوابح .
ولا وجود للقوة في الحقيقة,, ولا استمرار لها ما لم توجد لها كوابح,,! وإذن فالجديد المبهر أن الآلة تصحح المدخل,, وبصورة أدق تنصح به وهي تراجع في ذلك صاحبها,, أي تراقب أثر النصيحة,,؟؟ ثم تتابع ذلك بتحديد موقع الخطأ,.
والتلفاز اليوم,, والطائرة,, وسائر الأجهزة من حولنا تسخر لك قوتها بشروطها ,,! فإذا أنت أخطأت لغتها تحولت من فورها هذا قطعا من حديد أفضل منها المقعد وطاولة المائدة والعصا.
ولكن أكثر ما يثير الأسف حقا في دنيانا,, أن ما انتهى إليه الحاسب الآلي لم ينتقل للقضايا والمشكلات الإنسانية,, فهذه القضايا وتلك المشكلات,, لا تتحدث بنفسها,.
فالمشكلة لا تواجه أحدا؟,, ولا تنتهر كائنا من كان,,؟ إذا دار حولها,, أو ابتعد عنها,, فلم يعرف من أين يبدأ ؟ أو لم يعرف كيف يبدأ ؟ أو إذا كرر الأخطاء,, مرة ,, أو,, مرات!
ومع ذلك فإذا كانت المشكلات لا تتحدث معنا مباشرة كما فعل الحديد! فإن ذلك لا يعني أنه ليس لها ألف لسان ولسان تتحدث به,.
فلكل شيء لغة,, وإن لم نحط بلغته,, والمشكلات لها لغتها الخاصة ,.
وعلينا جميعا أن نتعلم لغة المشكلات ,, أو لغة كل مشكلة على حدة,, وشفرة الحديد معها,, ورموزها!
وكما تعلم سليمان عليه السلام منطق الطير,, وتفهم أحاديث النمل حتى تبسم ضاحكا من قولها وهي تتنادى,.
يا أيها النمل: ادخلوا مساكنكم,,! لا يحطمنكم سليمان وجنوده,, وهم لا يشعرون!
تأملوا معي هنا حكمة تتهادى,, بل رائعة من روائع الحكم في تلك القصة فيما أشارت إليه من ارتباط منطق تسخير القوة بتعليم لغات القوى ,, تأملوها!!
وتأملوا أخرى تتهادى خلفها تنادي بأن هذا الملك المهيب قد سخرت له الريح ولم يفته استماع لأصغر كائنات ملكه ممثلة في النملة تقول,,!
إن في ذلك لحكمة,, إن في ذلك لآية,, لقوم يتفكرون,,!!
إذن المشكلات تتطلب لحلها حساسية لإدراكها وتفهما للغة تختص بها,, حتى لا نطأها بأقدامنا عابرين غير مكترثين,, إذ ليست كل المشكلات والمعضلات الإنسانية مما يمكن أن ندوسه فينسحق تحت أقدامنا دون أن نسمعه,, أو نراه,, أو ندرك له أثرا,,!
كما يتبدى في ظاهره في معادلة القوة فيما بين عملاق ونملة ,, هذا ما ينبغي ان نحذره,, نحذره بكل ما نستطيع أن نجمعه من أشتات الوعي المتناثر على ساحة المشكلات وهي كثيرة حقاً,, ومع ذلك فإن كثرتها لا تعطينا العذر في تجاهل أولويات صارمة تمثل ضرورة بقاء ,, وإرادة تفوق تؤازرها وتدفع إليها عقيدة.
أقولها ليس تعسفا,, ولكن لأنكم ترون الأخطار بطبيعتها لا تقرع الأبواب استئذانا قبل انقضاضها,,!
المشكلات الإنسانية عبر تاريخ الإنسان كله كانت في كثير من الأحايين أقرب ما تكون للشراك الخداعية ,, ثم إنها ازدادت تنظيما وإحكاما فصارت حقولاً من الألغام دبرت تدبيرا ,,!
وهذا ما يستدعي أن يكون الاقتراب منها بخطة ,, وأن يكون السير عليها احتراساً ,, وأن نبدأ فننزع من كل المشكلات الملغمة أيها أشد على الأمة جثيا,,!
تمهيدا لاقتلاعها,, وحتى تتحول حقول الألغام إلى جنات يانعات, والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
|