عندما تقرأ أو تسمع كمثقف سعودي عن أن الرياض عاصمة للثقافة العربية في عام 2000، فإنك لاشك ستدور عن الاستعدادات الواجبة التي ستجعل من هذا المركز بؤرة ثقافية شاملة لكل عربي وليس مجرد شعاراً، وستسأل ذاتك أولاً عن المقدار الذي كان لك فيه كمثقف مجال للمساهمة والإبداع والمشاركة، وذلك باسترجاع زمني تعيد لمن يتعدى عمرك الإنتاجي - هذا إن كنت كاتباً في إطار المثقف طبعاً -، وإن كنت مسرحياً فأمامك العديد من التساؤلات التي لن تخرج عن محدودية العمل المسرحي كتابة واخراجاً وتمثيلاً وعرضاً وحتى ولو كانت لنص كتب منذ آلاف السنين، اذ يطلب عنصري التمثيل وصراحة القول، وحركية الجسد الممثل، ورؤية المخرج على هذا وذاك تسير حسب النتاجات الفنية المعبرة عن زمان ومكان الإنسان ومفهومه تجاه مايدور حوله وبه.
***
كنت اتصور في هذه الأرض الطيبة لو أن قصيدة مثل:
بانت سعاد
أو أن ملحمة بني عبس الراقية بفردية راعيها واقفاً ضد اللونية في البشر، أو,, أو,, وما اكثر مالا يذكر، وما اكثر ما يأتي على البال في بطاح ارضنا الحبيبة.
كنت أتمنى لو أن سيف علي و عمر ورسالة محمد رسول الحرية (صلى الله عليه وسلم ) إلى المقوقس وباب الكعبة المشرفة وغيرها موجودة في متحف يكون اكبر واعظم وادل في مقتنياته في بلادنا، وليس في اسطمبول او في مخطوطات المانيا او لندن او شيكاغو مثلاً، كنت أتمنى لو أن سلالة الخيل والإبل والحمير والغزلان، وحتى الحمام الغربية والتي جاءت من منطلقاتها الأصيلة,, تكون هنا، حتى الحجار التي كتبت عليها بدايات اللغة العربية والحساب و,, و,, كنت وكنت وكنا,, لكن لايصلح العطار ما أفسده الدهر وللاسف بالاماني، فالثقافة ليست الكتب التي أكل عليها الزمان وشرب آلاف المرات ليعاد طبعها وعرضها، وليست إثارة الزوابع من اجل مكافحة الحوادث والسرعة او المخدرات في اسبوع عابر، وليست رفع شعارات بمناسبة فخرية امام الشعوب لكي تعلن وتنطفىء!، إنها ملخص لكل الماضي ولكل مسايرة الأزمنة ولكل حوادث التاريخ واحداثه، ولكل تعبيرات ونتاجات الإنسان، وأخيراً لكل ماوصل إليه من تميز حضاري حرّ فكري وإبداعي فني، وما موقفه من حوار العالم القريب والبعيد، وماهي تطلعاته حتى ولو أنه يقف مندهشاً أو متعجباً أوصامتاً ليعبر في عصر الثقافة!.
***
كنت أتمنى لو ان في الرياض وزارة للثقافة وهي الآن محتفل بانتخابها عاصمة للثقافة العربية!! الثقافة في أي وطن لاتعني مزاولة واحتواء أهل الثقافة فقط، وإنما تعني بكل مايؤول الى خصوصية وتميز وحضارة قديمة او حديثة ووسائل معيشة ونوعية العلاقة بالأرض، ونوعية الحوار مع الآخر وكل مايمثل البلد من تميز أمام الآخرين.
كنت أتمنى ونحن في هذا المنشأ الطيب، وبتجربتنا الثقافية في رعاية الشباب منذ ربع قرن، أن يكون للكاتب والكتّاب مكانة موقرة في الواقع، وليس بهجرة الكتاب إلى خارج الحدود لطباعته والنفقة الخاصة عليه ونشره في الخارج.
كنت اتمنى لو ان لنا مجلة ثقافية تهتم بأقلام النقاد والمبدعين في القصة والشعر، واصحاب الفكر والرأي، والتشكيل والمسرح,, تصدر بالتزام شهري أو اسبوعي وليس بالمزاج الدوري أحياناً.
***
كنت أتمنى لو أن مهرجان الجنادرية الجميل يبقى شاهداً متميزاً لثقافة بلدنا، فهو الوحيد الذي يمثل عمل وزارة الثقافة المفرضة في وقت محدود.
***
كنت أتمنى لو أن للإعلام دوراً في إثراء الثقافة بمفهومها الشامل والهام في حياة الناس، وأن تستعين بالعقول والأفكار المتميزة والمنتجة من أهل القلم والفكر والابداع.
فلو أن الإعلام فتح جسراً منوراً لإتاحة الحوار بين المواطن والمسؤول، وبين المثقف والآخر وبين الشارع والمكتب، وبين الندوات والحوارات والمهرجانات والمعارض وتبسيط العلاقة بينناوبين ثقافة الخارج الذين لايعرفون عنا إلا أننا قوم نأكل وننام، وما نحن بأولئك لو يعلمون,, فكيف يعلمون، وكيف نعلمهم ونحن اليوم نحتفل بالرياض عاصمتنا الحبيبة,, عاصمة الثقافة العربية,, آملين دائماً مهيئين دوماً وماذلك علينا بعزيز,, طالما نحن ننظر إلى المستقبل بالخير، والعدل والأمان.
عبدالعزيز مشري