وقع اختيار المنظمة الدولية للثقافة والعلوم اليونسكو التي ترشح كل عام مدينة عربية عاصمة ثقافية اقليمية للعالم العربي لعام واحد، بهدف القاء الاضواء على شؤون الثقافة والمثقفين في البلد المضيف، تشجيعاً للتبادل الثقافي بين هذه العاصمة وباقي ارجاء الامة العربية, وقع شرف استضافة هذا الحدث للعام 2000م على مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، وهو حدث من الاهمية بمكان، ولا ينبغي ان يمر مرور الكرام، نظراً للدور الحيوي الكبير الذي تضطلع به الثقافة في عصرنا الحاضر وابراز ما يتميز به كل بلد عن غيره، فمع تطور وسائل التقنية والاتصالات، وتحول العالم الى قرية كونية، اصبحت مسألة الهوية الثقافية، بكل ابعادها من بيئة وتراث وفنون وعلوم وثقافة، اصبحت قضية جوهرية في الدفاع عن خصوصية الشعوب، على ان ثمة محورين متلازمين للتعاطي مع الثقافة بشكل عام، أولهما: التبادل الثقافي والافادة من تجارب الآخرين، وثانيهما: ابراز ما يزخر به المجتمع المحلي من ثقافة خاصة به.
واذا كان لكل بلد عربي ما يميزه عن اقرانه في الثقافة والعادات والتقاليد التي وان كانت واحدة، الا ان لكل خصوصياته، وسماته التي يتمايز بها عن غيره, والمملكة العربية السعودية ولله الحمد، تتميز بأنها مهبط الوحي ومهوى افئدة المسلمين وبها الحرمان الشريفان، ولها دورها الملموس والمحمود على الاصعدة كافة ويتميز مجتمعها المحافظ بتمسكه بالنهج القويم، وشريعة التوحيد، فلا غرو في ذلك، فهي بلد الاسلام جنباً الى جنب مع ما عرفت به بالصحراء والبداوة والقيم الاخلاقية والكرم والفروسية,,، وغير ذلك من خصائص المجتمع الاسلامي العربي.
ولا شك ان المملكة العربية السعودية ثرية بما تحمله من خصائص جوهرية في التراث والفنون والثقافة والعلوم والآداب وما تعج به من نهضة حضارية عملاقة اوصلت البلاد في نيف وخمسين عاماً الى مكانة متميزة من العلم والعمران, والحديث عن فضائل المملكة واهلها هو الغاية من اعلان الرياض عاصمة العرب الثقافية لعام 2000م والذي يجب استثماره للغوص والكشف عما تملكه المملكة من انجازات حضارية وذخائر فنية تحتاج الى التعريف، فضلاً عن ثراء الحركة الفنية والعمرانية والثقافية التي هي الاخرى بحاجة الى ابراز محاورها الاساسية، كالخط والعمارة، والفن والصورة والعادات والتقاليد، ضمن منظومة متكاملة متناسقة بين المراكز الثقافية المختلفة.
ونقول: بكل الحب والتقدير تفتح الرياض ذراعيها لاستقبال هذا الحدث السعيد، وهو تشريفها بأن تكون عاصمة الثقافة العربية لعام 2000م، ما يتطلب منا وضع البرامج الكفيلة باظهار درة العواصم العربية، عاصمة الثقافة العربية حقاً دون تكلف مقصود لتواصل بحمد الله تعالى عزف انشودتها المنسجمة مع دورها الريادي والحضاري في خدمة الثقافة الاسلامية خاصة والانسانية عامة, والرياض وهي تستضيف فعاليات الثقافة العربية لعام 2000م لتؤكد مجدداً انها بيت للعرب، بملتقياتها الثقافية التي تنظمها وتشهدها وباحتضانها للعديد من الفعاليات الثقافية والاقتصادية والسياسية والفنية والرياضية,, كل عام حيث استطاعت بها تأكيد اصالة مواطنيها وابراز بعدهم الثقافي والفكري المستمدين من جذورهم الحضارية وحاضرهم السعيد ومستقبلهم الطموح في اثراء تجربتهم الحضارية التي يواكبونها,ولعل من حسن الطالع ان يتواكب هذا الاحتفال الثقافي مع احتفالات الخصوصية والمملكة العربية السعودية تعيش اجواء الاحتفال بذكرى مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية ودخول الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الرياض الذي كان بمثابة الانطلاقة الاولى نحو تأسيس المملكة على يد المغفور له باذن الله تعالى الملك عبدالعزيز، فهي ذكرى غالية وعزيزة نقدمها بكل فخر واعتزاز لاخواننا المثقفين العرب حيث نرى فيها انجازاً قد لا يدانيه انجاز آخر على مستوى العالم العربي ناهيكم عن ان هذه المائة عام من عمر المملكة العربية السعودية ستظل شاهداً على ما تم انجازه من امن لقاصد الديار المقدسة من جميع انحاء العالم العربي والاسلامي، ليؤدي الحاج والمعتمر مناسكه في جو لا يحمده الا من تصفح صفحات الماضي واطلع على ما دونته عن احوالها فقد استطاع بفضل من الله ثم بحنكته الفطرية ان يلم الاشتات ويوحد الجميع على مساحة كبيرة من ارض الجزيرة العربية تحت راية التوحيد امناً وسلاماً بعد حالة الانقسام والتشرذم والقلاقل.
ان الرياض وهي تحتضن هذه التظاهرة تحرص في الوقت نفسه على التواصل مع مثقفي العالم العربي بما تضمه من مؤسسات وفعاليات ثقافية لها دورها المشهود على الساحة المحلية والاقليمية والدولية، كما تعد الرياض ركيزة اساسية للعمل الاعلامي العام في المملكة خاصة ودول الخليج بصفة عامة، حيث يتواجد بها العديد من المؤسسات الصحافية والاعلامية.
ونستطيع القول: ان الاعتراف الدولي بدور الرياض كعاصمة للثقافة العربية لعام 2000م يأتي تتويجاً لما حققته المملكة العربية السعودية من انجازات في مختلف الميادين، فالمشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حتى هذا العهد الزاهر,, عهد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الامين حفظهما الله، سار بخطى متسارعة في طريق النهضة الحضارية والثقافية بعد وضع اسس البنى التحتية,, بعدئذ تبوأت المملكة مكانتها اللائقة بها,, وكانت عنايتها بالعمل الثقافي ظاهرة للعيان، وكان لحكومتنا الرشيدة دورها الفاعل في ذلك، حيث عملت على جعل اجنحة الثقافة ترفرف على كل قرية ومدينة بفتح المدارس والجامعات وتهيئة الشباب السعودي لجعل العمل الثقافي في خدمة الاسلام والتراث والحضارة الاسلامية، واعتقد ان هذه المظاهر الثقافية ماثلة امام كل راصد ناقد.
* وكيل الحرس الوطني للشؤون الثقافية و التعليمية والمشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة