كل عام وأنتم بخير بمناسبة انتهاء شهر رمضان المبارك الذي احتلت فيه الفضائيات والتلفزيون كل اهتمام المشاهد ببرامجه المتنوعة ومسلسلاته المتصارعة على العرض في الفترات الممتازة في منافسة متكررة كل عام حتى في الاعلانات التي تتكاثر في هذا الشهر بصورة تجعل المشاهد احيانا يكره التلفزيون نفسه، كما تتزايد ايضا بمناسبة الشهر الفضيل كل أنواع الكتابة والنقد لبرامج التلفزيون ليس فقط من باب المتابعات النقدية وانما ايضا كنوع من التنفيس عن غضب المشاهد احيانا؟!
ومع ذلك فإن المتابع الجاد لبرامج التلفزيون لابد ان يشعر احيانا بالرضى عن المجهود الكبير الذي يبذله الفنان والمخطط والمنفذ لكل هذه البرامج دراما منوعات وغيرها وان كان في نفس الوقت يصاب بحالة غيظ شديد من نسيان الجميع المتعمد للموعد السنوي الثابت لحلول الشهر الفضيل فيتم التعامل معه كل عام وكأنه قد حل علينا فجأة دون انتظار لتبدأ سلسلة المعاناة للانتهاء من الاعمال للعرض وخاصة في المسلسلات التي يتم تسليمها حلقة بحلقة يوميا مما يسبب ارتباكا ليس فقط لأهل التلفزيون وانما ايضا للقطاع الاقتصادي خاصة مع المحطات العربية التي تشتري المسلسلات وتستلمها ايضا يوما بيوم بالقطاعي رغم ما ينتج عن هذا من تكلفة مادية باهظة وربما اساءة لسمعة الفنان والاداري الذي لا ينجز ما تم الاتفاق عليه وبيعه في الوقت المناسب,, ورغم تكرار مشكلة التسويق السنوية بسبب التخبط في التنفيذ فإن اي مسؤول في التلفزيون لم يستطع وضع حل لها باختصار لاننا مازلنا نتعامل مع فنون التلفزيون بمنطق الهواة لا المحترفين ولذلك بدأنا نفقد مساحات زمنية على الشاشات العربية ليحتل مكاننا فيها الانتاج السوري الدرامي الذي يتم تنفيذه بمنتهى الدقة فنا وانتاجا بينما مازلنا نتخبط في اختيار البطلة احيانا!!
ورغم الخسارة الفادحة على المستوى البعيد للدراما المصرية فإننا ايضا مازلنا نتعامل بأسلوب الهواة في البحث عن الاسباب والحلول,, ايضا كل عام بينما العالم من حولنا يؤكد التخصص والالتزام والاساليب العلمية المحترفة في الانتاج الدرامي، ولذلك فإن الخسارة ليست فنية فقط بل وأيضا اقتصادية بالدرجة الاولى واعلامية وهو ما قد يسترعى اهتمام وزير الاعلام لان المسألة لا تقتصر على مسلسل تافه او برنامج هابط او مستفز بل تصل إلى اقتصاد وإعلام مصر ومكانتها في العالم العربي!!
ومع ذلك فإن الامر ليس كله مثيرا للتشاؤم خاصة مع وجود اعمال استطاعت انتزاع اعجاب المشاهد ومعظمها مما جرى الاعداد والتنفيذ له بدقة دون عجلة او تهاون وهو ما يجب ان تسترشد به اللجنة العليا للبرامج التي يرأسها الوزير شخصيا، وهي اللجنة التي تقرر ما يتم اذاعته بالفعل ويمكنها ببساطة الاستبعاد التام للاعمال الناقصة اي التي يجري تصويرها او التي لم يتم عمل المونتاج لها وبذلك ستحرص الجهات الانتاجية المختلفة على التنفيذ الجاد والمنظم للاعمال حتى يمكن لهذه اللجنة النظر في امر عرضها ولكن بشرط ان تقوم اللجنة بعملها دونه النظر الى الوساطات او مكانة بعض النجوم لان الاهم يجب ان يكون لديها سمعة الاعلام المصري والقطاع الاقتصادي الذي يحقق عائدا ماديا للتلفزيون نفسه والدولة في حاجة إليه!!
تبقى الاشارة إلى بعض الاعمال التي تم عرضها من المنوعات والمسلسلات التي يجب تشكيل لجنة لتقييمها بعيدا عن الرقابة او اللجان التلقليدية التي لم تنجح في تعديل مسار الانتاج التلفزيوني,, ومن هذه الاعمال فوازير صلاح عبدالله ونيللي كريم التي يجب ان تجعلنا نعيد النظر في امر المشكلة الفوازيرية السنوية خاصة وقد فقدت هذا العام حتى اعجاب المشاهد والرقصات رغم ان البطلة راقصة، اما صلاح عبدالله الذي اضحكنا كثيرا في المسرح إلا انه في الفوازير لم يخلق له المناخ الملائم للاستفادة من خفة ظله، وفي نفس الوقت هرب المشاهد الى القنوات الاخرى لمشاهدة عمل قديم لأحمد آدم تلفزيون في بيتي مما يدل على ان الاعمال المقدمة في نفس الفترة لم تحقق النجاح الذي يجعل المشاهد يتمسك بمشاهدتها، اما بدون مونتاج فانه على نفس المنوال,, مذيعة رقيقة ولقطات غريبة لا هي منوعات اوحتى قادرة على انتزاع ابتسامة، والكاميرا الخفية مازالت قادرة على امساك المشاهد رغم وضوح التجهيز المستبق في بعض الحلقات وان كانت جدية إبراهيم نصر واهتمامه بعمله تحقق النجاح للبرنامج، ويظل سمير صبري في كان زمان النجم المتوج لهذا النوع من المنوعات المفتقدة في التلفزيون المصري، وايضا تتميز ميرفت سلامة وبرنامجها اتفرج يا سلام، بينما يستمر برنامج حوار صريح جدا في قدرته الفائقة على استفزاز المشاهد ليس فقط بضيوفه ونوعياتهم الغريبة وانما ايضا بالهدف منه وأسلوب منى الحسيني التي لم تجد أحدا في التلفزيون يجرؤ على مناقشتها فيما تقدمه واهدافه وإذا لم تصدقوا شاهدوا مرة أخرى حلقة وفاء عامر وإيمان!! تبقى المسلسلات الدرامية الجديرة بالتقدير مثل جسر الخطر لصلاح السعدني ودلال عبدالعزيز والرجل الآخر لنور الشريف وميرفت أمين، ولما التعلب فات لمحمود مرسي ويحيى الفخراني، ونسر الشرق لحلمي فودة وليلى فوزي، سامحوني ماكنش قصدي لالهام شاهين وممدوح عبدالعليم وفوقها جميعا رائعة انعام محمد علي أم كلثوم لصابرين وكمال أبو رية وحسن حسني، والمسلسلات الدينية القضاء في الاسلام والليث بن سعد لاشرف عبدالغفور وتيسير فهمي.
والحقيقة التي لا مفر منها ان مسلسل أم كلثوم ربما يتفوق هذا العام ببساطة لانه اجيد التحضير له وتم تنفيذه بمنتهى الدقة التي تحسب لانعام محمد علي فاحترمها ومسلسلها المشاهد,, وبالطبع فكل هذه الاعمال تحتاج إلى وقفة نقدية خاصة في المستقبل.
ومع ذلك لا نملك إلا ان نأمل تلافي الملاحظات التلفزيونية في المستقبل القادم من الايام وهو ما لم يتحقق ابدا لأن اهل التلفزيون يصرون على ان شهر رمضان قد أتى فجأة هذا العام وكل عام!!
مالك ناصر درار