ذكريات ومواقف عن الفقيد الذي لا ينسى |
كانت المفاجأة الاليمة والمذهلة حين وصولي مدينة الرياض قادماً من مدينة الدوادمي,, جاءني الناعي بنبأ موت الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الرشيد نائب الرئيس العام لتعليم البنات بالمملكة العربية السعودية,, هنا تفجرت مشاعري مرة واحدة ووجدتني اجهش بصمت ونبرات مكتومة,, لقد بدا كل شىء امامي وكأنه قد توقف عن الحركة,.
كانت صورة الفقيد هي الوحيدة التي تتحرك وتقف امام عيني, ايها العزيز الغالي,, لقد تهاوت من حولي صور الماضي يوم عرفتك لاول مرة طالباً ذكياً مجداً نشيطاً في استذكار دروسك طموحاً في آمالك تجيد النكتة اللطيفة والدعابة الخفيفة وتغرس المحبة في من حولك,, كنت مثالياً في سلوكك وتعاملك مع الناس تتجلى فيك اروع الصفات وانبل الغايات واشرف المقاصد كنت ايها الشيخ سمحاً كريماً مبتسماً لزملائك واصدقائك وفياً معهم تلبي حاجاتهم وتساعدهم على صروف الدهر ونوائب الحياة.
كانت معرفتي بالمرحوم في مسجد جامع الامام تركي بن عبدالله في السبعينيات طالباً يستذكر دروسه مع زملاء كرام امثال الاساتذة/ عبدالعال بن مقباس وعبدالله العقل ومنصور العبدالعزيز الرشيد وصالح العائد وآخرين لا استحضر اسماءهم الان,, كان الفقيد يرحمه الله بتحصيله العلمي المتميز ونبوغه المبكر استاذاً لي ولغيري حجة في العلم والرأي وصدق المشورة والنصح نسأله دائماً فيما اشكل علينا في علوم الدين واللغة العربية وكان نعم المجيب ذكياً متبحراً في هذه المواد وكان لا يتأفف من اسئلتنا فهو رحب الصدر واسع البال يترك دروسه جانباً ويتوجه الينا بقلبه وروحه يشرح لنا ما غمض علينا من فهم في علوم الدين واللغة والادب, كما انني وجميع زملاء الدراسة نجتمع بالفقيد بين حين وآخر في مناسبات علمية واجتماعية,, وكان رحمه الله وفياً لاصدقائه مخلصاً لمعارفه يجيد فن الحديث ومخاطبة العقول ويمتع سامعيه بما يمتلكه من مخزون اداري وفني واخلاقي وادبي واجتماعي,, انه انسان هادىء متواضع لا مجال للغطرسة وحب الذات والتسلط في نفسه او تفكيره يعامل الصغير والكبير حسب مستوياتهم العقلية والفكرية وينزل الناس منازلهم ولذا كسب محبة وتقدير الجميع طوال حياته كما انني ازوره كثيراً في مكتبه بالرئاسة العامة لتعليم البنات فألمس منه التواضع والعون لكل انسان يطلب خدمته بالتجاوب والتفاهم وحل مشكلات الناس بالصبر والتأني والحلم وقول: ان شاء الله سيتحقق المطلوب لكل من يراجعه.
لقد تعاملت مع الفقيد من خلال وظيفتي كمسئول في محو الامية وتعليم الكبار بالادارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض للبنين وكان يفتح لي صدره وقلبه ويستمع لمطالبي ويوجه الاجهزة المعنية ببرامج محو الامية وتعليم الكبيرات بالرئاسة في تسهيل مهمتي والتعاون التام معي في تحقيق وتلبية ما اصبو اليه,, رحم الله الفقيد الرحمة الواسعة وانا لله وانا اليه راجعون.
واخيراً انني اتقدم الى ابناء فقيدنا الغالي واسرة الرشيد كافة والى الزميل العزيز الاستاذ/ عبدالله الصالح الرشيد -وهو على ما اعرف يعمل مديراً للتعليم في احدى المحافظات الكبيرة,,- اتقدم في مواساته ومواساة اسرته الكريمة في مصابهم الاليم الذي هو مصاب الجميع.
كما يسرني دعوة الزميل عبدالله الصالح الرشيد - وهو صاحب القلم السيال وله صولات وجولات في الكتابات الاجتماعية الهادفة في صحفنا المحلية منذ بواكير شبابه - لأن يتبنى اصدار كتيب عن حياة الفقيد لأن حياته زاخرة وحافلة بالعلم والادب والخبرة الادارية وفنيات التعامل المثالي مع الناس حتى يفهم جيل المستقبل ويعرفوا احوال الرجال الذين اسهموا في بناء النهضة التعليمية المباركة وارساء قواعد التعليم على اسس راسخة ومنهم الفقيد الذي له الباع الطويل في المساهمة في تأسيس وتطوير وتعميم تعليم المرأة في بلادنا العزيزة في هذا العهد الزاهر,, عليك سلام الله ايها الفقيد وعلى ابنائك واقاربك ومحبيك الصبر والسلوان.
طوبى لك يا اخي العزيز,, ولتهنأ في مثواك قرير العين مرتاح الفؤاد راضياً مرضياً، فقد عشت عصامياً مكافحاً وتوفيت مكافحاً وسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً وستبقى ذكراك العطرة المتجددة حية خالدة وسيبقى اسمك - ان شاء الله - في سجل الخالدين يشع بالفخار والاعتزاز والى الابد,, والله المستعان.
محمد بن سعد الحسين
رئيس قسم تعليم الكبار بإدارة التعليم بمنطقة الرياض سابقاً
|
|
|