تشكيل هل الأشجار العتيقة لا تعطي ظلالاً؟ لوحة:عبير |
عبير فنانة أصيلة ورائعة، هذه ليست صفات بلاغية تقتضيها الكتابة، فالأصالة فيها معنى محدد، ولروعتها تبديات لافتة,, هي اصيلة بقيمة الانسانية الساكنة بين جوانحها، فلدينا لها عدة لوحات، احداها لصغيرتين شقيقتين ربما كانتا توأماً تحولتا وردتين من نوع (الجوري) البلدي العابق بالرائحة الزكية مع جمال الشكل,, وردتين كامنتين او طالعتين من قلب نصف ورقة ورد اتخذ شكل المحار الذي يحميهما,, وربما هو مجرد برواز من النوع الذي يوضع فوق المائدة او المكتب وبداخله الصور وعلى هذا النحو تبدو الصورة انشودة للحب الخالص، بكل حميمية التصاق الأخت بالاخت تمنحها حباً وتستمد منها أمناً وسلاماً,, هذه انشودة لقيمة انسانية رائعة ونبيلة تستنفر في العمل معنى (الأصالة),, صورة الوردتين ليست مصادفة عابرة في اعمال عبير فلوحتها الثانية لدينا لامرأة (الطيبة) الشابة وربماهي ام سابحة في احلام غدٍ يأتي بكل الخير لبناتها عموماً سنعرض لهذين العملين فيما بعد وانما للصديقة عبير هذه الصورة النبيلة الرائعة التي ننشرها هنا.
امرأة عجوز عمرها بعمر جفاف تلك الشجرة الظاهرة في (عب) عباءتها انسحبت من الشجرة الحياة وجفت عصارتها فتساقطت كل الاوراق,, لم تعد الشجرة تعطي ظلالاً كحكمة ذلك المثل الأسباني الذي يقول: لم تعد اشجار البلوط العتيقة تمنح ظلاً ولا زهراً,, هنا سيدة عجوز انحنى ظهرها تحت وطأة الزمن وثقل ارزائه فاتكأت على عصاة لا تستقر على ارض صلبة فتسندها بل ترتكز على سطح الماء فلا يعود يجديها في شيء,, كل يوم مر بهذه العجوز الرائعة كان قد نشب في لحمها ظفراً وترك خطاً كمجرى الدم كان كان قد جف فقد اصبح تجعيده في الجلد وان كانت تجاعيد الوجه والجلد تختفي تحت ستر العباءة فتلك العباءة قد حملت عن الجلد هوية الشيخوخة عباءة اثخنتها الكسرات والتجاعيد,,!.
هل حقيقة ان الاشجار العتيقة لا تعود تعطي ظلالاً؟!.
لعبير رأي آخر يؤكد فيها صفة الأصالة وتأمل المشهد لترى ان طرف العباءة البعيد قد انتشر ليحتوي بداخله بحيرة صغيرة كانت على طرفها البعيد ذات يوم تثمر تلك الشجرة التي جفت وما بين الشجرة وصدر العجوز قطرة كحبة الدمع اتخذت شكل العيون سبقتها ورافقتها قطرات اخرى بقي فيها من ملمح العيون بؤبؤها,, تلك القطرات هي التي صنعت على مدى العمر هذه البحيرة التي امتلأت بالماء لكنه ماء لا يمنح البنت حياة، وها هي الشجرة ميتة.
لوهلة اولى يخيل الينا ان هذه العجوز قد ادركت ان العمر قد انقضى انخرطت في بكاء ابدي تنعى ما قد ضاع ولا سبيل الى عودته,, هذا طرف من المعنى الكامن في حكمة المثل الاسباني لكننا في الوهلة الثانية مباشرة نكتشف ان الأمر ليس هكذا، فالبحيرة والشجرة والقطر كلها (المشهد كله) طالع من صدر العجوز ومن عبها وما اصابها من وهن في ارذل العمر تصر على تحويله قيمة ايجابية، تلك الانحناءة في الظهر علامة العجز والشيخوخة قد حولتها (حدباً، أو حباً) فوق البحيرة حتى غدا جسمها كله مظلة لها تحميها وترعاها وتمدها من الصدر بأسباب الوفرة والعطاء,, الماء دائماً رمز للحياة التي لا تكون الا بوجوده وهذه القطرات المتساقطة ما تزال حتى في عمر الشيخوخة هي قطرات المنح والعطاء للحياة مما قدمت المرأة - رمز العطاء الابدي - على امتداد حياتها وكأن العجوز المرأة التي ظلت تهب حياة لآخرين - كبروا وانفضوا من حولها ولهذا فالبحيرة لا يرودها احد وهي ما تزال تصر على مواصلة رسالتها في المنح والعطاء فما اروعها هكذا - عند الصديقة عبير - تبقى الاشجار العتيقة قادرة على المنح ان لم يكن ظلاً فبهذا العبق والعطر يفوحان من نبل جدة عجوز,, انشودة اخرى تؤكد في عبير معنى الاصالة.
عبير - للأسف - لا تستخدم الا قلم الرصاص ولكنها من هذه الامكانية الفقيرة للأداة توظفها بامكانيات كبيرة، فهي تجيد تجسيد (الضوء والظل) بنفس مهارتها في تصوير (الأبعاد) وضبط (المنظور) أليست جديرة بصفة الروعة التي تعني امتلاء الموهبة؟ الا يدفعها هذا لتجريب مواد اخرى متنوعة للرسم؟.
|
|
|