عندما يتحول العلم إلى عبث لا أخلاقي الرجال قد يحملون أجنة في بطونهم |
نظرياً لاشيء يمنع الرجل من حمل جنين في احشائه ,, هكذا واجه البروفيسور لاندروم شتلز الصحفيين الذين احتشدوا حوله مستفسرين عما شاع في الآونة الاخيرة من ان حمل الذكور لايعدو كونه مسألة وقت فقط لاغير, والجدير بالذكر ان شتلز كان يقوم مع فريق عمله بتجارب تخصصية منذ بداية السبعينات في جامعة كولومبيا بنيويورك حول امكانية نجاح عمليات اطفال الانابيب ، عندما طلبت منه ادارة الجامعة الكف عن هذه الخزعبلات ، وامرت باتلاف الانابيب والابحاث, وفي عام 1973 وافقت الجامعة على الاستغناء عن خدماته، حيث انصرف كلياً لابحاثه وتجاربه الشخصية, وربما لهذا السبب سبقت اوربا الولايات المتحدة في ابحاث اطفال الانابيب .
وتعود فكرة امكانية حمل الرجل لجنين في احشائه الى 19 سنة مضت، وبالتحديد في عام 1979، حين وضعت السيدة مارغريت النيوزيلندية والبالغة من العمر آنذاك 29سنة والتي كانت قد خضعت قبل ثمانية اشهر لعملية استئصال تام للرحم، طفلة سليمة تزن خمسة ارطال انكليزية, وكانت بويضة السيدة مارغريت الملقحة قد ضلت طريقها داخل الرحم واستقرت داخل تجويف بطن الوالدة وبالتحديد عند الامعاء حيث حصلت على الغذاء اللازم مما مكنها من النمو الطبيعي وذلك دون الحاجة لرحم يؤمن لها مايلزمها, يومها اعلن الدكتور بيتر جاكوبسون طبيب السيدة مارغريت للصحفيين انه بمقدور الرجال ان يصبحوا حوامل وذلك بزرع بويضة ملقحة فوق امعائهم, يومها ضج العالم بهذا التصريح وانهالت آلاف الرسائل على الاطباء الباحثين في هذا المجال من رجال يودون ان يحملوا اجنة ويصبحوا امهات، منهم من كان قد غير جنسه، ومنهم ايضاً رجال عاديون ارادوا ان يتمتعوا بتجربة الحمل!
وينبغي التأكيد هنا ان حالة المرأة النيوزيلندية لم تكن الدليل الاول على امكانية حمل الرجال، ففي منتصف الستينات قام العالمان سييل جاكوبسون من جامعة جورج واشنطن للعلوم الطبية، والدكتور روي هرتز بتجربة فريدة من نوعها، ولم تلق يومها الاهتمام اللازم, وكان العالمان قد زرعا بويضة ملقحة لانثى القرد الافريقي ال BABOON داخل التجويف البطني لذكر القرد, وقد الصقت البويضة نفسها داخل غلاف الامعاء الشخصي,, وهو عبارة عن انسجة شحمية غنية بالاوعية الدموية التي تتدلى فوق الامعاء كستارةواقية, ويقول جاكوبسون:لقد حصل الجنين على مايلزمه من الغذاء والدماء من غشاء الامعاء, وهكذا تمكن ذكر البابون من اتمام فترة حمل اربعة اشهر فقط, وقد دلت هذه التجربة على انه بامكان الجنين الاستغناء عن رحم والدته، ذلك ان البويضة الملقحة قادرة على صنع المشيمة (الخلاص),, اي العضو النسيجي الغني بالاوعية الدموية والذي يلتصق بجدار الرحم ناقلاً الى الجنين الغذاء والدماء .
وكان فريق من العلماء برئاسة جاكوبسون قد اقدم على زرع بويضة ملقحة فوق كلية حيوان وفوق طحاله, الا ان افضل النتائج كانت من نصيب البويضة الملقحة التي زرعت فوق الامعاء, الا ان تجربة البابون لم تؤد الى ولادة طفل بابون ,, ذلك ان عملية استئصال الجنين تمت قبيل اتمام فترة الحمل الطبيعية والتي تمتد الى سبعة شهور.
ويقول الدكتور جاكوبسون : لو اردنا اتمام اشهر الحمل السبعة لكان القرد وضع الجنين, لقد نزعنا الجنين حياً من احشاء القرد الذكر، لان ذلك لم يشكل بالنسبة لنا الدراسة الاصلية, لقد اردنا معرفة ما اذا كان بإمكان المرأة المصابة بسرطان المبيض، وبالتحديد المرحلة التي يمكن للجنين ان يفرز بنفسه الهورمونات اللازمة لاستمرار الحمل، او ان نزرع بويضة ملقحة داخل احشاء حيوان ذكر، ونرى اذا ما كان بامكانه التكيف في مراحل مختلفة.
وقد اثبتت التجارب ان الجنين لايحتاج في نموه الى الهورمونات الانثوية، فتجربة البابون اثبتت انه بامكان البيضة الملقحة ان تفرز الهورمونات اللازمة لنموها، وهذا ما كان هدف دراستنا وابحاثنا .
هذا وقد اجريت هذه التجارب على عديد من الحيوانات مثل الدجاج والقوارض والسحليات، الا ان اطرف تجربة اجراها الدكتور ديفيد كيربي من جامعة اكسفورد حيث زرع بويضة ملقحة داخل خصية فار ذكر ناضج وكانت النتائج ممتازة, إلا ان الطبيب قام بنزع الجنين بعد 12يوماً من عملية زرعه، وهي تعتبر نصف فترة الحمل لدى الفئران والتي تبلغ 24يوماً, ويقول كيربي: ان غلاف الخصية مطاط بشكل سمح للجنين بالتوسع في نموه, وقد اثبتت هذه العملية ان الهورمونات المذكرة لاتؤثر سلباً على الجنين.
وعلى الرغم من ان 46 حالة من اصل 48التي تم فيها الحمل قد اسفرت عن ولادة اطفال اموات، فإن هذه الحالات تعطي الامل بامكانية حصول حمل وولادة دونما الحاجة الى رحم, هذا بالاضافة الى الاف الحالات التي جرى فيها الحمل لدى نساء لم يخضعن لعملية استئصال الرحم, فهناك حالات الحمل داخل قنوات فالوب والتي تعتبر خطرة بالنسبة للام وليس بالنسبة للجنين، اذ تؤدي عملية الحمل هذه الى انفجار قناة فالوب.
اضافة الى الحالات من هذا النوع، هنالك حالات الحمل البطني والذي يتم بعد تسلل البويضة المخصبة الى التجويف البطني تلقائياً, وثبت ان 90% من هذه الحالات تنتج عنها ولادة اطفال اصحاء، الا ان هذه الولادات تتم بعمليات قيصرية، ومن هذه الحالات ما حصل في شهر تموز (يوليو)1981، عندما كشفت الموجات الصوتية عن وجود ورم كبير فوق الرحم، الا انه اتضح ان هذا الورم لم يكن إلا جنيناً بلغ وزنه سبعة اوقيات وكان قد نما داخل التجويف البطني للام.
وفي عام 1979 حاول الدكتور جورج بوريتا اجراء عملية استئصال الزائدة الدودية لامراة كانت تشكو من تقلصات معوية, وقال يومها لوكالة الاسوشيتد برس انه فوجىء بقدم صغيرة, وتبين ان الزائدة كانت يومها جنيناً اطلق عليه اسم جوزف توماس كويك .
ويحذر البروفيسور لاندورم شتلز الرائد في عمليات اطفال الانابيب من عمليات الحمل والولادة هذه والتي تعتبر خطيرة، وهو يذكر بعملية ولادة كان الجنين فيها ملتصقاً بأمعاء الوالدة, وعندما حاول الطبيب فصل المشيمة عن الامعاء نزفت الام بشدة مما ادى لوفاتها.
ويشرح الدكتور غورسكي اهمية الرحم في عملية الولادة قائلاً: ان الرحم عند الولادة (والرحم مؤلف من مجموعة عضلات) يتقلص ويفصل الاوعية الدموية المتفرعة من المشيمة بينما تظل الاوعية الدموية للمشيمة في الولادة البطنية ملتصقة بالامعاء , وتؤدي عملية نزع المشيمة الى مضاعفات خطيرة ونزيف قد يسبب وفاة الام.
وهذا لايعني ان عملية الحمل البطني غير ممكنة وان الرحم لايمكن الاستغناء عنه، بل يجب في هذه الاحوال لف الحبل السري قرب المشيمة وتركها في مكانها بحيث تكفل الجسد بامتصاصها.
ولكن، كيف تتم عملية الحمل البطني؟
في البداية تنتزع البويضة من مبيض الزوجة ويتم تلقيحها بالسائل المنوي للزوج عن طريق تكنولوجيا اطفال الانابيب، وبعد حوالي ال50ساعة تنمو البويضة مابين خليتين او 8خلايا، ويصبح حجمها يوازي رأس ابرة, عندها يفتح الجراح جرحاً بسيطاً في بطن الزوج ويضع البويضة الملقحة داخل التجويف البطني فوق الامعاء, ويتكفل الجنين بعد ذلك بتشكيل الغشاء الجنيني حول نفسه ويبدأ بالحصول على الغذاء, وبعد 9اشهر تحصل عملية الولادة وتتم على طريقة ال La Pazotomy وهي تشبه العملية القيصرية.
ويقول الدكتور جاكوبسون ان العملية خطرة، ولكن بالامكان تقليص الاخطار, الا انه يعود ويتساءل عن السبب الذي قد يدفع الرجال للقيام بهذا العمل، وانه من الغباء ان يتطوع الرجل لحمل اطفاله اذا ماكان بامكان زوجته القيام بذلك بصورة مقبولة ومرضية؟
* مراجع :1- هندسة الوراثة ، د, هالف ريتشموند، ترجمة د, حسين ابو العينين، الدار العلمية بيروت 1987.
2-مستقبل علم الوراثة ، فلاديمير كودورف، دار التقدم، موسكو، 1986.
3-The British Journal Of Biology, Aug , 1996.
|
|
|