حديث الديار الجامع الأزهر |
بدئ العمل في المسجد الجامع الازهر يوم السبت 24 جمادى الاولى سنة 359ه/ 4 ابريل 970م، وتم البناء في شهر رمضان سنة 361ه واقيمت به أول صلاة للجمعة في اليوم السابع من رمضان 22 يونية 972م, وكان بالمسجد نقش من الخط الكوفي بدائرة القبة في الرواق الاول على يمنة المحراب والمنبر، مما نصه بعد البسملة: مما أمر ببنائه عبدالله ووليه أبو تميم صعد الامام المعز لدين الله امير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى ابائه الطاهرين وابنائه الاكرمين على يد عبده جوهر الصقلي وذلك في سنة ستين وثلثمائة.
وكان المسجد منذ انشائه عظيم الشأن، ارتبط تاريخه بتاريخ القاهرة، ولم تزل العناية به وبعمارته مستمرة حتى وقتنا هذا، فلم تمض اربع سنوات على انشاء المسجد الازهر حتى امر الخليفة العزيز بالله بن المعز لدين الله باصلاح ما كان من عمارته يتطلب الاصلاح والتجديد، ثم جدد الخليفة الحاكم بأمر الله مئذنته في سنة 400ه/ 1009م، أو حوالي تلك السنة، وكذلك جدد المستنصر بالله المسجد اثناء خلافته 427 - 428ه/ 1036 - 1094م في سنة لم يحددها المؤرخون وبوجه عام فقد ظلت عمارة المسجد وزخرفته حتى ذلك التاريخ محتفظة بحال انشائها، ولم يطرأ عليها تغيير بالاضافة إلى الهدم، وان الاعمال التي اجريت في المسجد، طيلة المائتي سنة الاولى، اقتصرت على تدعيم مبانيه وترميمها وتجديد زخارفها.
وقد مرت بالازهر بعد ذلك فترة انطوت فيها ذكراه، إذ أمر السلطان صلاح الدين الايوبي ان تبطل فيه صلاة الجمعة، اكتفاء باقامتها في الجامع الحاكمي واستمر الازهر في طي النسيان منذ سنة 565ه/ 1169م وحتى سنة 665ه/ 1266م حين امر السلطان المملوكي الظاهر بيبرس بتجديد المسجد وشرع في عمارته، فعمر الواهي من اركانه، وبيضه واصلح سقوفه وبلطه وفرشه وكساه، واستجد به مقصورة حسنة واعاد إليه خطبة الجمعة، ومنذ ذلك التاريخ اخذ المسجد يتزايد امره حتى صار ارفع الجوامع بالقاهرة قدرا.
وخلال العصر المملوكي اضيفت الى مباني المسجد زيادات وعمائر وانشاءات وأجريت عدة اعمال تجديد واصلاح، ،عمر المسجد وجدد بعد ذلك مرات في العصر العثماني ولعل اهم عمارة اجريت بالمسجد الجامع الازهر منذ نشأته تلك التي اجراها الأمير عبدالرحمن كتخدا في سنة 1167ه/ 1753م وقد اضافت اليه اقساما هامة عامة الى بنيانه وتخطيطه زادت في مساحة الازهر زيادة كبيرة، وزودته بباب كبير جديد بالجهة الشمالية من المسجد مقابلا للباب العتيق، وهذا هو الباب الرئيسي للمسجد المسمى بباب المزينين، وثلاث مآذن فأصبح به ست مآذن لم يتبق منها سوى اربع فقط، وتوالت بعد ذلك اعمال التجديد في عهد ولاة مصر من اسرة محمد علي، وكذلك الاصلاح والترميم والاضافة بالمسجد الازهر حتى كادت تطمس معالمه القديمة، وتتوارى مظاهر عمارته الاولى.
كان الازهر هو اول جامع اسس بالقاهرة وكان يبلغ مسطحه عند اتمام انشائه ما يقرب من نصف مسطحه الحالي، ثم اضيفت إليه بنايات اخرى في ازمنة متعددة حتى وصل إلى الحالة التي هو علها الآن, وأول ما يقابل الداخل إليه من الناحية البحرية المواجهة لميدان الازهر الآن بابان متجاوران يعرفان ببابي المزينين انشأهما الامير عبدالرحمن كتخدا سنة 1176ه/ 1752م، وهما يؤديان إلى مجاز محصورة بين مدرستين احداهما اليسري الشرقية وتعرف باسم المدرسة الاقبغاوية نسبة الى منشئها الامير اقبغا عبدالواحد سنة 740ه/ 1339م وتشغلها الان مكتبة الازهر.
وبهذه المدرسة محراب زينب خيته، اي محرابه، وكوشة العقد بالفسيفساء المذهبة والمتعددة الالوان، ويعد محراب هذه المدرسة من ابدع محاريب القاهرة، والمدرسة الثانية هي المدرسة الطيبرسية نسبة إلى منشئها الامير طيبرس العلائي سنة 709ه/ 1309م وقد جعلت الآن ملحقا للمكتبة وبها محراب مزخرف بالفسيفساء الرخامية والاعمدة الخزفية ذات اللون الأرجوازي النادر بطريقة تعتبر اية في الدقة والاتقان.
وقد اصلح واجهة هذه المدرسة الامير عبدالرحمن كتخدا، إلا انه احتفظ بشبابيكها المكونة من اشكال هندسية صنعت من النحاس المصبوب.
وينتهي المجاز من الناحية القبلية بباب تجاوره مئذنة وكلاهما (الباب والمئذنة) من انشاء السلطان قايتباي سنة 873ه/ 1458م وفيها بلغت صناعة الزخرف في الحجر غاية الابداع، ومن الباب نصل إلى صحن مكشوف مستطيل الشكل تحيط به الاروقة من ثلاث جهات: خمسة منها في الرواق الشرقي، وثلاثة في كل من الرواق القبلي والبحري، اما الرواق الغربي، فخلو منها، وواجهات الاروقة الاربعة محمولة على عقود ذات زوايا منكسرة.
وفي وسط الرواق الشرقي مجاز يتجه عموديا على المحراب القديم، ويعلو مقدمة هذا الانجاز عند الصحن قبة محمولة على اعمدة واكتاف، وعقود هذا المجاز وسقفه مرتفع عن باقي الرواق، وقد حليت عقوده وواجهاتها بنقوش نباتية جميلة وكتابات كوفية مزهرة، وبأعلى الجدار الاصلي للجامع توجد شبابيكه القديمة منها ذات عقود مستديرة، وهي جصية ومفرعة بأشكال هندسية يتخللها زجاج متعدد الالوان، ويحيط بهذه النوافذ افريز من الخط الكوفي المزخرف بآيات من القرآن الكريم، وما زالت بقايا هذه الشبابيك تحدد الجامع القديم من جهاته الثلاث الشرقية والجنوبية والشمالية وكان طرفا الرواق الاول ينتهيان بقبتين غير موجودتين الآن.
أما الجزء المرتفع الكائن خلف هذا الايوان حتى الجدار القبلي الحالي فهو من انشاء عبدالرحمن كتخدا أيضا، وهو صاحب المدفن الكائن غربي هذا الجزء داخل باب الصعايدة، كذلك توجد في الجهة الجنوبية الشرقية للجامع المدرسة الجوهرية التي أنشأها جوهر القنقبائي سنة 844ه/ 1440م ثم زاوية العميان المنشأة سنة 1148ه/ 1735م وفي النهاية نجد مدفنا صغيرا.
ويعلو واجهة الجامع الازهر مئذنة عالية تقع في اليسار من مئذنة قايتباي تكاد تكون فريدة بين مآذن مصر، فبدنها العلوي مكون من ستة عشر ضلعا بينما اضلاع باقي المآذن لا تتجاوز الثمانية، كما ان هذه المئذنة كسيت من الخارج ببلاطات من القيشاني الجميل، وتنتهي المئذنة برأسين بدل رأس واحد، ولم يسبقها الى ذلك سوى منارة مدرسة السلطان ابي النصر جانبلاط التي انشأها تجاه باب النصر حوالي سنة 905ه/ 1500م ثم منارتين اخريين بناهما الامير فاني باي السيفي امير اخور أي امير الاسطبل السلطاني وهو المشرف على خيول اسطبل السلطان، ومتولي امر رعايتها والاعتناء بها في سنة 908ه/ 1503م اما منارة الازهر ذات الرأسين فقد بناها السلطان الغوري آخر سلاطين دولة المماليك الجراكسة سنة 920ه/ 1514م .
د, محسن محمود
|
|
|