مقالة مترجمة عن مجلة العلم والحياة الفرنسية خطّك,, هو التجلي المباشر لعالمك الداخلي |
** اصبحت موضة في فرنسا اليوم، ان يذهب الشبان الى علماء الاستدلال الخطي، لطلب استشارتهم، حول الطريق الذي يجب ان يسلكوه في حيواتهم، بالاعتماد على تحليل خطوطهم.
كما ان 80% من الشركات الفرنسية، اصبحت تلجأ الى تحليل خطوط المتقدمين للعمل لديها، وتقرر قبولهم، أو عدمه، على ضوء نتائج هذه التحاليل.
ومع أننا نتعلم نفس قواعد الخط، ونقلد نفس النماذج، فإن لكل منا - خطا- يميزه عن سواه، خطا يرى فيه علماء الاستدلال الخطي صورة لشخصياتنا، ويستنتجون من خلاله، ان كنا مندفعين أو عقلانيين صريحين أو كتومين,.
حتى ان بعضهم يعتقد ان الخط، ينبىء عن كل ما يدور في خلد كاتبه وليست هذه النظريات علمية، وانما هي مؤسسة على قناعة ذاتية للكاهن الفرنسي- جان ميشون- الذي طرح في نهاية القرن الماضي، فكرة مفادها، ان خط الشخص هو التجلي المباشر لعالمه الداخلي والعقلي والأخلاقي، وهو انعكاس لشخصيته، وانطلق من هذه الفكرة، في بحث جاد، فدرس اشكال الحروف، والكلمات، والأساليب المتبعة، في تنظيم النص ضمن الصفحة، وترك الهوامش فيها، والضغط الذي يمارسه الكاتب على القلم، وتواقيع عدد كبير من الناس.
وحلل عشرات الخطوط وقارن بين ما تحمله من خصوصية من جهة، وطباع كتابها من جهة أخرى، وكانت حصيلة بحثه، كتابا ضم قرابة- مائة حالة- تطابق بين صفات معينة في الخط، وصفات مقابلة لها في شخصية كاتبه، وبعد جان ميشون بحوالي اربعين عاما، أتى -جول جومان- بكتابه: ألف باء علم الاستدلال الخطي ,الذي كان الأكثر مبيعا، من بين الكتب التي عالجت هذا الموضوع.
وقد ركز جامان فيه على 200 فكرة موزعة ضمن سبعة محاور رئيسية في دراسة الخط، هي الأبعاد أي: أبعاد الكلمة، أو الحروف، والشكل، والسرعة، والضغط على القلم، والاتجاه، والاستمرارية، وتنظيم النص ضمن الصفحة، ثم اضيفت بعض المعايير، التي حملها معه التقدم، كشكل القلم، ونوعه، ونوع الورق, لكن الطريقة الأساسية في التحليل بقيت على حالها.
والسؤال المطروح حاليا:
* هل تجاوز علم الاستدلال الخطي مرحلة البحث واستحق صفة علم عن جدارة ,,؟
يجب علينا أولا، وقبل الاجابة عن هذا السؤال، أن نقبل بالفكرة التي تقول: بما ان الكلمات تفيد في التعبير عن الأفكار، فإن الطريقة التي نتبعها في كتابتها، تحمل دلالات عن شخصياتنا , وذلك لسبب بسيط هو: ان هذه الفكرة ليست حمقاء تماما,.
لقد انطلق علماء الاستدلال الخطي، من هذه الفكرة اللاحمقاء ودرسوا مئات الخطوط، ووضعوا فرضيات كثيرة، منها: ان الزوايا الحادة في الخط، تدل على عدوانية كاتبها، وان التوقيع بتضخيم الحرف الأول من الاسم، يدل على حب الموقع للظهور، ولفت الأنظار اليه,, وربما تبدو هذه الفرضيات منطقية للوهلة الأولى، لكننا اذا أمعنا النظر فيها قليلا، وجدنا أنها ليست سوى تكهنات تفتقر الى الدليل العلمي,.
ونتساءل هنا، هل القول بأن الزوايا الحادة في الخط تدل على عدوانية كاتبه، أكثر منطقية من القول مثلا: ان البدينين لا يحملون هموما، وانهم على النقيض من النحيلين، ميالون للفرح، أو القول بأن اصحاب الذقون الغائرة مخادعون، وان الجبهة العريضة من علامات الذكاء,.
ربما يكون ذلك صحيحا,, لكن ما الدليل ,,؟
ان تحويل افتراض بسيط، الى حقيقة علمية، ليس مهمة سهلة أبدا، فهو يتطلب قبل كل شيء، تحديد العناصر التي ستخصع للدراسة بدقة متناهية تماما، كما كتلة الجسم في الفيزياء، وايقاع النبض القلبي، نبضة/ دقيقة في البيولوجيا، أو البنى الذرية للعناصر في الكيمياء، لكن الأمور التي يتصدى علماء الاستدلال الخطي، تزوغ من الملاحظة، فلين الطباع،والعدوانية، والطموح،والشجاعة، والاعتداد بالنفس، ليست صفات موضوعية، بمعنى ان لكل منا مفهومه الخاص عنها، كما انه لا يمكن حصر أي منها في تعريف جامع مانع، يضاف الى ذلك ان التحقق من صحة الفرضيات المطروحة، في 90% من الحالات، وفي مختلف الظروف، ضروري جدا، إذ ان فكرة تسبب التدخين بالسرطان التي ينظر اليها اليوم على أنها من البديهيات كلفت ثلاثين عاما من البحث, كما ان البرهان على وجود علاقة بين القلق، وتناقص، أو تزايد المقدرات الذهنية، استغرق أعواما طويلة من البحث، وتطلب احصائيات، ودراسات مقارنة عديدة، وعلى هذا فإن اثبات وجود علاقة بين ميزة معينة في الخط، وصفة من الصفات في شخصية كاتبه، سيكون مشروعا صعبا جدا، ان لم نقل -مستحيلا-، لأن طريقة مسك القلم، والأوامر العصبية الصادرة من الدماغ، للأصابع والعضلات التي تتدخل في الكتابة ووضعية الجسم، والحالة النفسية والذهنية وأمورا أخرى كثيرة تؤثر على الخط، ومع ذلك فإن أيا من علماء الاستدلال الخطي، لم يكلف نفسه عناء البحث في تأثيرها أولا ولا حتى النظر اليها، مما يطرح أخيرا السؤال:
هل من طريقة للتأكد من صحة فرضيات علماء الاستدلال الخطي ,,؟!,.
نعم،, يمكن ذلك، بمقارنة النتائج التي يتوصلون اليها، مع نتائج دراسات أخرى، يعتد بها، عن الشخصية، كالدراسات النفسية.
يقول ماريليو بروشون استاذ علم النفس في جامعة بوردو الثانية والذي كرس لهذا الموضوع عدة سنوات من البحث في هذا الخصوص: لقد أجريت حوالي مائة دراسة، للتأكد من صحة فرضيات علماء الاستدلال الخطي، وخرجت منها بقناعة مفادها ان هذا العلم لا يقدم فائدة تذكر، لا في التعرف على الجانب النفسي، ولا في كشف المقدرات الذهنية، أو المهنية عند الشخص -محل الدراسة- وبناء عليه: فهو ينتمي الى أشباه العلوم - كالتنجيم- والعرافة، وما اليها والتي تقوم على فرضيات غير مثبتة علميا.
وبالرغم من هذه النتائج، فان علماء الاستدلال الخطي مستمرون في ادعاءاتهم حتى ان مجموعة منهم جمعت في فرنسا مؤخرا، حوالي 2000 نسخة خط يد 2000 طالب، في الثالث الثانوي، بهدف تحليلها ورسم صورة لطالب البكالوريا الفرنسي في نهاية هذا القرن، على ضوء نتائج هذا التحليل، وياله من فن عبقري ان نختصر 2000 طالب في طالب واحد.
|
|
|