Friday 5th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 17 ذو القعدة


بنادر
أكاذيب السياسي ورهافة الشاعر
علي الشرقاوي*

قال الشاعر محمود درويش في مقابلة تلفزيونية بانه ابتعد عن الحياة السياسية وانه ليس مراسلاً حزبياً للقضية الفلسطينية واخطر ما يهدده هو ان يرد شعرياً على التطورات السياسية.
وقال الشاعر قاسم حداد في مقابلة تلفزيونية اخرى: لا انصح بالتزام الشاعر حزبياً.
هذان الرأيان الصريحان جداً في وقت لم يعد فيه للصراحة اي مكان، في تصوري يمثلان وجهة نظر لشاعرين عربيين قويين امتزجت تجربتهما الشعرية بتجربتهما السياسية، وتوصلا من خلال ممارسة الشعر والسياسة الى ان الالتزام السياسي الحزبي، وان كان صحيحاً، الا انه ضد شعرية الشعر وشاعرية الشاعر، لان الالتزام الحزبي، حتى لو كان الشاعر مقتنعاً به في فترة من فترات تجربته الحياتية، هذا الالتزام اليومي يحول الشاعر الى بوق للحزب الذي ينتمي اليه، وان كان الشاعر واعياً الى هذه المسألة، المراسل الحزبي كما يقول درويش، فانه سيتحول الى بوق للايدلوجية التي اقتنع بها, وفي كلتا الحالتين تتشوه التجربة بشيء من الدمامل التي من عادتها أن ترمي الجديد مبقية على السائد والقديم، وتقتلع بذور المخيلة لتزرع مكانها نباتات المألوف والمكرر والعادي والذي لا يحتاج الى جهد.
السياسي ولانه لا يملك اداة التوصيل الجيدة لآرائه ومواقفه ووجهات نظره للجماهير العريضة التي يتكلم باسمها، رغم انها لم تنتخبه ناطقاً لها، هذا السياسي يحاول ان يقود الفنان بصورة عامة، والشاعر بصورة خاصة الى المجالات التي من خلالها يصل الى بعض المكاسب السياسية.
اداة السياسي خلطة كبيرة من الخبث والغش والخداع والكذب والوعود، في حين ان خلطة الشاعر ليست غيركم هائل من المشاعر الصادقة والمرهفة ممزوجة بلغة منفتحة على هواء الانسان في زمكان هذا العالم.
السياسي يتقن اللعب بالبيضة والحجر
الشاعر يتقن اللعب بفضاء المخيلة
السياسي يتوغل بعيداً في وضع الخطط والدسائس والمقامرة حتى بقاعدته التي يعتمد عليها للوصول السريع الى ما يريد، حالماً بسيطرة الجزء/ السياسة على الكل/ الحياة, فيما يتوغل الشاعر عميقاً في الذات والواقع, يشحذ سن الحرف بالقلب ويؤصل الكلمة في تربة الروح، ويثقف اللغة ويغسلها من غبار الاستهلاك منتشياً بالمغامرة التي تمزج اللغة بطراوة الحياة، والماء بالنار، والارضي بالسماوي، ذاهباً من الحياة الى الشعر ومن الشعر الى الحياة.
بين كذب السياسي وصدق الشاعر عوالم كثيرة لا يفهمها غير عشاق الكلمة والحياة, والذي لا يصدق عليه ان يعود الى الشعر في العالم, سيرى ان اصابع السياسي لا تستطيع منع شمس الشعر.
*كاتب وشاعر بحريني
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
فروسية
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير