نحن والآخر رسالة إلى مبتعَث |
اخي المبتعث لا اخالك الا وانت تتأهب للرحيل المؤقت لاكمال دراستك في امريكا وكلك عزم وتصميم على انجاز ما اؤتمنت على انجازه ومن ثم العودة سالماً غانماً - ان شاء الله- لترد ولو بعضاً من جميل بلدك المعطاء, وبما انني غير مرتاب انك فاعل فسوف اناقش معك جزئيات من كلياتك المستقبلية العديدة وانت تحث الخطى نحو مشوارك الدراسي في بيئة انت فيها فتى عربي غريب الوجه واللسان , لذا دعني اخاطبك من خلال تجربتي المتواضعة هناك والسعيد من اتعظ بغيره! والتي من خلالها اتضح لي ان مخاطبة الشعوب ذوي الثقافات الأخرى، كالأمريكيين مثلاً، فن ان اجدته، فسوف يسهل عليك الحصول على الكثير مما تتهيب الحصول عليه.
عليك اولاً الاعتزاز بدينك ثم مليكك ووطنك واضعاً نصب عينيك انك سفير حريته تفوق حرية السفير المتوج والمقيد بمراسم ديبلوماسية واعراف وقوانين والذي قد لا يتاح له ما اتيح لك من حرية اتصال وحل وترحال متى شئت وحيثما شئت واينما شئت.
ثانياً: تجنب العاطفة الجياشة عند التعامل مع من سوف تتعامل معه وتذكر - ولأسباب ثقافية- ان ما قد يصح في بلدك ليس بالضرورة صالحاً في امريكا,وعليه فعليك- طالما كنت هناك- العمل على التقنين المؤقت لبعض العادات والتقاليد التي تربيت عليها من كرم ونخوة مثلاً وقصرها على بني جلدتك ممن يقدرون مثل تلك المآثر، حيث ان مفهوم الكرم العربي في الثقافة الامريكية يحمل ابعاداً توحي بالسذاجة والتبذير بل والانانية كذلك تشتري الناس بفلوسك! وما هنالك من تأويلات هي نتاج طبيعي للبيئة المادية, ولذلك لا تستغرب لو انني عبثت تاريخياً! وقلت لك لو ان حاتم الطائي زميل مرافق لك في تلك البعثة وعرف معنى الكرم في الثقافة الامريكية لسلمت خيله من الذبح، بل لأصبح تاجر خيول!! .
ثالثا: لا تدع الانفعالية تلجىء الآخرين الى التركيز على شخصيتك ومن ثم اغفال ما تقول، حيث ان الانفعالية والبعد عن الموضوعية يقللان من اصالة مداخلتك, عموما لا تنس ان الامريكي وعقله المادي المجرد سوف يحس بنشوة الانتصار عليك طالما اعتقد بأنه نجح في اثارتك.
رابعا: في قاعات دراستك وفي اروقة جامعتك وفي اماكن عديدة سوف تجد نفسك في مواقف تتطلب منك الاجابة على اسئلة تمس اغلى ما لديك من دين ووطن وعرض,, لذلك لا تدع وقع تلك الاسئلة المفاجئة يؤثر على قدرتك على التفكير السليم في الاجابة عليها, تذكر اولا ان قاعدة ما كل ما يعلم يقال حبلى بقاعدة ما كل ما يسأل يجاب , فربما تكون لغتك الانجليزية ليست بالقوية بعد، او ربما تجد من يحاول اقحامك في مواضيع تنأى بنفسك عن الخوض فيها,, في مثل تلك الحالة لا تتردد في استخدام مواقفهم اللغوية! عندما يجدون انفسهم امام اسئلة لا يرغبون في الاجابة عليها: It is a long story - انها لقصة طويلة- وفحواها التملص من الاجابة على سؤال غير مرغوب وبأدب واحترام.
خامسا: يتعين عليك اخي المبتعث توخي العقلانية عند اجابتك على تساؤلات الآخر , هذه العقلانية تتطلب ادلة مادية محسوسة ومن الواقع, فعند تعاملك مع سؤال يحمل ابعادا قيمية/ دينية لديك -وليكن مثلا الحجاب- فبادر السؤال بالسؤال,, اسأل محاورك عما اذا كان من المؤمنين بحق الراهبات في ارتداء ملابس ساترة وتغطية رؤوسهن بطريقة تميزهن عن غيرهن، بل والامتناع عن الزواج رغم غرائز الامومة لديهن! وبأمر من الكنيسة! فان كانت اجابته بنعم! عندئذ قم باجابة تساؤله من منظورك الاسلامي وذلك بالاشارة الى ان الحجاب حق من حقوق المرأة المسلمة وذلك بالقياس على ما كفلته الكنيسة للراهبة من حقوق وما ألزمتها به من التزامات!, هنا ومن خلال ما زرعت في ذهنه عقلانياً قل له ان يتخيل الانطباع الخاطىء والذي سوف يتولد لدى الكثيرين لو كان في الاسلام مبدأ يمنع اعدادا هائلة كعدد الراهبات مثلا في امريكا! من الزواج ويحرمهن من التمتع بأمومتهن.
سادسا: لا تزج بما يحتل سلم اولوياتك لتقارنه بما يقبع في ادنى درجات سلم اولويات مخاطبك: لا تحاول انتقاصه بسلوك ترى انه - من خلال ثقافتك- سلوك شائن، فما بعد الكفر ذنب!, فالأمن المستتب في بلدك يقابله انفلات امني في بلده استخدم احصائيات ، ومجانية التعليم والرعاية الصحية في وطنك يميزهما تكاليفهما الباهظة على جيبه وفي عقر داره، وقساوة العقوبات في شرعك الحكيم من وجهة نظره الخاطئة! يقابلها احتواء سجون بلده على اكبر عدد من المساجين في العالم، وتهمة الارهاب في الاسلام يقابلها ما تفعله المنظمات الارهابية الغربية في ايرلندا منظمة الجيش الجمهوري وارهابيو اقليم الباسك في اسبانيا وجماعة الكوكلكس كلان العنصرية في امريكا,, وغيرها من المنظمات التي يعتنق افرادها الدين المسيحي والتي لا تعني بالضرورة ان كل من يعتنق الدين المسيحي ارهابي! بل تدل بالطبع على ان لكل مجتمع شواذ ، او باستطاعتك الاكتفاء وبهدوء بالاشارة الى ارقام ضحايا العنف والجريمة في دهاليز مدن وقرى بلده والتي تتجاوز ال 30 الف سنويا, وفقك الله وحفظك لبلدك وحفظ بلدك لك.
د, فارس الغزي
|
|
|