الثقافية - عطية الخبراني
فجع الوسط الأكاديمي واللغوي مطلع الأسبوع الماضي برحيل عالم اللغة والأكاديمي بجامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور عوض بن حمد القوزي إثر تعرضه لحادث سير أليم لم يمهله إلا أيَّامًا معدودة داخل غرفة العناية المركزة لينتقل إلى جوار ربه، ليفتقد بذلك الوسط الأكاديمي واللغوي أحد الأسماء البارزة فيه الذي قضى حياته منافحًا عن اللغة مجتهدًا وباحثًا في علومها.
وقد سبق للثقافية أن أجرت معه حواراً شاملاً عن مشروعاته التأليفية، وفي هذا السياق تحدث عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور مرزوق بن تنباك أن الدكتور عوض القوزي صاحب مشروع كبير وله باع طويل في علوم اللغة والنحو والصرف وصاحب مدرسة فكرية، وقد قضى حياته أستاذًا في جامعة الملك سعود، وله الكثير من المؤلِّفات والبحوث التي تصب في تخصصه ويحاول من خلالها تطوير نظرية في اللغة تساعد الطلاب والذين يعشقون لغة العرب على أن يكونوا على صلة بلغتهم وثقافتهم وكان -رحمه الله- صاحب رؤية جيدة في مسألة التَّعليم الجامعي وفي صلته بطلابه، كما أنَّه كان عضوًا في مجمعي اللغة في القاهرة ودمشق، وعضويته لهذين المجلسين لم تكن ناتجة إلا عن تقدير العلماء له ولجهوده الكبير في مجال اللغة وعلومها، ولا شكَّ أن فقد الدكتور عوض خسارة كبيرة للثقافة والفكر العربي واللغة التي سخر جهده من أجل خدمتها والعمل على تطويرها والبحث فيها.
وعلى صعيد الجانب الإنساني تحدث الدكتور مرزوق بن تنباك عن صديقه الدكتور عوض قائلاً: كان - -رحمه الله- - صاحب نفس طيبة ورضية وخلق كريم وصاحب موقف إنساني مع أصدقائه وزملائه ومحبيه وطلابه، ولم يكن فقده فقدًا علميًّا فحسب ولكنه فقد للجانب الإنساني الذي تحلى به والروح الطيبة التي عرفها له كل من عاشره وزامله أو التقى به، كما أن له رحمه الله- - محاضرات جيدة في العديد من الأندية ومؤتمرات اللغة بالإضافة إلى أنَّه قضى عددًا من سنوات عمره أستاذًا زائرًا في العديد من الجامعات العربيَّة والإسلاميَّة وكان له جهوده في هذه الجوانب العلميَّة. وأضاف الدكتور مرزوق: كما أن الراحل القوزي صاحب رؤية منهجية في التَّعليم، فلم يكن مكررًا أو معيدًا لما يكتب، إنما كان له منهجه التربوي الواضح الجلي الذي يجعل مادته التي يدرسها قريبة من المتلقين.
وختم ابن تنباك بقوله: وإن مما يضاعف حزننا على رحيل قامة كالدكتور عوض أنَّه توفي فجأة في حادث سيارة، فقد كان رحيله ثقيلاً على النَّفْس ولا نقول في هذا الموضع إلا -رحمه الله- وعفا عنه وغفر له.
كما تحدث عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام الدكتور محمد الربيع عن القوزي قائلاً: نعزي أنفسنا والوسط الجامعي والمتخصصين والمهتمين باللغة العربيَّة في وفاة زميلنا الدكتور عوض القوزي، الذي عرف بتميزه فيما يختص بعلوم اللغة والمعاجم، وهو يجمع بين العمق في الجانب التراثي حيث حقق عددًا كبيرًا من المخطوطات وبالذات ما له علاقة بكتاب سيبويه وهو الكتاب الأصل في علوم اللغة، كما أن الدكتور عوض مطلع على علوم اللغة بمفهومها الحديث لأنَّه درس في بريطانيا وبالتالي فهو يجمع بين علوم اللغة كما عند علمائنا القدامى بالإضافة لمعرفة المناهج الحديثة.
وتابع الربيع: توطدت معرفتي به حينما أصبح عضوًا مراسلاً في مجمع اللغة العربيَّة في القاهرة وكما يعرف المُتخصِّصون أن أستاذنا العلامة الشيخ حمد الجاسر كان أول عالم سعودي انضم للمجمع عضوًا عاملاً عام 1378 هـ وقد سعى الشيخ الجاسر لضم أعضاء مراسلين من المملكة، وفي عام 1396 انضم الشيخ عبد الله بن خميس والأستاذ حسن القرشي والأستاذ عبد العزيز الرفاعي -رحمهم الله- جميعًا إلى المجمع، كما انضمت مجموعة أخرى في عام 1417 هـ كان من ضمنهم الدكتور أحمد الضبيب والشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل والأستاذ يحيى المعلمي والدكتور محمد الربيع، بعد ذلك انضم زميلنا الدكتور عوض القوزي للمجمع، عندما انضم المرحوم الدكتور عوض كنت أصحبه ونلتقي في المؤتمر العام للمجمع الذي يستمر لأسبوعين وكان يجتهد في كلِّ دورة أن يقدم بحثًا أو محاضرة بالإضافة إلى ما يدور في الجلسات من تعقيبات وتعليقات، فكان نعم الزميل والرفيق، فهو رجل يجمع بين العمق والروية والأناة، ولذلك سنفتقده في المجمع ونعزي أبناءه ومحبيه وطلابه ورفاقه في جامعة الملك سعود ونسأل الله أن يتقبَّله بالرحمة وأن يغفر له.
يذكر أن الراحل القوزي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أوكسفورد البريطانية عام 1985م في تخصص النحو والصرف وعلوم اللغة العربيَّة، وله أربعة كتب علميَّة هي المصطلح النحوي - نشأته وتطوره حتَّى أواخر القرن الثالث الهجري، وكتاب ما يحتمل الشعر من الضرورة - لأبي سعيد السيرافي - تحقيق (جزء واحد)، وكتاب التعليقة على كتاب سيبويه، لأبي على الفارسي - تحقيق (في ستة أجزاء) وكتاب معاني القراءات، لأبي منصور الأزهري - تحقيق بالاشتراك (في ثلاثة أجزاء)، بالإضافة إلى العديد من البحوث العلميَّة والدراسات اللغوية المنشورة في المجلات المتخصصة.