الثقافية - سعيد الدحية الزهراني
التعميم لغة سلبية.. لكن الملمح العام صورة ذهنية لا تستقر من فراغ ولا تستبدل بضغطة زر.. حين أضحت الأندية الأدبية جسداً ميتاً يكاد يكون ضربه حراماً وعيباً أخلاقياً فاضحاً.. إلا أن الإصرار على الاحتفاظ بالجثة الكبيرة بات معطلاً مزعجاً لفعل المعرفة والبناء الجمعي الثقافي المشترك.. الأمر الذي يحتم على المعنيين أن يعوا ضرورة إعلان وفاة الأندية الأدبية.. ومن هنا جاء عنوان هذه الكتابة امتداداً لوحي النزارية الشهيرة: متى يعلنون وفاة العرب؟
واقع الحال لم يعد متقبلاً لفكرة عمل الأندية الأدبية.. وفق ما يقول الدكتور إبراهيم التركي في مقال الخميس 31-10-2013م، حيث يقول: تبدلت وسائطُ التواصل؛ فلم يعد المنبر الخطابيُّ الوعظيُّ بشكلٍ خاصٍ والثقافيُّ بشكلٍ أعم الوسيطَ الأهم، ولعل هذا سبب جوهريٌّ للتبدل؛ فالأقنيةُ الفضائيةُ والشبكيةُ وسائطُ فاعلة في انتقال المحاضر إلى الجمهور بدلًا من شدِّ رحال الجمهور إلى المحاضر مع بقاء الثراء التفاعلي الذي كان يميز المنابر في تغذية الحوار المباشر بين المرسلين والمستقبلين بشكلٍ فاعلٍ ذي صبغةٍ دائمة لا ينتهي مع إخلاء القاعة وإطفاء الأنوار..
مقترحاً أن يكون البديل المنبري متمثلاً في المجالس الثقافية الخاصة.. قائلاً: من يرصدُ مثل هذه المجالس سيجد فيها النبض المجتمعيَّ الأقرب للواقع بعيدًا عن مزايدات وسائط التواصل الاجتماعي التي تُلبس الشخوص الحقيقية والافتراضية أقنعةً تواري بعض أو كلَّ خصائصهم وقد تستدعي منهم بطولاتٍ استعراضيةً كي يظهروا أمام متابعيهم بصورةٍ زاهية، مثلما هي ملأى باللغة الصاخبة وأحيانًا الفاحشة؛ ما ينفر منها كثيرين من ذوي الاتزان النفسي والمنهجية العلمية والتعامل الراقي.
ولعل مقالة الدكتور حسن النعمي بصحيفة «عكاظ» 28-10-2013م التي كشف من خلالها عن معوقات العمل الثقافي وعلل المشتغلين بالثقافة من جانب والمتدخلين في شؤونها من جانب آخر.. يُعد أحد أهم الأدلة على ضرورة إعادة النظر في حال الأندية الأدبية التي يجب أن تُولد بعمر وروح جديدين..
يقول الدكتور النعمي:
- أقلقني ولع المثقفين بالظهور الدائم بصورة من يقول لا من يستمع.. فكل لديه ما يقوله، وليس هناك أمل أن ينصت بعضهم قليلاً.. فعندما يعتلي أحدهم المنبر معلّقاً على محاضر يقول ما يريد هو، يتحدث في الغالب بعيداً عن المحاضرة وما أثارته..
- أقلقني احتشاد الجمهور بكثافة إن كانت محاضرة ذات طبيعة إشكالية، أو كان المحاضر ذا طبيعة جدلية. الجمهور في هذه الحالة لم يأتِ للنادي، بل جاء للمحاضر أو للمحاضرة، جاء بغرض الوقوف على مشكلة متوقعة.
- أقلقني أن بعض الإخوة من التيار الديني لا يتورعون عن اقتحام النادي وهو مؤسسة رسمية للمناصحة حيناً، والمناكفة أحياناً أخرى وكأنهم يحملون الحقيقة المطلقة.
- أقلقني تدخل جهات أخرى في عمل النادي بالمراقبة والمتابعة، وكأن لا مرجعية للنادي.. وهذا بدوره أضعف دور النادي وزاد من صعوبة العمل الثقافي.
- أقلقني إلغاء بعض المحاضرات دون إرادة النادي، وهذا مربك، ومحرج للضيف وللنادي وللجمهور.
- أقلقني مستوى الإنفاق المالي المتدني على الأندية الأدبية مقارنة بالأندية الرياضية، وهي في جوهرها تحمل رسالة واحدة، وهي الاهتمام بالمواطن - فكراً وسلوكاً -.
- أقلقني كسل الإعلام وبحثه عن مادة جاهزة للنشر دون أن يصنع موقفه، ويقدم رؤيته لما يقدم.
..وهنا يعود الحديث إلى المراكز الثقافية التي يرى الكثير أنها هي الحل.