الشاعر: سعد البواردي
سمعت به كثيراً وقرأت له قبل أن أقابله في بيروت صيف عام 1969م، وكان قد بدأ حياته شاعراً وكاتباً يميل إلى الأدب والمد القومي العربي، وكان له مواقف وطنية، فأصدر في المنطقة الشرقية أسس مجلة ودار الإشعاع التي أوقفت بعد مدة قصيرة من صدورها.
عينه وزير المعارف - سابقاً - الطيب الذكر: حسن بن عبدالله آل الشيخ، في المكتب الثقافي السعودي في بيروت وقضى هناك حوالي عشر سنوات، واشترى بيتاً في الرملة البيضاء، وهي من أجمل مناطق بيروت وعندما نشبت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م نفذ بجلده وعياله وترك بيته وكتبه نهباً للفتنة، واستقر في القاهرة حيث عين ملحقاً إعلامياً بالمكتب الثقافي السعودي بها حتى تقاعده ثم مكث فيها - مدة من الزمن - بشقة تقع على شارع التحرير بالدقي وقد زرته فيها عدة مرات أثناء وجودي في مصر بين 1990-1993م.
وعندما دخلت عليه في مكتبه بالملحقية الثقافية في بيروت في صيف عام 1969م بعد أن مررت على الملحق وقتها « عبد المحسن المنقور - رحمه الله - وجدته شخصاً لطيفاً بشوشاً ترتاح إليه وتحبه من أول لقاء.
وقد استقبلني بترحاب من يعرفني من قبل، ولا أشك أنه سمع باسمي فقد كنت قد بدأت أنشر بعض القصائد في الصحف السعودية وقتذاك كما أن جذورنا، تعود إلى إقليم الوشم وعائلتينا من العائلات المعروفة هناك.
وقد دعاني إلى بيته الذي اشتراه حديثاً للغداء مع عدد قليل من الأصدقاء، وهو عبارة عن شقة فسيحة مطلة على البحر، وكان حديث السكنى به، وقابلت عنده الكاتب علوي طه الصافي الذي تعرفت عليه لأول مرة في هذه المناسبة، وأصبح فيما بعد رئيس تحرير مجلة «الفيصل» الشهرية لعدة سنوات.
وكنت كلما مررت ببيروت ثم القاهرة فيما بعد أزوره في المكتب وأسلم عليه وأشرب القهوة لديه، وكان يقابلني دائماً باللطف والمجاملة ويعطيني من وقته، ويهدي لي كتبه الجديدة وهي دواوين شعر في الغالب.
وعندما جئت القاهرة عام 1975م حرصت على السلام عليه في مكتبه بالملحقية الثقافية، ودعاني مشكوراً للعشاء وحضر الملحق الثقافي السعودي: أحمد بن عبد العزيز المانع -وقتها - وهو رجل دمث الأخلاق، رائع الصفات، ثم زرته لعدة مرات في المكتب- حيث يعمل - في أوقات متفاوتة، وأرسلت له بعض كتبي التي صدرت لي بالبريد من السعودية ومنها كتابي: (كاتب وكتاب) الذي عرضت لبعض كتبه فيه وأثنيت على موهبته الشعرية والنثرية.. وقد كتب عن ديواني مؤخراً في الملحق الثقافي لجريدة الجزيرة السعودية، كما استمر يؤلف في الشعر والنثر ويكتب في الصحف والمجلات السعودية حتى الآن.
وبعد استقراري في مصر بين أعوام 1990-1993م كنت أزوره في بيته بالدقي- كل ليلة جمعة تقريباً ونجلس منفردين ونتعشى أحياناً في بيته وكانت الحواجز بيني وبينه غير موجودة سواء في النقاش أو في التبسط، كما كان لا يتكلف في الحديث أو الإكرام، وكنا نذهب سوياً للعلامة المؤرخ: حمد الجاسر عندما يكون في مصر مشياً على الأقدام.. حيث كان الشيخ حمد غير بعيد عنا فقد كان يسكن في عمارة البدراوي المطلة على النيل قرب جسر الجامعة في شقة فسيحة استأجرها كما ذكر لي قبل أربعين عاماً بسبعة وعشرين جنيهاً فقط لا غير!
كان الأديب الشاعر سعد البواردي من خيرة من عرفتهم من الأدباء خلقاً واتزاناً ومجاملة وصدقاً في المبادئ التي آمن بها وتبناها طيلة حياته.. كما كان واقعياً في حياته العامة والخاصة، وكان مثل الشاعر حسن القرشي لا يبدو عليه تأثير الزمن على الرغم من تخطيه السبعين، ولكن البواردي لا يحب الخروج من المنزل كثيراً أو السهر أو الجلوس في الأماكن العامة فقد دعوته مرة للجلوس أو العشاء في «شيراتون القاهرة» القريب من بيته فاعتذر ومضى في سبيلة وتركني أتلمس طريقي للفندق وحيداً! وبعد ذلك حضر مع نخبة من الأصدقاء، وبعض المصريين مناقشة رسالتي للماجستير في معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، ولم أره بعد تلك المناسبة ويا للأسف!
جدة