في حوالي الساعة الثانية والربع من بعد ظهر اليوم الحادي والعشرين من محرم من عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين للهجرة، الموافق الأول من شهر حزيران (يونية) من عام ألف وتسع مائة وأربعة وستين للميلاد، أقلعت طائرة الركاب السعودية من طراز (DC6) ذات المحركات العادية من مطار (دمشق) القديم في ضاحية (المزة) متجهة إلى مدينة (جدة) متوقفة بعض الوقت في مطار (المدينة المنورة)..

كنت على متن تلك الطائرة كواحد من ركابها في أول رحلة جوية لي، أختبر من خلالها امتطاء أجواء الفضاء وقد ودّعتني في مطار (دمشق) ثلة من الأقارب والأصدقاء كان على رأسهم والدي عليه رحمات الله..

كنت أرتدي في تلك الرحلة (بذلة) إفرنجية، وأحيط رقبتي بربطة مناسبة.... وما إن وصلنا إلى مطار (جدة) وحطت فيه الطائرة، حتى نزلنا منها وكان بيننا وبين مبنى المطار حوالي مائتي متر لا بد أن نقطعها على أقدامنا... وصلنا حول الساعة السادسة... كان الجو حاراً وكانت الرطوبة عالية، بحيث لم أواجه مثيلاً لها في حياتي من قبل!

وما إن وصلنا إلى مبنى المطار حتى اخترق العرق الذي أفرزه جسمي ملابسي الداخلية إلى قميصي الذي ناسب لونه ربطة العنق إلى الرداء الخارجي (الجاكته) الذي كنت أرتديه!

وتفرست في وجوه المستقبلين الكثيرين فلم أجد واحداً من بينهم أعرفه فاستوحشت كثيراً.. وإن هي إلا دقائق حتى تبين لي أن يداً تلوّح في الهواء يحاول صاحبها أن يتقدم الصفوف باتجاهي.. وإذا هي يد زميلي وصديقي العزيز الأستاذ الشاعر (منير الأحمد) عليه رحمات الله، وقد لبس ثوباً سعودياً جعلني لا أتمكن من معرفته أول الأمر حينما كان بعيداً... وباختصار فقد شعرت أن روحي عادت إلى صدري من جديد... استقبلني (منير) ورحّب بي كثيراً وأخذني إلى بيته الذي كان في منطقة (البغدادية) في (جدة) وأصرّ على استضافتي فيه أكثر من عشرين يوماً... ولازلت أذكر تلك الفترة بكثير من الغبطة والسعادة، ولازلت أذكر ل(منير) وزوجته السيدة (حسيبة) عليهما رحمات الله كرمهما الأصيل ورعايتهما التي أحاطاني بها تلك الأيام...

د. زهير الأيوبي

كان الملك (فيصل بن عبدالعزيز) في بداية عهده... وكان كذلك الشيخ (جميل الحجيلان) في بدايات عهده أيضاً في وزارة (الإعلام)... وكان مبنى الوزارة والإذاعة في مكان واحد في منطقة (الكندرة) في (جدة) وعلى طريق المطار القديم..

وكان وكيل الوزارة آنذاك هو السيد (حمزة البوقري).... وأما مدير عام (الإذاعة) فكان الأستاذ (عباس فائق غزاوي) عليه رحمة الله، ومراقب عام البرام الأستاذ (عبدالله حمزة راجح)، ومدير التنفيذ (أو كبير المذيعين) فقد كان الدكتور (بدر بن أحمد كريم) متعه الله بالصحة والسعادة، وكان آنذاك مكلفاً بمهمة رسمية خارج مدينة (جدة)، وكان يقوم بعمله الأستاذ (عبدالكريم نيازي) عليه رحمة الله...

وصلنا إلى منزل الأخ (منير) قبيل العشاء.. فسألني ماذا أريد أن أشرب؟ فقلت: أيّ شيء بارد مثلّج، فقد كنت أعاني من الحر الشديد، والرطوبة الزائدة، فوافاني بزجاجة (كوكاكولا) مثلجة فاحتسيتها بنهم شديد، فأتبعتها بزجاجة ثانية، ثم ثالثة.. شعرت بعدها بأن العطش قد زال...

بتنا ليلتنا على أحسن حال، وفي صباح اليوم التالي توجهت بصحبة أخي (منير) إلى مبنى إذاعة (جدة)، وعرّفني على المسؤولين فيها، والمسؤولين في وزارة الإعلام، وعرفني كذلك على زملائي من المذيعين السعوديين والمتعاقدين وكانوا مجموعة من الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين، أذكر منهم الزميلين الكبيرين الأستاذ (منير شماء) والدكتور (عمر الخطيب) عليه رحمة الله والزملاء (محمد أمين) و(أديب ناصر) و(خالد بوتاري) و(عبدالرحمن قصاب) و(ناصر الدين الرافعي)... وتعرفت كذلك على الزميل المخرج الأستاذ (سعيد الهندي) عليه رحمة الله.

ولما انتهينا من لقاءات التعارف، توجه بي الزميل (منير) إلى قسم (الإدارة المالية) لإنهاء إجراءات التعاقد، وقال لي ونحن نتوجه إلى لقاء المدير العام لتلك الإدارة، سأعرفك الآن على رجل لا يسعك أن تقول بعد أن تراه وتتعرف عليه إلا أنه واحد من (السلف الصالح) الأخيار يعيش بيننا تلك الأيام... وبالفعل فقد دخلنا مكتب الشيخ (محمد عبدالرحمن الشيباني) الذي رحّب بنا أجمل ترحيب، بوجه باسم مغتبط، وعرّفه (منير) بي، ففرح كثيراً عندما علم أنني من (دمشق) وقادم منها، وسألني عن أحوال أهلها، التي لم تكن سارّة تلك الأيام، وسأل الله سبحانه أن يرفع الغم عنها وعن جميع بلاد المسلمين، وقال لي ونحن نودعه: أرجو أن تعتبر هذا البلد بلدك، وأن تعتبر أهلها أهلك... وكن مطمئناً من جهة (عقد العمل) الذي ستنتهي إجراءاته اليوم أو غداً.. كما أرجو أن يكون مقامك بيننا طويلاً وأن نتمكن من تقديم كل أنواع الخدمة التي تحتاجها... وعموماً فإن مكتبي مفتوح دائماً، فلا تتردد من مقابلتي في أي وقت تريد لنتساعد فيما يطرأ أمامك من مشكلات... وقد قال ذلك بروح أبوية حانية فيها الكثير من التربية العالية، والخلق الرفيع، والتواضع الجم، والتدين الصادق...

... وحينما خرجنا من مكتبه قلت لصاحبي، يبدو أنك كنت صادقاً حينما عرفتني على هذا الرجل على أنه من (السلف الصالح)! فقال لي (منير): ستتأكد أكثر من مصداقية مقولتي مع الأيام...

أمضيت في إذاعة (جدة) بضعة أشهر... وبدأت الاستعدادات لافتتاح إذاعة في (الرياض)، وعُرض على من يرغب الانتقال إلى مدينة (الرياض) للقيام بهذه المهمة، وأذكر أنني وزميلي الأستاذ (منير الأحمد) قد اخترنا الانتقال، وكان من أسباب ذلك أن مشروع (إذاعة الرياض) مشروع جديد، فضلاً عن أن الطقس في مدينة (جدة) لم يكن يناسبنا كثيراً، لشدة رطوبته... وانتقل معنا عدد من الزملاء، منهم الأستاذ (منير شماء)، و(سعيد الهندي)، و(محمد عبدالرحمن الشعلان) عليهم رحمات الله، و(خالد بوتاري)، والدكتور (محمد كامل خطاب) عليه رحمة الله، و(غالب كامل)... وفي الرياض التقينا بالزميل الأستاذ (محمود أبوعبيد) والزميل الدكتور (عبدالرحمن الغلاييني) وغيرهم ممن انتقلوا معنا وممن التقيناهم في (الرياض)...

ووصلنا (الرياض) في أوائل شهر رجب، وبدأنا بمباشرة أعمالنا في مبنى إذاعة(الرياض) في مبناها القديم في شارع الفرزدق... وكان الوضع الإداري فيها على الشكل الآتي: المراقب العام للبرامج كان الأستاذ (خميس سويدان)، ومساعد المراقب العام لشؤون التنفيذ كان الأستاذ (محمد عبدالرحمن الشعلان) عليه رحمة الله ومساعد المراقب العام لشؤون الإنتاج كان الدكتور (عبدالرحمن الشبيلي)، ومدير إدارة الأخبار كان الأستاذ عبدالله هليّل، ومدير إدارة الإستوديوهات كان المهندس (محمد موسى المجددي)، ومدير إدارة الترجمة كان الأستاذ (محمد مصطفى الخواجة)، ومدير إدارة الوكالات كان الأستاذ (صدقة محلاوي)، ومدير القسم الإنجليزي كان الأستاذ (منير شماء)...

وبدأت اجتماعاتنا الدورية المكثفة استعداداً لافتتاح إذاعة (الرياض)... وكانت تلك الاجتماعات تعقد في الغالب برئاسة معالي وزير الإعلام الشيخ (جميل الحجيلان) وكان يحضر بعضها الأستاذ (عباس فائق غزاوي) مدير عام الإذاعة عليه رحمة الله...

وفي اليوم الأول من شهر رمضان من عام ألف وتسع مائة وأربعة وثمانين للهجرة تعاون على افتتاح إذاعة (الرياض) وإعداد وتقديم برامجها وقراءة نشراتها الإخبارية وموادها السياسية الأخرى عدد من الزملاء أذكر منهم بالإضافة إلى كل من (منير شماء) و(منير الأحمد) و(محمد عبدالرحمن الشعلان) و(غالب كامل) والدكتور (عبدالرحمن الشبيلي) والدكتور (محمد كامل خطاب) عليه رحمة الله، والدكتور (عبدالرحم الغلاييني)، والأستاذ (عبدالرحمن منصور الزامل) والأستاذ (فهد يعقوب الهاجري)، والدكتور (علي محمد النجعي) والأستاذ (محمود أبوعبيد) ...

وكان نداء الإذاعة في تلك الأيام أو شعارها هو (الإذاعة العربية السعودية)... وأجزم أنه بعد مدة قصيرة لم تتجاوز أسابيع تم تغيير هذا النداء وبمبادرة شخصية وباجتهاد خاص مني، تبعني في ذلك الزميل الأستاذ (منير الأحمد) عليه رحمة الله... أقول تم تغيير هذا النداء إلى (إذاعة المملكة العربية السعودية من الرياض)... وصدر على أثر ذلك تعميم باعتماد هذا الشعار الجديد وتبنيه دون غيره.

ودخل عام ألف وثلاث مائة وخمسة وثمانين... وبدأت الاستعدادات لإنشاء (التلفزيون) في المملكة وسمّي الأستاذ (عباس فائق غزاوي) مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون... وكنت واحداً من أربعة مذيعين كلفوا بافتتاح (تلفزيون الرياض) أما الثلاثة الباقون فهم الآن جميعا في ذمة الله، وفي ظلال رحمته وغفرانه بإذنه وهم الزملاء (منير الأحمد) و(محمد عبدالرحمن الشعلان) و(محمد كامل خطاب)....

وفي هذه السنة كُلفِّت بالعمل في مشاعر الحج، وسافرت إلى (جدة) للبدء بالقيام بهذه المهمة...

وفي يوم (التروية) اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، كنت في مبنى (وزارة الإعلام) في (منى) وكنت أصلي الفجر إماماً بعدد من زملائي، فدخل الشيخ (محمد عبدالرحمن الشيباني) عليه رحمة الله، وكان قد صلى الفجر خارج المبنى فأنصت إلى قراءتي للقرآن، ثم أنصت إلى دعائي في (القنوت) في الركعة الثانية، وأنا أقلّد في ذلك المذهب الشافعي فسرّ سروراً بالغاً عبّر عنه بعد انقضاء الصلاة وأثنى على قراءتي للقرآن، وأثنى على دعائي في القنوت، وأسمعني أنا وزملائي الذين كانوا يصلون ورائي كلاماً طيباً مشجعاً وقال لنا: إن شاء الله سنقف غداً في (عرفات) وأسأل الله لي ولكم المغفرة والقبول والرضوان... وكان هذا هو اللقاء الثاني الذي جمعني بهذا الرجل الكريم عليه رحمة الله بعد لقائي الأول الذي حدثتكم عنه عند بداية مجيئي إلى (جدة)...

***

مضت سنتان أو ثلاث انتقل بعدها الجهاز الإداري والمالي لوزارة الإعلام بعد أن غادر الأستاذ (حمزة البوقري) الوزارة.. انتقل إلى (الرياض)، وكان على رأس هذا الجهاز كمدير عام له كما أسلفت الشيخ (محمد عبدالرحمن الشيباني)... انتقل إلى مبنى جديد استأجرته الوزارة كان ولا يزال قبالة مبنى محطة (تلفزيون الرياض)، وانتقل كذلك مكتب معالي الوزير الشيخ (الحجيلان) من مبنى (إذاعة الرياض) القديم إلى مبنى الوزارة الجديد...

حدث كذلك أن انتقل الأستاذ (عباس فائق غزاوي) مدير عام الإذاعة والتلفزيون بعمله إلى (وزارة الخارجية)، وأصبحت الإدارة العامة للإذاعة والتلفزيون بلا مدير...

وحدث كذلك أن ترقى الشيخ (الشيباني)، فعيّنه الملك فيصل عليهما رحمات الله (وكيلاً للوزارة) وكان من حسن طالعي أني كنت مذيع النشرة الرئيسية في التلفزيون ذلك اليوم والتي موعدها الساعة التاسعة مساءً، وقرأت بنفسي مرسوم تعيين الشيخ (الشيباني) وكيلاً لوزارة الإعلام... وبالنظر لشغور منصب (مدير عام الإذاعة والتلفزيون) بانتقال صاحبه إلى (وزارة الخارجية) فقد ربطت تلك المديرية العامة بوكيل الوزارة الشيخ (الشيباني)...

كنت في تلك الأيام مذيعاً قارئاً للنشرات الإخبارية في الإذاعة والتلفزيون، معداً ومقدماً لبعض البرامج ومن أهمها برنامج (في ظلال القرآن) لشهيد الإسلام (سيد قطب) عليه رحمات الله، أقوم في بعض الأحيان بتسيير الأعمال في موقع (كبير المذيعين) أو موقع (مدير إدارة الأحاديث والثقافة العامة)....

وحصل آنذاك خلاف بين مراقب عام البرامج (بإذاعة الرياض) الأستاذ (خميس سويدان) وبين (المراقب الديني واللغوي) فضيلة الشيخ (ثاني المنصور) عليه رحمة الله، وتحول ذلك الخلاف إلى صدام حاد... رفعه الشيخ (ثاني) عليه رحمة الله إلى المسؤولين في الوزارة الذين نظروا فيه، ورأوا أن الأستاذ (خميس) قد أخطأ خطأ بالغاً، فأجبروه على أن يطلب بإجازة طويلة... لا أعرف ذلك الخلاف، ولا أعرف تفصيلاته.. ومن كان المخطئ ومن كان غير ذلك؟....

وصار من الضروري البحث عن شخص بديل يخلف الأستاذ (سويدان) في موقعه، ولاسيما أنه يبدو من خلال الشائعات على الأقل بأنه لن يعود إلى عمله!....

اختار الشيخ (الشيباني) في نفسه على ما أظن الشخص الذي ارتأى فيه الإنسان المناسب لشغل هذا الموقع لكنه استشار أبرز العاملين في (إذاعة الرياض) في تلك الأيام من مذيعين ومحررين ومخرجين ومهندسين وإداريين وغيرهم، استشارهم واستطلع آراءهم في الشخص الذي اختاروه لشغل هذا الموقع، ويبدو أنهم أو أغلبهم على الأقل قد وافقه على هذا الاختيار، فأصدره أمره بذلك.. وإذا به يكلفني عليه رحمة الله بالعمل (مشرفاً عاماً على البرامج)!

كان الأمر مفاجئاً لي.. وكان عليّ في حال قبولي له أن أواصل العمل لاستعادة مكانة (إذاعة الرياض).. فقد تحولت مع تراكم الأعطال التي حدثت في استوديوهاتها، وتراكم الإهمال من جميع الاتجاهات، وازدواجية المسؤولية في العمل بين قطاع البرامج وقطاع الهندسة.. تحولت إلى محطة غير منتجة للبرامج بكل أنواعها تقريباً.. تعيد إذاعة جميع البرامج التي تأتيها من إذاعة (جدة)..

وقد تضطر إلى إذاعة الحديث الواحد مرتين أو ثلاث مرات لأن الحديث الذي يليه قد تأخر وصوله من (جدة).. وكان لا يذاع من (الرياض) في تلك الأيام إلا نشرات الأخبار أو ما شابهها!

توجهت إلى مكتب وكيل الوزارة (الشيخ الشيباني) عليه رحمات الله، وقلت له: إنني أقدّر كل التقدير ثقتكم الغالية بي، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون أهلاً لها.. لكنني أرجو منكم أن تسمحوا لي بعدة أيام أراجع فيها أحوال (إذاعة الرياض) وظروفها، والحلول المقترحة لحلها والنهوض بها.. وأرجو كذلك تعليق موافقتي النهائية، على قبول هذا العمل، على النتيجة التي ستبنى على تلك المراجعة موقفكم منها... أجابني: موافق.. وأرجو الله لك التوفيق والسداد.. وأنتظر مراجعتك!

بعد عدة أيام من الاجتماعات المكثفة بأهم رموز (إذاعة الرياض) تلك الأيام والاستماع إلى آرائهم وتمحيص مقترحاتهم، وتجميعها، راجعت وكيل الوزارة (الشيخ الشيباني)، وقلت له بين يديّ مجموعة من الآراء والمقترحات أرجو منك أن تستمع إليها، وتساعدني على حلها، لكي أتمكن من العمل ومن معي، ونحقق ما نرجوه وما نسعى إليه..

فقال لي: قل أسمع.

قلت: تنحصر مشكلات (إذاعة الرياض) في عدد من الأمور الأساسية هي:

أولاً: إن إستوديوهات (إذاعة الرياض) الآن عاطلة عن العمل أو معطلة، ولا بد من إصلاحها وإعادتها للعمل والإنتاج والنشاط.

ثانياً: إن المسؤولين عن الإدارات المختلفة يفتقرون إلى الأدوات والأجهزة اللازمة للعمل كأجهزة الراديو والمسجلات ومكائن الإسطوانات وغيرها.

وبعضهم ليس لديه مكتب يجلس عليه أو يستقبل المراجعين من خلاله، أو يكتب التقارير المطلوبة منه بالاستعانة به، ولا بد من تأمين كل ذلك..

ثالثاً: إن المنتجين لبرامج الإذاعة من العاملين فيها لا يكافئون على أعمالهم مهما كانت كثيرة، ولا يشجعون على ذلك لا من قريب ولا من بعيد، وعندي الخطة التي تمكن من مكافأة الإنسان المجد المتميز منهم..

رابعاً: يوجد خلل في التسلسل الإداري، فالمذيع ومهندس الصوت مثلاً اللذان يعملان في موقع واحد، أحدهما داخل (الإستوديو) والآخر خارجه أمام الأجهزة لا يلتقيان من الناحية الإدارية إلا من خلال معالي (الوزير).. وبعبارة أخرى فالمذيع يتبع (مراقب عام البرامج)، وهذا يتبع (مدير عام الإذاعة)، وهذا يتبع (وكيل الوزارة) الذي هو سعادتكم، وأنتم تتبعون معالي (الوزير)، ومهندس الصوت يتبع (مدير الإستديوهات) وهذا يتبع (المدير العام للشؤون الهندسية) وهذا يتبع (وكيل الوزارة للشؤون الإعلامية) وكان في حينها الشيخ (فهد السديري) متعه الله بالصحة والسعادة، والوكيل هذا يتبع معالي (الوزير).. وبشكل أوضح إذا ما وقع خلاف أو نزاع بين مذيع ومهندس لا يمكن حله إلا بالرجوع إلى معالي (الوزير).. وفي هذا إضاعة للجهد والوقت، فضلاً عن أنه ترتيب غير منطقي..

خامساً: لقد انفضّ الكثير الكثير من المتعاونين مع الإذاعة عنها، وهم جمهور كبير من المشايخ والأدباء وأساتذة الجامعات ورجال الفكر بسبب ضياع المكافآت التي يستحقونها عن البرامج التي يقدمونها. وفي حال عدم ضياعها لا تصرف إلا بعد مرور وقت طويل قد يصل إلى سنة أو أكثر وبعد مراجعات وتدخلات ووساطات....

فأجابني (الشيخ الشيباني):

أما بالنسبة لـ(أولاً) المتعلق بتعطل الإستوديوهات فالتعليمات ستصدر لجميع الجهات المعنية بسرعة إصلاحها وإعادة تأهيلها للعمل والإنتاج.. وكذلك الأمر بالنسبة لـ(ثانياً) المتعلق بتأمين الأجهزة والأدوات والمكاتب التي تحتاجها (إذاعة الرياض). وما عليك إلا أن تحدد المطلوب وسيتم تأمينه على الفور!

وأما بالنسبة لمكافأة الناشطين المميزين من العاملين في الإذاعة حيال البرامج التي ينتجونها فأنا موافق على ذلك بناء على الخطة التي عرضتها عليّ!

وأما الخلل في التسلسل الإداري الذي بيّنته في (رابعاً)... فأنا أعتقد أن جميع الإدارات العاملة في (إذاعة الرياض) سواء كانت برامجية أو هندسية، يجب أن تكون تابعة للمسؤول الأول في (إذاعة الرياض) دون غيره، وسنعمل بإذن الله على حل هذا الموضوع...

وأما النقطة الأخيرة المتعلقة بـ(خامساً) والتي تخص سرعة صرف مكافآت المتعاونين مع الإذاعة فسنسعى إلى حل هذا الموضوع في أقصى سرعة بإذن الله.

ثم التفت إليّ وقال:

حقيقة أشكر لك هذه الدراسة التي وضعت فيها النقاط على الحروف... وعلى كل حال: أملي بالله أن يوفقك ويأخذ بيدك إلى ما فيه الصالح العام.. وعلى فكرة: هل تذكر لقاءنا في مشاعر الحج، يوم (التروية) في (منى) قبل سنوات؟!

قلت: أجل.

قال عليه رحمات الله: أنا منذ ذلك الوقت، ونظري لا يغيب عنك، وأتتبع أخبارك... وأقول في نفسي: أرجو أن يأتي اليوم الذي تكلف فيه بمهمة قيادية في الوزارة تكون أهلاً لها... وقد جاء هذا اليوم والحمد لله.. فتوكل على الله. واستعن بالله ولا تعجز، وأنا معك بكل ما عندي من طاقة وإمكانية!!!

خرجت من مكتب الشيخ الشيباني والتقيت على الفور بالزميل المهندس (محمد موسى المجددي) من مدير الإستديوهات في ذلك الوقت، وتباحثنا في الأمور التي يجب اتخاذها لإعادة إستوديوهات (إذاعة الرياض) إلى الإنتاج والعمل، من صيانة وتأمين قطع الغيار اللازمة، وكان - متعه الله بالصحة - صادقاً في توجهه، مخلصاً في مواقفه وإن هي إلا أسابيع قليلة، عادت بعدها الإستوديوهات إلى العمل والإنتاج...!

وأبلغت زملائي منتجي البرامج بأن جهودهم المتميزة في هذا المجال سيصرف ما يقابلها من مكافأة، وعليهم أن يشدوا الهمة، ويشمروا عن ساعد النشاط والاجتهاد..!!

وكذلك حصرنا احتياجاتنا من الأدوات والأجهزة والمكاتب التي تأمنت على الفور واستلمت من قبل أصحاب العلاقة..!

ودرسنا خطة نحن والإدارة المالية بالوزارة لتبسيط صرف المكافآت البرامجية التي يمكن اختصارها بإشعار خطي مطبوع يتضمن توقيع صاحب البرانامج، وتوقيع مهندس التسجيلات بعد التسجيل وتوقيع مخرج البرنامج أو المشرف عليه، وكل هذه التواقيع تتم مباشرة وفي وقت واحد بعد تسجيل المادة البرامجية على الفور، ويبقى توقيع مدير البرامج أو مدير الإذاعة الذي يتم في نفس اليوم إن لم نقل في نفس الساعة، وتصبح المادة جاهزة لأن تصرف المكافأة المحددة لها، وقد انتُدب موظف من الإدارة المالية ليكون بمثابة (أمين صندوق) يباشر عمله في (إذاعة الرياض) يكون على أتم الاستعداد لصرف مكافآت البرامج المستوفية للشروط أو بعبارة أخرى المستوفين لجميع التواقيع عليها في هذا المجال، وأذكر في هذه المناسبة الأخ العزيز السيد (محمد الأمين الصغير) عليه رحمة الله والذي صار وكيلاً للوزارة فيما بعد، والذي كانت له جهوده الممتازة في سبيل تيسير هذا الأمر وترتيب إجراءاته...!!

أما التسلسل الإداري المطلوب بالنسبة لقطاعي (البرامج) و(الإستديوهات) فقد تمت تسويته خلال فترة قصيرة وصارت جميع الإدارات البرامجية والهندسية وقطاع صرف المكافآت كلها تابعة لي كمشرف على إذاعة الرياض.....

حلت مشاكلنا كلها ولله الحمد، وبقي علينا أن ننطلق للعمل والإنتاج والسبق والتفوق.. وجمعت إخواني الذين لم يكونوا يزيدون على خمسين موظفاً... وقلت لهم: لقد حلت مشاكلنا ولله الحمد، فأروني نشاطكم، وشمروا عن سواعد هممكم واعلموا أن الوزارة معكم، وستكافئ المجدين منكم بالمكافأة المناسبة..

وانطلقنا جميعاً بروح عالية، وهمة قوية، ونشاط متميز، واضعين نصب أعيننا مراقبة الله الحي القيوم، الرقيب العزيز الحكيم لكل أعمالنا وتصرفاتنا، ساعين إلى خدمة الوطن ومجد الأمة، واثقين من أن النصر والنجاح والتفوق سيكون من نصيبنا بإذن الله...