Culture Magazine Thursday  31/12/2009 G Issue 292
مراجعات
الخميس 14 ,محرم 1431   العدد  292
استراحة داخل صومعة الفكر
أنا من خيال
أحلام منصور الحميد القحطاني

 

حسناً يا شاعرتنا أن نكون جزءاً من خيال سابح في فضاءات هذا الكون الفسيح يسبر أغواره وأسراره.. من أن نكون جزءاً من خيال فاقد للحس، ولإرهاصات النفس.. مشاعر اليقظة تستقي من الحياة تجلياتها تنفعل بها وتتفاعل مع تغيراتها دون أن تصطدم بحائط القنوط واليأس خاسرة وحسيرة..

ماذا عن خيالها المبرح..؟ ماذا قالت عنه؟! وكيف باحت بسره؟!

جامل! ولا تقل الحقيقة

من قال إن الصدق في كل الأمور هو الطريق؟!

تساؤل مُرٌ.. تذوقت مرارة طعمه دون أن تستسيغ مذاقه الحنظلاني لا لأنه يفتقر إلى الصدق.. وإنما لأنه يفتقد جانباً من الإحساس بالتجربة المعاشة..

هب لي من السحر الحلال

أنا لا أريد العيش في أرض الوقائع والصدام

إنا من خيال حلم تملكه الجمال

حتى ولو كنت يا شاعرتنا طيراً يحلق في فضاءات الحلم الجميل أو زهرة. أو عقداً من لآلىء نجم أسره ضباب التجاهل.. حتى ولو كنت الأكثر من هذا لا بد من حقيقة إرادة تواجه الآتي بسلاح الحاضر، وبإرادة الحي، القنوط لا مكان له في قاموس الأحياء.

تعرِّف لنا شاعرتنا أحلام الحب بأنه تناهيد، وزفرات شوق مرتعشة.. الحب أكبر وأكثر من هذا. إنه بناء حياة وامتداد أحياء، ومشاركة بناء لعش بشري ينعم بالدف. بالوصل وبالتواصل..

(لا تخف فالحب يبقى أبداً) هذا هو العنوان. وهذا ما كنت أريد محتوى ومضموناً لرسالة الحب..

خذ رسالاتي. وشِعري. والندا

أيها الراحل في ذاك المدى

سوف تبقى في فؤادي عابقاً

لا تخف فالحب يبقى أبدا

خذ سكوني. خذ شجوني. مهجتي

خذ كوني، وترانيمي صدى

ماذا أبقيت للحب من مفردات؟ كنت الوفية.. والثرية بوفائها لمن رحل.. أجل.

وفي خطاب عتب لا يخلو من عذوبة وبعض عذاب تقول:

ويغضب مني.. ويعزف عني..

ويملأ قلبي جمر الغضب.

تلك نبرة عتبها وقد خيّم الحزن الثقيل على حياتها إلى درجة أنها لا تبصر الدرب.. هكذا قالت. ومع هذا تساؤله:

أيا ملهمي.. يا مليك الحنايا

أتغضب مني بدون سبب؟!

أنا لست أملك إلا دموعاً

وقلباً.. يزف إليك العتب..

لا سلاح لدى المرأة أقوى، وأمضى من دموعها وخطاب عتبها.. أمامه تُفتح بوابة السلام والوئام إذا ما كان للطرف الآخر قلب..

هذه المرة لم تكن مجرد دموع تستجدي وتتوسل.. أدركت أنها في معركة لا مكان فيها للضعف.. أخذت من الأمواج غضبتها حين تقتحم المرافئ متحدية كل سدود وحدود.

لن تفهم أن الأنثى

خُلقت مثل الأمواج

أدركت بحس التكوين أنها أنثى.. وبحس معيار الكون أنها لها حق الحياة دون دناءة أو دونية.

لن أسمح لك.. فلقد وصل السيل زباه

وأنا أشفقت على نفسي. بالله كفى!

حتى جرحي جاوزت مداه

لن أسمح لك أن تسرق مني كل بريق

أن أحيا أيامي بحريق..

من حقها أن تصرخ في وجه الصغار والإهانة والإذلال..

إني امرأة.. إني أنثى

وفؤاد خَفِق.. ورقيق

هيا ارحل عني.. وأرحني..

فأنا أملك ألف طريق..

أمام مفترق الطرق لا بد من واحد أسلمه طريق السلامة.. والسلام.. بعيداً عن الضياع..

شاعرتنا أحلام الحميد تملك حساً متمرداً يستعصي على الصمت.. صوتها الشاعري القوي يفتح الأبواب أمامها مشرعة دون خوف.. هما أن لا يكابر من منحته قلبها. وحبها..

كابر لوحدك..

كيف تهدم كل شيء من شموخك باعتذار

فالحياة بدون إحساس المحبين انتحار

كابر.. ودعني في هدوء اتخذ ذاك القرار.

أكثر من قرار فكرت فيه.. أو أقدمت عليه مرغمة لا بطلة في وجه حياة لا تحتمل.. هكذا يبدو من فيض شكواها وبلواها..

هذه المرة جاء صوتها خافتاً لا غضب فيه. ولا قرار غاضب بشأنه:

يا رفيق الدرب قل لي هل تُرى انزاح الضباب؟

فقد اشتقت إليك..

ذبت وجداً لخفايا ناظريك

علّها غيمات صيف ستولي

بعد أن يملأنا ذاك المطر. فنعود

والعود أحمد.. هنا مربط الفرس.. وهنا تتابعت عناوين النجوى التي لا تهديد ولا وعيد معها.. ففي (مرهق أن لا أراك) نفس النغمة المسالمة..

يا لهذا الحب ما أصعبه

يا لهذا الحب ما أعمقه

ولأنها لا تخافه.. كانت لها رسالة يمتزج فيها الحب. بالعتب.

أخاف عليك! وممَّ أخاف؟!

أَمِن رجفات الهوى والشفاف؟!

أَمِن نفحات الحنين إليك؟!

أَمِن فرط حبي، ومن فرط خوفي عليك أخاف؟

تساؤلات كثيرة تحمل علامات استفهام وتعجب تواكب خطابها الشاعري عبر رحلتنا معها إلى درجة أنها تكاد تجن من حبها لحلمها وتجن أكثر من غيرتها عليه.. وخوفها منه وعليه..

القلب دون دفء قالب من ثلج لا يذوب.. لذا كان لها معه. أو معها مناشدة.

دفئي القلب حانيا دفئيه

وظلاما في الحنايا أشعليه

واشتياقاً كامناً في مهجتي

من زمان غابرٍ. فلتوقديه

دعوة للحنو, والحنان.. ولإبقاء شمعة حب تبدد ظلمة الوحشة كما قال كونفوشيوس..

مع أمها كانت العودة (حميمية) مليئة بالذكريات.

مدي يديك لقامتي وخذيني

ضمي إليك مواجعي ضميني

ثم امسحي رأسي. وكفي أدمعي

بين الحنايا. والضلوع دعيني

مدي يديك لقامتي وخذيني

ما زلت طفلاً ظامئاً فأسقيني

أمي رضاكِ عليَّ آخر غايتي

فلتقبلي بري. وفرط حنيني

مقاطع من قصيدتها الجميلة تحمل عبء همومها ومواجعها لأمها كي تساعدها على حملها إضافة إلى ما تحمل من أعباء الكبر التي تواجهها كل أم.

ومَن غير الأم يخفف وقع الحزن لفلذات الكبد. ويجفّف الدموع المسالة على الخدين..؟!

بر شاعرتنا لأمها.. لم يكن على حساب برها لأبيها:

أتيت أبحث عن كفيك يا أبتِ

علِّي بلثمي لها أنسى عذاباتي

أتيت حاملة هماً يطوقني

وذكريات. وبعضاً من جراحاتي

أنت الوفاء إذا دنياي قد غدرت

أنت الملاذ إن شطت مسافاتي

خلف كل مأساة صوت وجيعة. أو فجيعة يملي سطوره.. ويكتب كلماته بدموع ساخنة ملؤها العودة إلى أيام الطفولة يوم أن لم يكن حينها إحساس بتعب الحياة. ونكدها..

يوم ميلاد طفلها عبد الرحمن لم تسَع الدنيا فرحتها كانت مفردات الحب في فمها كلبنات العش الذي أظلها تحت رواقه

يا أول طفل أعشقه

عيني.. وفؤادي سكناه

يا أحلى لحظات حياتي

يا أمتع وقت عشناه

(ماما) من فيك إذا خرجت

أعذب من شعر أهواه

بهذا التعبير الرائع سكن الشعر مشاعرها دون تكلف.. إنها الأم الشاعرة.. وكل أم شاعرة لو أنها نطقت.. وكعبد الرحمن.. جاء منصور.. لا بد له من بطاقة باقة شعرية.

منصور يا ذاك الصغير

يا ذوب عمري. والعبير

يا قطعة من داخلي

يا كل كوني الشاعري

يا نبض عالمي الكبير

أتجاوز مع شاعرتنا الموهوبة بعضاً من محطات الرحلة بسلام. المليئة بالتجارب.. المثقلة بالهموم.. معها والتعب..

أنا ما تعمدت سكب الدموع

ولكنها أرهقت مقلتي

أحاول تجفيفها ما استطعت

لكي لا ترى ما كرهت عليَّ

أنا شاعر الحزن والدمع وال

شوق دون الإحساس ما كنت شيئا

أنا إن رحلت سأحيا. ولكن

تأكد بأني ما كنت حيا

هموم مثقلة بالأحزان تستمدها شاعرتنا صوت الوجدان الموجع حتى لتكاد تشعر أنك مع شاعرة مأساة تراجيدية ولدت بصرخة وعاشت بصرخة دون فرحة.. هكذا يرسم الحس اليقظ صورة الحركة كما هي دون طلاء.. أو تلوين خارج.

ومع زلزالها الأخير الذي انتظرته. بل طالبت به دون خوف.

ذكريات الأمس هيا زلزليني

لا تخافي. إنه نبض حنيني

فغداً ما كان لي ذكرى تناجي

إنه الماضي أسيري ورهيني

ذكريات الأمس ابكيني رجاء

فأنا للحزن قد جئت فليني

وإذا ما رُمت دمعاً فوق خدي

ولهيباً في الحشا يحكي أنيني

كفكفي، واعزفي لحناً لنا

إنني والدمع أصداء السنين

بهذا الخيال الشاعري الخصب والموهوب أخذتنا شاعرتنا المجيدة أحلام الحميد في رحلتها الشيقة مع ديوانها الرائع.. (أنا من خيال) هامساً في أذنها بكلمة حق دون مجاملة.. أنتِ شاعرة ملء السمع والبصر.. في شعرك.. وفي مشاعرك فيض.. اقتدار.. وعذوبة.. وخصوبة خيال غير عادي..

وجعي أن لا أرى مثلك وقد أنصفكِ الواقع كواحدة من أبرز شاعراتنا.. وأعمقهن طرحاً ورسماً للصورة الشعرية الموحية بجلالها وجمالها.. لك التحية..

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338 107 صفحات من القطع المتوسط

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة