الثقافية - القاهرة – عزمي عبد الوهاب:
كان الوسط الثقافي العربي على موعد مع المفاجآت منذ أن أصدر د. يوسف زيدان روايته الثانية (عزازيل)، فقد أثارت الرواية جدلاً كبيراً في الأوساط الثقافية والدينية، إذ رأت فيها الكنيسة المصرية ما يسيء إلى العقيدة المسيحية، ورأت فيها الأوساط الثقافية مروراً عابراً على فن الرواية من باحث عرف باهتمامه الخاص بالتصوف وتحقيق المخطوطات التراثية. لكن الرواية التي حصدت (الجائزة العالمية للرواية العربية) ووضعت (زيدان) في مقدمة الروائيين العرب، جعلت البعض يعيد النظر في روايته الأولى (ظل الأفعى) التي صدرت قبل عامين دون أن تلقى انتباهاً من أحد.
زيدان المولود في العام 1958م حصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية عام 1980م، وحاز على الماجستير والدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، ويعمل حالياً مديراً لمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، وتتركز أعماله المنشورة في موضوع التصوف الفلسفي، والفلسفة الإسلامية، وتاريخ الطب العربي، وفهرسة المخطوطات العربية، ولذا استحق جائزة (مؤسسة عبد الحميد شومان) في مجال العلوم الاجتماعية عام 1996م وجائزة (مؤسسة الكويت للتقدم العلمي) التي نالها مرتين في عام 1994 و2006م، وأخيراً تم تتويج هذه المسيرة بحصوله على جائزة البوكر العربية عن روايته (عزازيل).
تتناول الرواية لحظات التحول في مصر بعد دخول المسيحية إليها، واعتراف الرومان بها ديناً رسمياً، ويدور مسرح الأحداث ما بين صعيد مصر والإسكندرية التي كانت منارة العالم القديم آنذاك، كما تتعرض الرواية لمقتل فيلسوفة وعالمة الإسكندرية (هيباتيان) بعد تحريض رجال الدين الجديد – آنذاك – العامة ضدها، فمزقوا جسدها ومثلوا به في الشوارع، وكان ذلك علامة على انتهاء عصر وبداية آخر.
هنا حوار مع الروائي يوسف زيدان فإلى التفاصيل:
ربط الكثيرون بين روايتك ورواية دان براون (شفرة دافنشي) فكيف ترى الاختلاف بينهما؟
- كنت أتمنى أن تقرأ روايتى كنص أدبي، لكن الجدل الذي أثير حولها جعلني أوجه جزءاً من جهدى للرد على أشياء لا علاقة لها بالرواية، ومنها المقارنة أو الربط الذي أشرت إليه في السؤال، فروايتي عمل فلسفي تاريخي، أعدت من خلالها بناء الشخصيات بعد تفكيكها بما يناسب السياق الروائي ولا يتنافى مع التاريخ. أما (شفرة دافنشي) فقد تناول مؤلفها واقعة مشكوكاً في صحتها، وبنى عليها أحداثاً، وكأنه كان يضع عينه على السينما أثناء كتابة روايته البوليسية، وكان (دان براون) يبحث عن المغامرة، بينما كنت أبحث عن الإنسان في نص فلسلفي لا بوليسي، لذلك اندهشت من هذا الربط بين الروايتين.
لماذا اخترت هذه المنطقة الشائكة في التاريخ المصري لتكون موضوعاً لروايتك (عزازيل)؟
- كان لدي هدف محدد هو تأسيس معرفة عميقة بالذات والتاريخ عن طريق الإبداع، وما سعيت إليه هو التأكيد على ضرورة إعادة بناء المفاهيم التي استقرت في الأذهان بشكل خاطئ، وذلك بمحاربة التعصب، ونفض الغبار عن تاريخنا المنسي، كان هدفي هو الإنسان، فواقعة قتل الفيلسوفة (هيباتيان) على أيدي متطرفين مسيحيين كانت سبباً في إغراقنا في الجهل لقرون طويلة، خوفاً من أن نلقي المصير ذاته. ولدي فهمي الخاص في هذه المسألة، فالصراعات المذهبية لا ترتبط بدين أو مذهب ما بقدر ما ترتبط بأشخاص توهموا أن من حقهم قتل الآخرين.
ولماذا اخترت الفن الروائي ميداناً لتناول هذه الأفكار؟ ولماذا تأخرت كل هذه السنوات لتصدر روايتك الأولى؟
- من حق الكاتب أن يختار الشكل الذي يريده، والرواية فن جذاب وممتع للقارئ، وقد استغرق مني العمل في (عزازيل) أكثر من ثلاثين عاماً. وفي رأيي أن الرواية كفن تحتاج إلى تراكم معرفي هائل، ولذلك أرى أنه على الكاتب ألا يبدأ مسيرته الإبداعية بكتابة الرواية، لأن الموهبة وحدها لا تكفي، فهو يحتاج إلى خبرة معرفية هائلة تؤهله لخوض هذا الفن الصعب والمركب.
وما تفسيرك لهجوم الكنيسة المصرية على الرواية؟
- إنهم يتصورون أن هذا التاريخ ملك لهم، رغم أنه تاريخنا أيضاً كمصريين، ولا يحق لهم أن يعزلوه عن سياقه العام، والرواية قائمة على إدراك هذا الأمر، فالمرحلة القبطية جزء من تاريخ مصر، المشكلة أنها تتكئ على لحظات تاريخية مسكوت عنها، وكان على المعترضين أن ينظروا إلى العمل في إطار قراءة النوع الأدبي، فالغلاف مكتوب عليه رواية، لا بحث تاريخي أو ديني، رغم أن العمل فيه بحث لاهوتي وتاريخ، وفيه إسقاط على همومنا المعاصرة.
الضجة التي أثيرت حول الرواية، ومن ثم فوزها بجائزة (البوكر العربية) حقق لها انتشاراً كبيراً أليس كذلك؟
- غير صحيح، فالرواية احتلت قوائم الكتب الأكثر مبيعاً لفترة طويلة، في الزوايا التي تنشرها الصحف المصرية بهذا الشأن، كما أنني تعاقدت على ترجمتها إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، قبل إثارة الضجيج حولها، وحتى فوزها بجائزة (البوكر العربية).
لجأت إلى حيلة روائية يبدأ منها سرد الحدث حيث أشار الراوي إلى وقوع مخطوطة مكتوبة بالسريانية بين يديه، ينقل لنا فيها ما جرى في ذلك الزمن.. هل هذا ما أحدث لبساً لدى من تلقوا الرواية ومن ثم غضبوا منها؟
- نعم إنها حيلة روائية، لم يستطع هؤلاء استيعابها، فالإيهام هنا كان مقصوداً، بغرض استثارة القارئ وإشراكه في طرح الأسئلة، بدلاً من الارتكاز إلى الإجابات الجاهزة، وهناك حيل روائية أخرى لجأت إليها، مثل الهوامش والمقدمة، وهي موزعة في أكثر من موقع بالنص، حتى يظل القارئ متورطاً في عملية التلقي إلى آخر الرواية.
الغاضبون رفضوا أن يكون الراهب إنساناً كما صورته في الرواية، يريدونه مسلوب الإنسانية. هم ينسون أن زمن الرواية لم تكن فيه الرهبنة بصورتها المستقرة حالياً، وينسى هؤلاء أن وقائع الرواية لا تروي بغرض كتابة حكاية، فالوقائع مجرد مرآة تنعكس عليها شخصيات العمل الفني. وفي النهاية فإن من هاجموا الرواية يعبرون عن آرائهم الشخصية، فهم لا يعرفون أن السياق الروائي يتطلب أن يأتي الكاتب بشخصيات مختلفة لكشف تناقضات هذه الشخصيات، وإبراز وجهة نظرها تجاه شيء ما.
هل ما يحدث حول روايتك يمكن وصفه بالمعركة الأدبية؟
- أنا أتقبل كل الآراء المتعلقة بروايتي، لكن من تحدثوا عن الرواية لم يتطرقوا إلى الفن، ولذلك وجهوا النقاش وجهة واحدة، لقد خرجوا بالرواية من إطارها الأدبي، إلى صورة البحث التاريخي. لقد تناولوا الرواية كأنها كتاب في العقيدة، ولذلك لم أرد على بياناتهم التي صدرت ضد الرواية، فالمعركة تدور إذن في مكان آخر خارج الأدب، ومع ذلك فأنا أؤكد أنني لم آت في روايتي بحقائق خارج التاريخ، لقد قمت ببناء الرواية على أحداث حقيقية جرت في القرون الأولى لدخول المسيحية مصر، ولا يمكن إنكارها.
هل يمكن أن تضع يدك على بعض ما أغضب هؤلاء سواء الكهنة الذين أصدروا بياناتهم أم الشباب الذين عبروا عن غضبهم في منتديات ومواقع الإنترنت؟
- أصابتهم حالة من الفزع مما جاء في الرواية عن الأسقف (كيرلس محمود الدين)، الذي ظهر في العمل عنيفاً، وكانت هذه صورته في الواقع، ويشهد على ذلك التاريخ، لقد أسهم في تدمير الإسكندرية بالتحريض على قتل علماء وشعراء وفلاسفة تلك المدينة، أولئك الذين أسماهم (الموثنيين) وكانوا عقولاً أنارت تاريخ الإنسانية. إنهم يتصورون أن الحقبة التي سبقت الإسلام، وتلت المرحلة الوثنية، تاريخ خاص بهم، لا يريدون أن يقولوا إن الكنيسة عندما استقوت اضطهدت المواطنين غير المسيحيين، وهذا التاريخ من حقي كباحث وأديب أن أكتب عنه، ما دمت لا أسيء إلى الدين.
هل أضافت جائزة البوكر العربية بعداً جديداً للسجال الدائر حولها؟
- انظر إلى الجائزة على أنها شهادة ضد محاولات قراءة الرواية خارج سياقها الأدبي، وسحبها إلى المنطقة العقائدية، وفوزي بالجائزة فيه دعوة إلى قراءة الرواية بشكل مختلف.
في معرض الهجوم عليك أشار البعض إلى أنك سطوت على رواية الروائي الإنجليزي (تشارلز كنجزلي) عن (هيباتيا).. كيف ترى الأمر؟
- (هيباتيا) شخصية حقيقية، لا يمكن التشكيك في ذلك، وبشاعة مقتلها أيضاً حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي فيلسوفة وعالمة رياضيات كبيرة، وطبيعي أن تكون موضوعاً للكثير من الأبحاث والروايات. وقد قرأت رواية (كنجزلي) ووجدت أنه أقل هؤلاء شأناً- أقصد من كتبوا عن (هيباتيا)- لقد كتب عنها كتاباً ساذجاً، لا يمكن الاعتداد به، ثم إنني لا أخصص روايتي للحديث عن (هيباتيا)، برغم أن مقتلها كان علامة على انتهاء عصر من المعرفة قدمته الإسكندرية كوريث للثقافة اليونانية.
لماذا التركيز على واقعة مقتل هيباتيا؟
- لم يكن ذلك اعتداء على شخص، ولكن كما أشرت إنه الإجهاز على عصور العلم والفكر، وقد سبقته وتلته أحداث عنف عديدة، نذكر منها هدم (السرابيوم) الذي تحصن فيه العلماء والفلاسفة لمنع المسيحيين من هدمه، وقد هدموه فعلاً وبداخله العلماء، بأمر مباشر من أسقف الإسكندرية، كان تاريخاً من العنف.
ولماذا اخترت للرواية عنوان (عزازيل) وهو الشيطان في التوراة؟
- الاختيار هنا رمزي، وأقصد به الجزء المظلم من الإنسان، والذي لا يموت مادام الإنسان حياً.