قال (رياض طه) نقيب الصحافة في لبنان (سابقاً): (زائرتي هذا الصباح حمّرت خديها، وخضرت جفنيها، وأثقلت أذنيها، وشحبرت حاجبيها، ووزعت عشر شعرات مشاغبة فوق جبينها، وتعلمت عشر كلمات فرنسية وجاءت تحاور نقيب الصحافة في عقر داره) وهي بالتأكيد تحاوره في هموم الحياة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية. لكنها لا تفقه من ذلك شيئاً وهي قد اعتمدت على شكلها ومظهرها أكثر من اعتمادها على ثقافتها ومعرفتها ومن يتابع الفضائيات التي تعرض يومياً عشرات العارضات والعارضين ممن يطلق عليهم تجاوزاً - فنانين - يرى حقيقة ذلك الأمر جلية واضحة. فأنت لا تجد من الفن إلا عناوينه البراقة الخادعة، حيث يتم الاعتماد على حركات الجسد، وأعمال الماكياج والمكساج وتداخل الصور وخداع النظر بعد أن تم إلغاء حاسة الأذن ليقوم عوضاً عنها عنصر الغريزة والإثارة ولقد ساعدت الوسائل الحديثة من إلكترونيات وغيرها على الجذب البصري من إضاءة وإبهار وصور لمجموعات الفتيان والفتيات في حركات جنونية راقصة أما كلمات هذه الأغاني وألحانها وأداؤها فلا شيء منها يرتقي أو يقارب (الفن).. ذاك في عالم الفضائيات وعرض الأجساد.
أما في فن الشعر، والرواية، والمقالات فلن تجد إلا سيلاً من القصائد والروايات التي اختار لها الناشرون العناوين المثيرة والصور والرسوم الأكثر إثارة، ووضع كلمات على الغلاف الأخير. قد رصت بعناية فائقة حتى تثير الانتباه عندما يريد أن يختار القارئ كتاباً من هذه الكتب، ومن الملاحظ أن معظم دور النشر هذه قد علبت تلك الكلمات أو قامت بترجمتها عن كتب أجنبية متخصصة ليتم تعميمها على تلك الرواية. أو هذا الديوان.. ويستحيل أن تجد ديوان شعر يلتزم الوزن والقافية أو رواية ذات حبكة عالية وتعالج وضعاً اجتماعياً هادفاً.. أن تحظى بالعناية التي حظيت بها سابقاتها. بل إن دور النشر هذه تعتذر عن طباعة أو نشر تلك الدواوين والروايات الجادة الهادفة التي تأخذ بقواعد الفن الأصلية.
وإذا كان جمال الشكل وفساد المضمون قد أصبحا العنصر السائد في مجال الفنون والآداب. فإنهما قد امتدا إلى كل مجالات الحياة. في عالم البناء وفي عالم الأزياء وفي عوالم الصناعات والمعدات والأكل والشرب ومعظم أسباب الحياة فلا تجد إلا البيوت المطرزة بالرسوم الهندسية التي لا قواعد لها ولا تستند إلى تراث أو حضارة وإنما هي من قبيل الفن التجريدي الذي طغى في بدايات القرن العشرين ونتج عن ذلك مدن بأكملها لا طعم لها أو لون وهي مدن بلا روح أو مشاعر. محلات تجارية تطوق الأحياء وتصم السميع وتعمي البصير ويسأل عن مثلها العافية. فلا راحة لساكن في حي فهو لا يستطيع أن يسير على قدميه في شارع بيته أو إلى مسجده إلا وهو على حذر أو وجل من شاحنة أو متهور.
وفي الأزياء وعالم الموضة. حيث يتم إنفاق المليارات من الدولارات على هذا الحدث القادم في جنون لم تشهده البشرية في تاريخها القديم وتكاد تكون محلات الأزياء والموضة أكثر عدداً من المدارس والجامعات والمستشفيات. بل إن شوارع أو مدناً بأكملها تحولت إلى صناعة الموضة، والأمر في مجمله صناعة واهتمام بالشكل وبعد عن حقيقة وأصالة المضمون ولله في خليقته شؤون وشؤون..
الرياض