هنيئاً لدار النشر السعودية الجديدة، أو ربما القديمة، إلا أنني لم أسمع بها من قبل.. ربما بسبب التقصير في المتابعة، أو ضعف الاهتمام، وهي - أي التهنئة - ل(دار القوافل) وهذا هو اسمها.. هنيئاً لها فوزها دفعة واحدة بامتياز نشر الكتب الثلاثة الضخام.. من سلسلة، أو موسوعة: (العرب في أحقاب التاريخ) تأليف السيد (أمين مدني)، وهو - حسب العروف لدى الجميع - والد الأخ الكريم السيد (إياد أمين مدني).
نعود إلى حديث التهنئة الخالصة المخلصة ل (دار القوافل) وإن كنت أعلم يقيناً أن تكلفة صف، وإخراج وطباعة هذه المجلدات الضخام.. لهو - بكل تأكيد - مما يمكنه قصم ظهور عدة دور نشر مجتمعة.. فضلاً عن دار واحدة، ولو كثرت قوافلها!!
والأدهى من ذلك أن هذا النوع من المجلدات على ما هي عليه من ضخامة هي أيضاً ذات موضوعات صعبة على البلع، عصية على الهضم، متمنعة على الفهم.. فهي لذلك، وغيره ليست من النوع الذي (يطلبه المستمعون) سابقاً.. والتالي هي أبعد ما تكون عن (طلب القراء) حالياً.. ودعك من سوء التوزيع، وآفة البيع المستحيل، ولكن هذا كله قياساً على الناحية المادية فحسب!!
أما الناحية المعنوية فهي حقاً موضع إزجاء التهنئة، وغير بعيد أن تفرج بأيسر السبل على المستوى المادي أيضاً.. فتكون التهنئة شاملة، كاملة، قريرة عين!!
أما إتياني بكل هذه المقدمة الطويلة، العريضة.. فليس هو الرغبة في إزجاء التهنئة فحسب.. بل ربما أردت بعض اعتزاز مشروع، أو مباهاة سائغة.. جائزة شرعاً متى سلمت من الصلف، أو الغرور، أو ما إليهما من نحوهما، والعياذ بالله.
أقصد أن أقول - بكل بساطة، وتواضع - إنني على شرف علاقة قديمة، وطيدة بهذه المجلدات الضخام.. فأنا أعرفها، وصاحب علاقة بها عن كثب.
ومن ثم فوجئت.. بل دهشت كثيراً إزاء ما نشرته (المجلة العربية) - مجلة الثقافة العربية حسب شعارها الجديد - عن كل ذلك بأسره.. بل بقضه، وقضيضه حيث نشرت موضوعاً مصوراً، موسعاً عن قيام (دار القوافل) بإصدار (الموسوعة التاريخية) التي لم يفت محرر المجلة إيراد إشارة غير دقيقة.. ونصها الحرفي:
(كما أن المؤلف - يقصد مؤلف الموسوعة.. السيد أمين مدني - لم يحظ بدراسة علمية وثائقية خاصة عنه سوى كتاب (محب التاريخ) تأليف باحثين عربيين معروفين هما الأديب، والشاعر د. شكري فيصل، ود. مصطفى حسين.. حيث تناولا شخصية المؤلف مؤرخاً، ومفكراً، وناقداً.. ثم بينا سيرة الرجل، ومنهجه التاريخي، والعلمي في مؤلفاته آنفة الذكر) أ.هـ.
ولكن من الواضح أن المحرر لم يسبق له الاطلاع على كتاب (محب التاريخ) وإلا لكان أكثر دقة في الإشارة إليه بكونه (دراسة علمية وثائقية، أو أن مؤلفيه قد تناولا شخصية المؤلف مؤرخاً، ومفكراً، وناقداً) ففي ذلك بعض مبالغة، أو سوء تعبير حيث الإشارة إلى اسم الدكتور (شكري فيصل) بكونه أحد المؤلفين لكتاب (محب التاريخ) تعتبر إقحاماً، وإلا فإن دوره فيه لم يكن علمياً، ولا وثائقياً.. بل كان دوره فيه مجرد مقالة موسعة إلى حد ما.. هدفها التعريف بالمؤلف بصفته أديباً فحسب، وليس صاحب موسوعة تاريخية، ولا مفكراًَ، ولا ناقداً.
وكان الدكتور شكري قد كتب موضوعه بعنوان: (أمين مدني.. أديباً) تبعاً لقصة أوردها الصديق الأستاذ (إياد مدني) نجل المؤلف في رسالة خاصة بي شخصياً قال فيها ما نصه:
(كان للوالد - رحمه الله - ندوة في المدينة المنورة.. كانت امتداداً للندوة التي كان يعقدها في القاهرة.. وكان من روادها المرحوم د. شكري فيصل، والمرحوم الأستاذ عبدالعزيز الربيع.. وقد تواضعوا على نشر كتيبات تعرف بأعمال الأدباء من أعضاء الندوة، وتطوع (د. شكري فيصل) للكتابة عن بدايات الوالد الأدبية إلا أن إرادة الله شاءت أن لا ينتهي من عمله إلا بعد وفاة الوالد رحمهم الله جميعاً).
تلك هي إذن حكاية إقحام اسم د. (شكري فيصل) في كتاب (محب التاريخ) لإضفاء هالة على الكتاب.. بل إن الكتاب بأكمله هو مجرد تلبية غير موفقة لرغبة الأستاذ (إياد) قام بها د. (مصطفى حسين)، وهو أحد المتعاقدين للتدريس في بلادنا، وشأنه شأن غيره عندما يجد في المكافآت السخية التي تدفعها مجلاتنا عامل إغراء، وجذب للكتابة في أي موضوع كان، وقد فعل ذلك نفسه، ولا غرابة حيث يقول المثل: (اللهى تفتح اللها)!!.. فبدأ - من هنا بالذات - بكتابة سلسلة من المقالات في مجلة (قافلة الزيت) (بعض أدبائنا) وبالطبع رحبت المجلة كل الترحيب بتلك المقالات لكونها - بخاصة - عن بعض أداء المملكة، وقد كتب الدكتور (مصطفى) أحد مقالاته تلك بعض تعريف ب (الأديب أمين مدني) وهي مجرد مقالة عادية عابرة.
ومن هنا بالتحديد خطرت الفكرة للأخ (إياد مدني) فذلك حيث يقول د. (مصطفى حسين) في مقابلة صحفية معه نشرت بجريدة (المسائية)، يقول بالنص:
(وأذكر أن الأستاذ (إياد مدني) ابن (الأديب) الراحل قد اتصل بي.. وكان بيننا (حديث) وكان بيننا (مشروع).. (مشروع) للاتساع بالكتابةعن الأستاذ (أمين مدني)، ويضيف قائلاً: (وقد كتبت عنه دراسة دفعت بها إلى الأستاذ (إياد مدني) حسب طلبه) وتلك هي تحديداً حكاية ورود اسم د. (مصطفى حسين) في كتاب (محب التاريخ).
والحقيقة أن ما كتبه ليس دراسة بأي مقياس وإنما هي مجرد خواطر، ولت، وعجن لتلبية طلب، وملء فراغ ليس إلا!!
وبذلك تكون إشارة محرر (المجلة العربية) - مجلة الثقافة العربية - إلى كون كتاب (محب التاريخ) دراسة علمية، وثائقية إشارة غير عارف بالكتاب ذاته، ولا بحقائق الأمور على وجهها الصحيح!!
ولكن - رغم ذلك - تبقى الإشارة إلى كون (مؤلف الموسوعة التاريخية لم يحظ بدراسة علمية وثائقية) إشارة صحيحة جداً، ودقيقة مع كل أسف، وإن كانت لشخصي المتواضع دراسة نقدية مطولة عن كتاب (التاريخ العربي ومصادره) نشرت في جريدة (البلاد) بتاريخ 30-12-1391هـ ثم نشرت ضمن كتابي (حصاد الكتب).
ومن ثم كانت هذه الدراسة النقدية سببًا في سعادتي حيث قادتني إلى شرف علاقة صداقة وطيدة مع أستاذنا الكبير - رحمه الله - رغم بعض الفوارق، وفي مقدمتها فارق السن، ولكن أستاذنا تجاوز كل تلك الفوارق، أو المفارقات من حيث عاملني - وفقا لتواضعه، وفضله - معاملة الند للند.
وقد كتبت أيضا عن ذكرياتي معه موضوعاً مطولاً نشر في مجلة (الحرس الوطني).. بل قمت بإعداد ملف كامل عن شرف علاقتي الوطيدة به.
ولست أذكر ما إذ كنت قد أهديت أخي (إياد) نسخة منه.. أم غاب ذلك عني بسبب ظروفي الصحية!!
ويسعدني - بالمناسبة - إهداء (المجلة الثقافية) نسخة منه.
ورحم الله أستاذنا الكبير (أمين مدني).
جدة