* هو أبو عادل، رغم أن هذا (العادل) لم يجئْ بعد، ولعله لن يجيئَ كيلا تتكرر به ومعه معايشة الهم والوهم؛ فقد عاش (مظفَّر) حياة الترف كما الشظف، ونشأ صغيراً في أسرةٍ ثريّة، لكن الدنيا لا تصفو، فتبّدل الحال، وعاش (شاعرنا) حياةَ التنقل، وفي بعضها ألم لم يفقده الأمل، وظل صوتُه جهيراً من (لدن الوتريات) مروراً (ببحار البحارين) و(دفتر المطر) و(المسلخ الدولي) و(رسالة حربية عاشقة) و(الاتهام)، وحتى أصابه الصّمت، وركن إلى العزلة، وصار يعاني أوجاع العمر، ليبقى اسمُه وسماً في جيل السبعينيات الذين أدمنوا صوته وهو يردد بإلقائه المختلف: (القدسُ عروسُ عروبتكم).
* لم يكن (مظفّر عبد المجيد النواب 1934 - عادلاً في كل آرائه؛ وربما أورثته أحوالُ التدني أحكامَ التجني، لكنه بقي صوتاً صادقاً مهما اختلفنا عنه ومعه،
**(فالوطن الآن على مفترق الطرقات
وأقصد كل الوطن العربي
فإما وطن واحد أو وطن أشلاء
لكن مهما كان
لا تحتربوا
فالمرحلة الآن لبذل الجهد مع
المخدوعين
وكشف وجوه الأعداء)
* لم يكن يعني (غزة) لكنه يتحدثُ عنها، وليس (إسلامويّاً) أبداً غير أنه عبّر بما يعبِّرون، وقد جاءت (الحرب السابعة) هذه لتكشف زيف الراقصين على كل الحبال من بهلوانات اللبرلة والعلمنة والأسلمة على حد سواء، أو على طريقة مظفّر: (قتلتنا الردة، قتلنا أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده)
مظفّر صاخب في شعره، هادئً في مشاعره، ويفاجأُ من يلتقيه بشخصه أنه رقيق - رفيق - مجامل، يصلحُ أن يكون شاعر السكينة لا السكّين، بيده وردة يقطفها لا وريد يقطعه.
* بالغ مظفّر في بعض شعره لكنه بلغ في أكثره الحقيقة، وبعد عقود ما زلنا نئنُّ (لبلد يتناهشها الفرس، ويجلس فوق تنفسها غلمان الروم، وتمتلئُ الجينات الصهيونية بالعقد التوارتية).
* أما (الوالي العثماني) فقد أثبت أردوغان - يا أبا عادل - أن (عبد الحميد) الذي خسر عرشه من أجل القدس ما يزال حيّاً.
* يعيش مظفّر سبعينيتّه هانئاً، هادئاً، لم يعد إلى العراق رغم مرور قرابة أربعين عاماً على خروجه منها، فقد كان وظل ضد المحتل، وحقُّه - لو انتصف لنفسه - أن يكون أول العائدين لما أصابه من ضر في العهد السابق.
* أبو عادل في دمشق، وهن عظمه ولم تهن إرادته؛ وقد رجع قريباً من رحلة علاجيّة في ألمانيا، يقفل عليه بيته إلا للأصفياء، يتأمل، ويقرأ ويطالع الوجع العربيّ الممتد، وربما سخر من أمنية راودتْه ذاتَ عزيمة. (هذي مرحلة ليس تطول)
* لقد طالت، ولم تُجْدِ التمائم فأدمّنا الهزائم.
* الموقف اختبار القلة.