حين تمتلئ مخازن الذكريات، وحين تتداخل المواقف والأفكار، ويجد المرء نفسه في حاجة إلى التنفس وإخراج ما تراكم في فؤاده، وما ملأ وجدانه من مشاعر وأحاسيس، بل وذكريات ولقاءات.. لا يملك سبيلاً لذلك إلا أن يمسك بقلمه - الذي هو أداة الأديب والمثقف- ويجلس ليعبر مصوراً كل هذه التي تعتمل في نفسه، وتموج بها مشاعره.. ليخرجها إلى الناس مكتوبة منطوقة، ويشعر آنذاك بشيء من الراحة والهدوء.. لكنه يعود بعد حين لما كان عليه من هذا الإثراء الروحي والفكري.. فيعود مرة ثانية للكتابة.

هذا ما فعله أخي الأستاذ خالد بن حمد المالك.. والذي أرتبط به قلباً، وفكراً، وقلماً.

أهدى صديقي الأستاذ خالد إليَّ ثلاثة من ذخائره الفكرية، والروحية، والعلمية حينما أرسل إليّ إصداراته الثلاثة الجديدة (مشاركات منبرية، ورؤيتي الصحفية، والعواصم الإسلامية).

لقد أيقظ في روحي همة الكتابة التي أجهز بها بعض الإصدارات قريباً.. وأعاد لي ذكريات كتابي (مسيرتي مع الحياة) بكتابه (مشاركات منبرية)، كما أعاد لي ساعات تأليف كتابي (روى تربوية) بكتابه الجميل الممتع (رؤيتي الصحفية).

قضيت عدة أيام بين صفحات مؤلفاته الثلاثة، ومن الجميل الذي يطالعك في الصفحات الأولى بكل منها تلك التقديمات التي سجلها أعلام في حياتنا الاجتماعية، هم:

1 - شيخنا الأستاذ جميل الحجيلان: الذي قدم لكتاب (مشاركات منبرية) الذي لا أعرف شخصاً ملك كماً من التجارب الثرة والمتعددة في كثير من شؤون الحياة مثله، فإن تحدثنا عن العمل الدبلوماسي فهو من ألمع رجالاته .. سفيراً لمملكتنا في عدة بلاد ذات مكانة عالمية وعلاقات بالغة الأهمية ببلادنا.. وأميناً عاماً لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.. ويتذكر كل ذوي العلاقة بما صاحب المدة التي عمل فيها أميناً لذلك المجلس من قدرة على تحقيق الكثير من المنجزات، وما نالته الأمانة العامة للمجلس من احترام وتقدير.

صيقي أبو عماد.. لا ننسى ريادته حتى كان وزيراً للإعلام السعودي، وبذر بذرته الإعلامية التي أثمرت ولا تزال تعطي أطيب الثمار الإعلامية المتنوعة. ويذكر السعوديون جميعاً له بكل إجلال وتقدير قفزات الخدمات الصحية التي انطلقت في عهد أن كان وزيراً للصحة.

2 - وأما الأستاذ كولفيس مقصود الذي قدم للكتاب الثاني (رؤيتي الصحفية) فهو العربي الذي عمل بإخلاص صوتاً، وقلماً، متحدثاً باسم الأمة العربية بوصفه ممثلاً لها في الولايات المتحدة الأمريكية، وأستاذاً جامعياً في جامعة من ألمع الجامعات هناك. إنه إعلامي بارز، نافح عن الحقوق العربية عامة والفلسطينية خاصة، ولا يزال عبر كل الوسائل، وبالذات القنوات التلفزيونية الأمريكية.

3 - وأما الأخ الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري الذي قدم للكتاب الثالث (العواصم الإسلامية) المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، فإن له باعاً طويلاً في مضمار العمل الإسلامي المشترك، أمضى ولا يزال عاملاً نشطاً في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، كان مديراً عاماً مساعداً، ثم أصبح المدير العام خلال عقدين من الزمن.

عرف حال الدول الإسلامية الأعضاء في المنظمة، واجتهد ليحقق رسالة المنظمة مساعداً للدول الأقل تنمية في مجال التربية والتعليم، جهوده تذكر وتشكر..

أردت بالحديث عن هؤلاء الرجال الثلاثة الذين قدم كل واحد منهم لكتاب من هذه الكتب الثلاثة أن أبين أهمية هذه الإصدارات، والتي ما كان لأي واحد من هؤلاء الرجال الأعلام الثلاثة أن يقدم لها ويقرضها.. إلا لأنها إصدارات تستحق التقدير.. كما يستحقه صاحبها.

والعودة إلى الكتاب الأول (مشاركات منبرية) هي عودة إلى إبراز أعظم ما في تاريخ المملكة العربية السعودية منذ قيامها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه.

ويتجلى ذلك كله في الموضوع الأول من هذا الكتاب (منجزات المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز)، وقد أصاب المؤلف عين الحقيقة حين ذكر أنه لا يمكن في مثل هذا الكتاب حصر الأعمال العظيمة التي تحققت في هذا الوطن الغالي خلال أزمنة تولي ملوكه الحكم حتى اليوم.. ولكنه ذكَّرنا بأشياء لا تنسى حقاً.. ففي عهد الملك المؤسس كان اهتمامه الأول بعد توحيد المملكة اهتمامه بالأمن وإقامة العدل بين الناس، وإقامة دولة قوية على عقيدة التوحيد.. فكان حب الوطن والولاء له بعيداً عن قعقعة السيوف وصدى الرصاص.. كما كان تأسيس مجلس الشورى، وإنشاء عدد من المصالح الحكومية، والمجالس، وحرص الملك المؤسس على راحة الحجاج بتوفير الطرق والخدمات الصحية، والماء للجميع من الإنجازات التي يشهد له بها التاريخ. وكما تأسست في عهده مؤسسة النقد العربي السعودي، وكانت باكورة الخير باكتشاف البترول، وبدأت شركات البترول وغيرها في الإنماء.. إنجازات كثيرة لا يمكن حصرها في عهد الملك المؤسس، والتي تابع الملك سعود تحقيقها، وكان من أعظم أعماله اهتماماً هو التعليم، فقد كان افتتاح عدد كبير من المدارس وإنشاء وزارة المعارف.. وجامعة الملك سعود.. بل لقد حول بعض قصوره إلى مدارس (كما ذكر المؤلف)، واهتم كثيراً بالصحة، والزراعة، ومواصلة توطين البادية.

وتستمر الإنجازات في عهد الملك فيصل الذي تميز بالإنجازات الكبيرة، وكانت منها صدور وثيقة سياسة التعليم، ونظام الجامعات، والدراسات العليا. ومما يشهد له أمره بترشيد النفقات، والوصول بالبلاد إلى مستوى الخير، والتوازن في كافة الجوانب.

وبعد الملك فيصل بويع الملك خالد، الذي تميز عهده بالرخاء بعد ارتفاع أسعار البترول، وكان إنشاء العديد من المدارس والجامعات، والتوسع في البعثات التعليمية، والاهتمام الكبير بالصناعة، فكان إنشاء مدينتي الجبيل وينبع أكبر مثال على ذلك.

ويجيء العهد الطويل المبارك للملك فهد بن عبدالعزيز.. الذي تميز بالاهتمام الشخصي بالصحة، والتعليم، وأهم ما يذكر ويحفظه التاريخ للملك فهد بن عبدالعزيز التوسعات غير المسبوقة في الحرمين الشريفين.. والذي رفض لقب صاحب الجلالة واختار (خادم الحرمين الشريفين).. ويبقى تاريخ الملك فهد مزدهراً بمجمع المصحف الشريف في المدينة المنورة.

في عهد الملك فهد كان احتلال العراق للكويت، ويقول المؤلف.. كلنا يتذكر مقولته (ما نام قلبي والكويت تغتصب). وسعى بكل سياسته حتى كان تحرير الكويت، وكان - رحمه الله - أول من وصل إليها من الملوك والرؤساء العرب بعد تحريرها في مؤتمر القمة هناك. وقد أفرد المؤلف لذلك باباً خاصاً في هذا الكتاب (زعامة ملك) تناول فيه بشيء من الحصر بعض إنجازاته الكثيرة - رحمه الله.

وينتقل المؤلف إلى الحديث عما نحن فيه اليوم - في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإنجازاته الكثيرة المتلاحقة بيننا والتي تحكي أعماله قبل أقواله منها.. مركز الحوار الوطني، مشروع الإسكان الشعبي - العديد من الجامعات - مركز الملك عبدالله المالي.. تخفيف عبء الغلاء بالمنح المالية - انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية - واختيارها عضواً مؤسساً في هيئة حقوق الإنسان العالمية.

تاريخ عظيم.. قادة نجباء.. تطور هائل في كل مجال.. الواقع حولنا شاهد.. والتاريخ لا ينسى.

وتناول المؤلف المستفيض في هذا الكتاب موضوعات كلها جديرة بالذكر والتوقف، إذ تحدث عن مستقبل التعليم العالي في المملكة والتحديات التي تواجهه، وطرق الإصلاح المطلوبة لاستمرار نهضته، وتحدث عن الإرهاب وأسبابه، ودوافع هذا الفكر المنحرف.

وفي إحدى محاضراته التي تضمنها الكتاب حديثه عن مدينة عنيزة، ورجالها في الثقافة، والشعر، والفن، والتاريخ، واختار أحد أعلامها (عبدالله العلي الزامل - رحمه الله) الذي ترك تراثاً شاملاً تعتز به عنيزة ورجالاتها كل الاعتزاز.

أما الأمر الذي لا تستطيع مقاومة إغرائه، أو تأجيل معرفة ما فيه هو كتاب (رؤيتي الصحافية). وتأتي جاذبية هذا الكتاب من موضوعاته التي كأنها صورة مكتوبة لأخي الأستاذ خالد.. فهو حديث عن الصحافة العربية في الماضي والحاضر، والمستقبل، وكذلك حديث طيب عن الصحافة اليومية في مملكتنا.

وتحدث بشيء يسر النفس عن الإعلام والتلفاز السعودي، الذي سبق ذات يوم جميع الفضائيات العربية والأجنبية في إذاعة خبر عالمي مهم، ونال ذلك إعجاب الملك فهد - رحمه الله - حين سمعه في لحظته، وهنأ وزير الإعلام على ذلك السبق الجميل.

وليت المؤلف أسعدنا بتفصيل عن هذه الحادثة.

كما تحدث الأستاذ خالد عن حقيقة إعلامية مهمة هي: أنه ينبغي على الإعلام السعودي أن يكون سباقاً في نشر الخبر، وفي وجوده في قلب الحدث.. وأن يقوم بأداء رسالته هذه ضمن الضوابط الأخلاقية، وبما ينسجم مع توجهات الأمة ومعتقداتها الدينية، وقيمها الاجتماعية.

وفي هذا الإصدار الجميل نقل إلينا - بقلمه وحضوره فيها مناسبة تكريم الشيخ عبدالله بن خميس ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة في عام 1422هـ، وما يستحقه هذا العلم من التقدير والإكبار.

وأما عن موضوع العصر، وهو الحوار الوطني، فقد أدلى المؤلف في هذا الكتاب بدلوه المملوء دائماً.. خلال مشاركته في ندوة الإعلام الوطني (الحوار الوطني.. كما أتمناه).. بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في الرابع والعشرين من شوال عام ألف وأربعمئة وستة وعشرين.

وقال بصدق وصراحة ما يجب أن نقوله جميعاً عن الحوار الوطني، قال: (لا بأس أن نختلف في آرائنا، لكن المهم أن يكون مثل هذا التباين نقطة الوصول لما قد يكون مقطوعاً.. فهذا هو الأسلوب الأمثل للحوار الحضاري الذي ينبغي أن نسعى إليه.. وأن يكون الجميع على يقين بأن التباين في وجهات النظر لا يعني الخصومة أو القطيعة).

في مئتين وستين صفحة جاء هذا الزاد الفكري الإعلامي الثقافي، وجاءت هذه الرؤى الصحفية ثاقبة.. ناضجة من أحد أعلام الصحافة السعودية أخي الأستاذ خالد.

والدعوة مني للجميع: اقرأ أخي هذا الكتاب.

وأما الكتاب الثالث (العواصم الإسلامية بين حلب وطشقند)، والذي هو تسجيل لما في هاتين المدينتين الإسلاميتين التاريخيتين من آثار خالدة، إذ جاءت محاضرات أخي الأستاذ خالد وكتاباته عنهما، حضوراً لنا فيهما، بصحة، وصدق، وتصوير ما كتبه بريشة الصحفي الكاتب المصور.

وقد أبان لنا مقدم الكتاب كيف جاء مشروع برنامج (العواصم الثقافية الإسلامية) أحد قرارات المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة الذي عقدته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم (إيسيسكو) في الدوحة في ديسمبر 2001م وما قرره المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة الذي عقد نهاية عام 2004م في الجزائر بأن فكرة عواصم الثقافة الإسلامية ما هو إلا تعزيز للتقارب والتواصل بين الشعوب الإسلامية، وتقوية العلاقات الثقافية فيما بينها، والتعريف بإبداعات الحضارة الإسلامية في شتى حقول الأدب، والفنون، والمعارف، والثقافة بمفهومها الشامل.

الكتاب حافل بالحقائق، مزين بالصور التراثية، مليء بالجديد من المعلومات التاريخية..

رحلة واقعية في إصدار الأستاذ خالد المالك من إصداراته الثلاثة الجديدة.. فحمداً لله على سلامة هذه الرحلات الجميلة، وإلى رحلات جديدة إن شاء الله.

لقد نسيت نفسي وأنا أرصد - كما سبق - حديثي ورد الفعل لقراءتي هذه الثلاثية الأثيرة بشيق موضوعاتها.. وفريد تناولها.. وتعدد الصور الفكرية، والثقافية، والتاريخية، والشخصية فيها.

فأشكر لأخي الأستاذ خالد.. هذا الجهد المتميز الذي أهداه لثقافتنا، وصحافتنا، وقرائنا بهذا الأسلوب الأدبي الذي يسحرك.. كما سحرني الآن بجاذبيته، وجميل صياغته، وحسن إخراجه.

عظيم تقديري لهذا القلم المتدفق بتلقائية وصدق، فجاءت هذه الثلاثية ثلاث جواهر ثقافية لعلم من أعلام الصحافة العربية السعودية.