- اعتدل في جلسته، أصلح من وضع شماغه، مسح نظارته ثم نظر لنا من خلفها وابتسم كل شيء سيكون على مايرام، انطلق في محاضرته، تدفق الكلام من حنجرته طرياً ناعماً لزجاً، طارت الكلمات من بين يديه وهو يبحث عن المعنى والمبنى.
سقط في فخ المعنى، قال من يسكن بجواري عندما يبدأ المعنى ينتهي ليبدأ البحث عن معنى جديد.
المسافات بيننا رغم قربها تبتعد، يشعر بذلك يحاول زخرفة صوته لا يتمكن يغادرنا للبعيد، نوشوش بعضنا، نلعب في جوالاتنا، يغمرنا التثاؤب نتمطى كقطط كسولة، نخشى أن يفضحنا كسلنا نلعب في أقلامنا وجيوبنا نخرج قصاصات أوراقنا العتيقة لنهرب بها منا.
يأتي صوت المحاضر رتيباً: من هنا تكون لدينا قيم بصرية كتابية تزيد من صلة الكاتب بما يكتب فنقرأ على انفراد لتكون المخاطبة بالعين فقط وحين ننظر للشكل الكتابي يتضح لنا أن المعنى مبنى على كتل من التشكيلات البصرية فنجد أننا أمام عملية استدعاء لإبراز القيم التي كانت تخضع لبياض لا يعطي دلالات وهنالك تأكيد وتأطير على دور النسق، وهنالك موال للانفعال في كل حالة تعجب هنا يخلق معه حالة انفعالية، إنها انفعالية النسق.
يغمسك النعاس فتجلس بين هلالين تغني وتتهكم وتستحضر ذكريات قديمة موغلة في القدم، تحاول أن تسلي نفسك بها يعود صوته مزعجاً بلزوجته قاطعاً حبل ذكرياتي كأن لم يغادر من هنا فهل أبكيه أم أحتفي به.
الظل يا سادة أساس القيم ومن منطلقات الضوء والظل دعونا نتفحص صفحة الغلاف لنجد عنوان النص ونص العنوان نحن أمام تداخلات عديدة تنطلق من صورة النص ونص الصورة.
فجأة تذكر صديقنا المحاضر أن لديه عرضا مرئيا، أستأذن في عرضه، فاعتدلنا في جلستنا توقفنا عن وشوشتنا لبعضنا البعض، وعن التثاؤب واللعب بالقلم وبالجوال، لم نجد إلا متابعة الحدث الصورة والفكر الصورة شدنا كل شيء فلم نعد نتكلم، ليته عرض الفيلم منذ البداية لوفر علينا اللعب وأوصل لنا الفكرة، كانت عين الكاميرا اللاقطة، المعبرة، الموحية، المعمقة، الباحثة عن كل التفاصيل، التفاصيل الكثيرة والصغيرة، الصغيرة جداً لقد وصلنا إلى ما هو أرحب، إلى الصورة التي تشدنا إليها وتمنعنا من اللعب مع محتوياتنا، إنه ببساطة زمن الصورة لذلك لم أكد أغادر حتى دسست في يد المحاضر ورقة صغيرة كتبت له فيها:
- شكل بصرك ثم استدر وعيا وغادر
وزع وفكك قلص من الحرف وغادر
ففضاؤك النصي غادرنا وغادر
كنت تسقط في فخاخ الكلمات
كان يعجبك الصياح
هل كان يعجبك انزياح ذواتنا
نحو العلامة والإشارة والدلالة
والفعالية في النسق
هو ذا، بيني وبينك فاصلة وعلامة
وإشارة يختمها نسق
فاقفز بي أو دعني أغادر
نحو المباح من الصور
دون الإشارة والعلامة والدلالة والنسق.
الطائف