قال لي ممثل تهواه السجون ومخافر الشرطة: عندما كنت شاباً، عرفت الكثير من السجون، دخلتها وخرجت منها بسبب عشقي للملاكمة والمصارعة.
قلت: هل سجنت قبل الاكتشاف العلمي الخطير الذي توصل إليه بعض الشعراء الجدد، وهو أن الشعر ليس سوى رسائل شخصية إلى الحبيبات أم بعده؟
قال: لقد سجنت أيام كان السجن مجرد دخول يعقبه خروج. أما اليوم، فمن يدخل السجون يُنسى فيها وينسج العنكبوت خيوطه على جسمه وعقله.
قلت: هذا تطوّر سيكّبد خزائن الدول نفقات طائلة، ولكن من يرغب في خدمة المجتمع وحمايته ينبغي له أن ينفق بسخاء وكرم.
قال: ومنذ سنوات، انطفأت ناري، وتخليت عن المشاكسة، وصرت هادئاً ورصيناً، ولكنّي ظللت أشعر بأنيّ سجين.
قلت: لكلّ تجربة حياتية آثارها الإيجابية والسلبية.
قال: أقرأ الجرائد والمجلات، فأشعر بأنيّ سجين، وسجاني لا رحمة لديه، يعذبني ويحتقرني ويبصق عليّ، ويطالبني بأن أمتدح ما يفعله بي.
قلت: هذا كلام حاقد على الصحافة، فهيّ ليست كأسنان المشط.
قال: أتفرج على ما تقدمه المحطات التلفزيونية، فأشعر بأنّي سجين في زنزانة ملأى بالتافهين الأدعياء الوقحين.
قلت: أنت الغلطان، فالتفرج على البرامج التلفزيونية له آدابه وأصوله التي تقضي أوّلاً بإغلاق العيون.
قال: وحين أنصت للإذاعات، أشعر بأني سجين ملقى في زنزانة عفنة لا يدخلها هواء أو ضوء.
قلت: لم تخلق الآذان إلا للإنصات للقصائد البليغة الركيكة.
قال: وعندما أتحادث مع زوجتي، أشعر بأني سجين سيتدلى بعد دقائق من أعواد المشنقة.
قلت: من الواضح أن زوجتك معجبة بكاظم الساهر.
قال: وحينما أمشي في الشوارع أو آكل في المطاعم أو أجلس في المقاهي، أشعر أيضاً بأني سجين.
قلت: ما تشعر به هو أمر طبيعي لأن السجون الحديثة نوعان، نوع صغير ونوع كبير.
لندن