اختفى فلم نشغل أنفسنا بالبحث عنه وعرفنا أنها ظروفه الصحية ولعله أدرك المآل الذي تنتهي إليه الذاكرة الثقافية المثقوبة فقال مخاطبا الدكتور عبدالله مناع:
يا صاحبي أنتَ مثلي ذو مكابدة
قد أيقظتْ ذكرياتي عنك أوجاعا
لكنني في دروبِ الهمِّ مغتربٌ
وأنت أطولُ مني في الهوى باعا
بعضُ الذين محضناهم مودَتنا
صاروا خصوما لنا لُدَّا وقطاعا
لا يأنفون إذا عاشُوا سماسرةً
وفي المحافل للأعراسِ أتباعا
لا يُحسنون سوى آمين إن نطقوا
مذبذبين يرون الحبَّ أطماعا
فيم الملامةُ والأقدارُ تحكمنا
تطفو القشور ويهوى اللؤلؤ القاعا
اختزل الصورةَ السلبية بمطلعه الإيجابي:
ما ضلّ حرفُك في دربٍ وما ضاعا
بل حل ما بيننا رمزا وإبداعا
خبر شاعرنا الحياة المملوءةَ بالمتضادات؛ فرغدٌ وكمد، وإقبال وإدبار، وليل ونهار، وقوة وضعف؛ فكان فاعلا متفاعلا، ثم حاصرته عوادي الزمن فرضي وصبر.
أصدر ستة دواوين (الروض الملتهب، قلب على الرصيف، عيون تعشق السهر، أسراب الطيور المهاجرة، رباعيات مخضبة، الوطن ولاء وانتماء)، وكتابا في جزءين عن الأستاذ الراحل عبدالعزيز الرفاعي - رحمه الله -، ولديه مشروعات تآليف مخطوطة تنتظر لمسات صاحبها عليها -شفاه الله-، وقد كتب عنه - وفقا للأستاذ محمد باوزير في مجلة الإعلام والاتصال- عدد من كبار النقاد ومنهم: شكري فيصل وبدوي طبانة والعوضي الوكيل ومحمد بن حسين وأبو عبدالرحمن بن عقيل وعبدالفتاح أبو مدين وحسن الهويمل وآخرون، كما كُرِّم في بعض المنتديات، وحصل على عدد من الجوائز، ويعد أحد المراجع المعتمدة في علم العروض رغم بعده التخصصي عنه.
أحمد سالم سعيد باعُطُب (بضم العين والطاء) من مواليد مدينة المكلا بحضرموت قبل خمسة وسبعين عاما (1355هـ) وتخرج في كلية التجارة بجامعة الرياض -كما كانتا تسميان - وعمل معلما في المرحلة الابتدائية وموظفا في الخطوط السعودية ومؤسسة النقد التي تقاعد فيها، وظل على نشاطه المنبري والكتابي حتى قبل ثلاثة أعوام حين أعياه المرض فصار قعيد بيته وحيدا إلا من أولاده وذكرياته، ولم يعد الوسط الثقافي يسأل عنه وهذا دأبه مع من يتوارون عن الواجهة؛ ما يجعله بامتياز وسطا غير وفي.
وقد أشارت (الثقافية) في عددها الماضي - إلى تعثر إنشاء رابطة الأدباء والكتاب -؛ ما يضاعف الحزن بحق المثقفين الذين لا يجدون من يحتفي بهم عندما ينفض السمَّار فلا يجدون من يسأل عنهم، أو يسهر لشؤونهم وشجونهم، منتظرين عطفا يتنزل عليهم من خارج مجتمعهم الأدبي الذي أفنوا حياتهم أرقاما مهمة داخله.
باعطب ليس مثالا منبتّا، فغيره كثيرون، وليس أسوأ من أن يجد المبدع نفسه منعزلا أو مجبرا على إراقة ماء وجهه متسولا من هم في عمر أبنائه أن ينشروا له كي يظل حيا في أذهان الناس، أو سدا لعوز يغنيه عن سؤال الناس.
غاض الوفاء فأفضنا.