تصوغ المرأة اليوم خطابها في المسرح السعودي في وقت تتوالى فيه الدراسات عالمياً وعربياً عن المرأة المسرحية .. فهي في بقاع شتى على أرض الوطن تكتب نصّها .. وتواجه قضاياها وتترجم رؤيتها ليس قولاً فقط، بل أداءً في مسرح خاص بها يكون حضوره من بنات جنسها، يشاركنها ذلك الوعي والاهتمام والترقب.
في إضافة إلى ذلك الحراك النسوي في المسرح السعودي، قدمت مسرحية (بنات Stop)على خشبة مسرح الحويلات التابع للهيئة الملكية في مدينة الجبيل الصناعية، حيث اعتادت الجمعية النسائية الخيرية في مشاريعها العديدة لتنمية الموارد، وعلى مدى أربع سنوات، تقديم عروض مسرحية، تتولاّها بالإعداد والإشراف لجنة ثقافية تسعى حثيثاً لتحقيق تكافل اجتماعي في بيئة تعلو في سمائها أدخنة مصانع تفترش رمال بيضاء وتجاور الخليج. في إطار فكاهي يتعاطى مع مستجدات حضارية وتقنية اختارت كاتبة النص خلود العمير الكوميديا، لتعرض آثار ظواهر اجتماعية اقتحمت البيوت، وخلفت آثاراً غيّرت مسار الحياة في مجتمعنا المحلي. ولأنّ الكوميديا، كما يقول الدكتور رشاد رشدي (تهدف إلى إمتاع وتسلية الجمهور عن طريق تقديمها لمواقف وشخصيات وأفكار بروح الفكاهة)، بغية (المساهمة في المحافظة على توازن وترشيد الإنسان)، فلم تكتف الكاتبة بمشاهد يطغى عليها جو المرح والألفة، بل اختارت عنواناً يشي بموقف من تبعية ملحوظة لأنماط أصبحت مألوفة في مجتمع الفتيات في المدرسة والمنزل والمقهى (coffee shop)، كما جاء في المسرحية. فحياة الناشئة والشابة في اليوم الدراسي تعرض نمطاً استهلاكياً ابتداءً بالزي المدرسي مروراً بوقت الفسحة وانتهاءً بالأحاديث المتداولة. تلك الثقافة الاستهلاكية لا تهدد اقتصاديات الأسرة فحسب، بل باتت ظاهرة تسترعي الانتباه عند الأخذ في الحسبان تلك الإنتاجية العالية في مجتمعات الدول الأخرى. في عرض مشاهد لحياة بنات (الفلة) و(الوناسة) تضمن الكاتبة قضايا اجتماعية محسوسة جسّدها على خشبة المسرح فريق عمل، حرص أفراده من سيدات وفتيات على تقديمه ضمن إطار ديني وسماحة دين حنيف. بدا واضحاً في عرض (بنات (Stop فهماً وادراكاً لآليات العمل المسرحي من انتقاء وتدريب وتوافق بين عناصر أداء مسرحي (هادف) يربط الأصل بالعصر. في اللغة المعاصرة ل(بنات prestige) تظهر رغبة ملحّة عند الفتيات في تأكيد الذات والإصرار على إحراز كيان مهم عبر المتاح الاجتماعي من ارتياد حفلات DJ والأماكن (الكشخة). تتسع دائرة التقليد والتبعية في ظل خواء أسري وانشغال أبوي وعمالة وافدة تحول جميعها أو منفردة البيت إلى نزل يعمق إحساساً بالفراغ، قد تنجرف معه البنات نحو سلوكيات شاذة ومنفرة يتحتم معها التتبع والدراسة من قِبل المتخصصات في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، خاصة عندما تتطور تلك السلوكيات لتهدد الأنوثة والأدوار المنوطة بها.
يكتب النجاح لعرض بنات Stop بتوفيق الله سبحانه وتعالى للمرأة التي وعت بذكاء دورها الثقافي في تلبية احتياجات عديدة للمجتمع للترفيه والانتماء والتعايش مع المستجدات، توّج ذلك العرض المسرحي برعاية أولي الأمر وحضور حرم سمو أمير المنطقة لتبارك جهود فتيات ومنسوبات الجمعية النسائية الخيرية للخدمات الاجتماعية بالجبيل الصناعية واختيار المسرح أسلوباً للخطاب المعاصر.
* عضو مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين
أستاذ مساعد الأدب المسرحي بكلية اللغات والترجمة - جامعة الملك عبد العزيز بجدة
email: em2besm@hotmail.com