أقصد بهذه الثنائيات (أن كل مفهوم جذري ينتج مفهوما ملحقا به مرتبطا بجذره ومختلفا عن قيمته عبر اصطناع دلالة مخصوصة تنتج بدورها نظاما تمييزيا ومنظومة تكوّن)، ومنظومة التكوّن هي مجموعة علاقات وروابط تؤسس مركزا للممارسات الخطابية لإنتاج نمذّجة نسقيّة.
أو كما يوضحها الغذامي (إن القبيلة مفردة من مفردات أخرى تتفق كلها في الخصائص وفي العيوب، والشجرة اللغوية والمصطلحية هنا تشمل: الفئة والطائفة والمذهب والشعب والعرق، ومن كل واحدة يتولد مصطلح مصاحب يشوه الأصل ويحرفه مثل الطائفية والفئوية والمذهبية والشعوبية،وتتبعها القبائلية والعرقية والعصبية والشوفونية القومية والإعراقية) -ص34-
وفي موضع آخر يقترب من طرفي هذه الثنائية فيقول (هناك مفهومان يتحكمان في الإنسان هما الأصل والتمايز) -ص35- كما أنه يصف هذه الثنائيات (بلعبة النسق) باعتبار أن (الأصل كان فكرة فحسب) ثم تفرقت الفكرة إلى (أفكار وهويات وأصوليات جذرية) ص106. كما يعتبرها حيلة ثقافية.
ومن خلال توضيح الغذامي نستطيع تحديد ملامح هذه الثنائية وفق الجدول (رقم 1):
ويعرف الغذامي الأصل الطرف الأول في هذه الثنائية (فالإنسان مجبول على اختراع رصيد ثقافي له بناء على ثنائية النسب والحسب ويسميه الأصل،ويظل يسند ذاكرنه على هذا المفهوم.. لتعزيز هذا البعد الرمزي والتمسك به) أما الطرف الثاني حامل التمايز والتفاضل (ومعه يأتي مفهوم التمايز حيث يجنح الإنسان إلى تصور خصائصه وسماته الطبيعية والثقافية على أنها أفضليات وليست مجرد خصائص فطرية) -ص35-
كما يعرف الأصل بأنه (الموروث السلالي والعرقي الذي ينسب للأسلاف بصفات ومزايا متصلة ومتناسلة) -ص246- وحامل التمايز بأنه (ناسخ للأصل بالإضافة إلى التفاضلية) وهذه الإضافة هي التي (تشوه وتحرّف) الأصل.
والثنائيات الشجرية في خطاب القبائلية هي: القبيلة - القبائلية-العنصر - العنصرية-الطائفة - الطائفية-العرق - العرقية-الجنس - الجنوسية - الطبقة - الطبقية-الشعب - الشعوبية-القوم - القومية.
وتعتمد الثنائيات الشجرة عند الغذامي على قانون الاصطناع الدلالي في إنتاج (التشخيص النسقي) أو مصطلح (القيمة التأويلية) كما ورد عنده، لأن القيمة التأويلية هي التي تٌنتج من الأصل أي ضبط القيمة الثقافية حامل التفاضل والتمايز أي تحول القيمة الثقافية إلى دلالة نسقية وهي التي تصمم التصور العام لأبنية التشخيص النسقي، وبذلك فإن القيمة التأويلية تقوم بذات وظائف قانون الاصطناع الدلالي،التي يعرضها الغذامي من خلال وظيفتي القبيلة والقبائلية (القبيلة قيمة ثقافية واجتماعية مثلها مثل العائلة والمذهب والشعب، ولكن ما هو نسقي وعنصري هو القبائلية مثلها مثل الشعوبية، وهذا أساس مصطلحي يقوم عليه التصور وتنبني عليه الأفكار) -ص 10-.
إذن هو يحدد وظائف هذا القانون من خلال خصائص الأصل وحامل التفاضل، فضبط نوع القيمة وناتج التحول إلى دلالة واستثمار ناتج الدلالة لممارسة التشخيص النسقي هي من وظائف قانون الاصطناع الدلالي (القيمة التأويلية).
ويمكن تبسيط وظائف هذا القانون وفق ما ذكره الغذامي من خلال (الشكل أ):
وهكذا فإن قانون الاصطناع الدلالي - القيمة التأويلية يقوم بأربع وظائف هي ضبط القيمة الثقافية، تحويل القيمة الثقافية إلى دلالة نسقية وصياغة ناتج الدلالة من خلال نظام تمييزي ثم وضع التصور الذهني للتشخيص النسقي، ومن خلال الوظيفة الرابعة (وضع تصور ذهني للتشخيص النسقي) يبدأ قانون الاحتباس الدلالي.
وبذا يصبح قانون الاصطناع الدلالي آلية من آليات قانون الاحتباس الدلالي،وهو ما يعني أن كل ثنائية شجرية بدورها هي ثنائية تداولية وفق امتلاكها قانون الاحتباس الدلالي - التحوّل إلى نظام معاشي. والأمر هنا ليس فيه تداخل بين الوظائف بل المسألة هي روابط علائقية ونظام تراتبي وهذا هو الشأن الطبعي للتشكيلات الخطابية.
ويمكن التفريق بين قانوني الاصطناع الدلالي والاحتباس الدلالي، أن قانون الاصطناع الدلالي مرحلة تهيئة وإعداد القيمة الثقافية العامة لتحويلها إلى دلالة نسقية، بينما قانون الاحتباس الدلالي مرحلة تركيب الدلالة النسقية لتشخيصها عبر نظام معاشي، وبذا فقانون الاصطناع الدلالي يقوم بوظيفة (تحويلية) وقانون الاحتباس الدلالي يقوم بوظيفة (تركيبية)، وهكذا نلاحظ أن هوية التحويل الدلالي تعتمد على المرحلة التي تمثلها والوظيفة التي تتحقق من خلالها.
وأهم علامات هذين القانونين كما يقدمها خطاب الغذامي وهي كما في الجدول (رقم 2):
وقد يرى البعض أن هذه النوعية من الثنائيات تشبه الثنائيات المشتقة أو هي ثنائيات مشتقة التي حللت في ضوئها ثنائيات إبراهيم التركي، والأمر ليس كذلك لسببين: أولهما أن ناتج الثنائية الشجرة يملك دلالة استقلالية خلاف الثنائية المشتقة التي تملك تعدد أشكال لذات القيمة، وثانيهما وهو مترتب على الأول أن ناتج الثنائية الشجرة يملك وفق قانون الاصطناع الدلالي - القيمة التأويلية نظام تمييزي وتشخيص نسقي مستقلين عن جذر الثنائية الأصلية، خلاف الثنائية المشتقة التي تعتمد على تعدد الوسائط،وتعدد الوسائط لا يحمل في ذاته قانون اصطناعي و دلالة ثقافية مستقلتين،بل علاقات تمثيلية بمنحنيات خاصة تقود إلى ارتباطات رمزية ذات وظيفة إحالية للجذر تُكّون في شمولها وحدة عضوية للمفهوم،ويمكن اعتبار العلاقات التمثيلية تشخيص نسقي لاصطناع دلالي صوري.
كما أن الثنائية الشجرية هي نتيجة حالة لحكم مٌحاط بمؤثر وظرف خاصين في حين أن الثنائية الاشتقاقية هي حاصل علاقة تمثيلية لمتضادين دلاليين.
إضافة إلى أن الثنائية الشجرية كما يذهب الغذامي تملك القدرة على تأسيس منظومة نسقية والثنائية الاشتقاقية لا تملك قدرة تأسيس بل قدرة تصنيف.
وعن طريق القيمة التأويلية الإجرائية (قانون الاصطناع الدلالي) يتم تحويل الأفكار - الأصل إلى نظام تمييزي يتطلب تصور لتحقيق التشخيص النسقي (أدوات فرز وتمييز مع ثنائية الولاء والإقصاء) - ص63- ليصبح التشخيص النسقي بدوره (صيغة من صيغ الهويات) -ص63-.
ويصمم الغذامي قاعدة بيانات لهذه الثنائيات، معتمدا على فكرة أن كل الأصول تتساوى في الخصائص،وكل حوامل التفاضل والتمايز الناتجة عن الأصول تتساوى في الخصائص.
فخصائص القبيلة هي ذاتها خصائص الشعب والعرق والطائفة والجنوسة والمذهب والقوم، وخصائص القبائلية هي ذاتها خصائص الشعوبية والطائفية والعرقية والمذهبية والقومية، (إن القبيلة مفردة من مفردات أخرى تتفق كلها في الخصائص وفي العيوب، والشجرة اللغوية والمصطلحية هنا تشمل: الفئة والطائفة والمذهب والشعب والعرق، ومن كل واحدة يتولد مصطلح مصاحب يشوه الأصل ويحرفه مثل الطائفية والفئوية والمذهبية والشعوبية، وتتبعها القبائلية والعرقية والعصبية والشوفونية القومية والاعراقية)-ص34- (القبيلة قيمة ثقافية واجتماعية مثلها مثل العائلة والمذهب والشعب، ولكن ما هو نسقي وعنصري هو القبائلية مثلها مثل الشعوبية، وهذا أساس مصطلحي يقوم عليه التصور وتنبني عليه الأفكار) -ص 10-.
(القبيلة هي بالضرورة التحليلية ليست سوى مرادف دلالي للأصول وستكون القبيلة مثل الشعب ومثل العائلة ومثل الوطن.. كل ذلك مترادفات ينضوي تحت مظلة كل واحدة منها فئة بشرية لها حدود ولها مسمى ولها منظومة افتراضية تقوم على متصور مصاحب للمسمى) ص265.
(وليست القبيلة هي المقابل التام للعنصرية مثلما أن مفهوم الشعب ليس مفهوما عنصريا ولكن الشعوبية عنصرية وكذا هي القبائلية) ص33-
(القبيلة والقبائلية ،ولو قسنا على هذا مصطلحي الشعب والشعوبية أو الطائفة والطائفية والعرق والعرقية، كما العنصر والعنصرية، لتبين لنا الفرق الاصطلاحي فيها كلها بين ماهو حق ثقافي واجتماعي وحقيقة واقعية وبين ماهو نسقية وعنصرية) -ص 10- وهي آلية سهلت بلا شك للقارئ تصميم جدول استقرائي للثنائيات الشجرة وفق تتبعه لقاعدة البيانات تلك،ونستطيع تتبع تلك القاعدة وفق العبارات الآتية.
(القبيلة إيجاب وهي حديث عن النحن، بينما القبائلية سلب وهي إقصاء للغير) - ص 40- (مفهوم انحيازي وعرقي يقوم على الإقصاء والتمييز.. القبيلة قيمة اجتماعية ثقافية -ص25-.
القبيلة طبيعية... أما القبائلية فهي قيمة عنصرية تقوم على كل ما هو غير فطري وغير طبيعي وتتأسس على ما هو نسقي ثقافي -ص43- القبائلية رديف أزلي للهوية العرقية،والقبائلية بوصفها هوية هي أيضا منظومة معنوية تنبني على شروط الاستجابة والتحديات -ص 63-.
(القبيلة..، هي قيمة ثقافية اجتماعية مثلها مثل العائلة والشعب والمذهب، وهذه كلها صيغ بشرية في الانتماء الطبيعي والاقتسام الاجتماعي،.. ولكن إذا ما تحولت المحبة إلى عنصرية تقوم على التمييز مع تصور تفوق العنصر على من سواه لمجرد التسلسل النسبي فهذا ما يحول القبيلة إلى قبائلية،.. أي تحول الطبيعي إلى اصطناعي، وهو اصطناع أسطوري)-ص 64 - والصناعي (بوصفه مخترعا ثقافيا يتضافر مع النسب لتشكيل حزمة نسقية تصنيفية وإقصائية) - ص 19-.
(أما القبائلية فهي... صحوة باتجاه النبش عن الأصول في عودة للأصوليات الجذرية التي كانت في مخزن التاريخ والذاكرة،.. يقدر ما تطرح إغراء بالاستعلاء وإقصاء الغير تحت عنوان:نحن وهم...، التمييز بين القبيلة والقبائلية بين ما هو ثقافي واجتماعي وما هو عنصري وإقصائي) -ص 64-.
(القبيلة نظام معاشي) - ص87 (يأخذ مفهوم القبائلية معناه ويتأسس كمصطلح ذي قيم ثقافية وذهنية محددة حينما يصير أساسا لفهم الظواهر وتفسيرها ويكون قاعدة لتأويل النصوص من جهة، ولتحديد العلاقات الاجتماعية بين الذات والآخر بناء على ثنائية نحن - هم كوصف طبقي وتصنيفي وفرز بين الفئات) -ص 105- (القبيلة كمفهوم وكنظام رمزي وثقافي) -ص 249-
وبناء على قاعدة البيانات تلك نستطيع استخلاص جدول استقرائي لخصائص هذه الثنائية كما في الجدول (رقم 3).
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244
جدة