الحديث عن الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل لا يمكن أن تستوعبه مقالة عابرة كهذه فهو عالم ذو صبر وجلد ومن أبرز الرموز الثقافية والعلمية الذين أنجبتهم هذه البلاد على مر تاريخها، وتعود معرفتي به في أوائل الثمانينات الهجرية، حيث التقينا في حفل أقامه أحد الأصدقاء تكريماً للشيخ الأديب عبدالقدوس الأنصاري رئيس تحرير مجلة المنهل -رحمه الله- خلال زيارته للرياض وأصدر بعد تلك الزيارة عدداً خاصاً بالمنهل أسماه (رحلة الرياض) وكنا نكتب في مجلة المنهل وقد دعاني أبو عبدالرحمن لزيارته في دارته بالملز، وكان ذا خلق كريم وتواضع ونفس مرحة وأفق واسع وكان يمتلئ حيوية وشباباً وحباً للعلم والمعرفة والبحث، كما حبب إلينا قراءة كتب التراث الأدبي وكان مغرماً بجمع الكتب والمخطوطات وكنت أشاهد في بيته مئات الكتب وبعض من هذه الكتب تتكون من عدة مجلدات وكان يقرأ كثيراً، أذكر أنه قال لي إنه يقرأ في بعض الأيام كتاباً كاملاً.. وكنت أتابع برامجه في الإذاعة وكذا الأبحاث والدراسات المنشورة في دوريات علمية أو ثقافية عامة وكذا المقالات المنشورة في الصحف اليومية وكانت له مشاركات في الندوات والمحاضرات في الأندية الأدبية وغيرها.
ولا ريب أن مجمل آثاره الأدبية والعلمية تعد مادة خصبة في مختلف فروع المعرفة لاتساع أفقه وشمول معرفته فهو بحق رجل موسوعي وشيخ من شيوخ الأدب، وقد أبدع في مختلف فنون الأدب وتراه في مقالاته وأبحاثه لديه حصيلة واسعة من التراث وأعلامه وشيوخه إلى جانب حشد كبير من فلاسفة الغرب ومفكريه؛ مما يدل على أن حبه للثقافة والمعرفة لا يتوقف عند حد.. لقد سعدت منذ شهر بإهدائي مجموعة من مؤلفاته فعرفت فيه تعدد المواهب فهو أديب وشاعر وفقيه ومحدث ومفسر ومؤرخ ونسابة وفي الأدب الشعبي، وهناك جوانب كثيرة قد لا يتسع لها هذا الحديث الموجز، فقد تعددت معارفه فهو بحق تفخر به الثقافة السعودية.
ولقد شغف بالظاهرية وإمامها ابن حزم وأبرز تراثه وكتبه كالمحلى وطوق الحمامة.. فهو ظاهرة ثقافية مضيئة في ساحتنا الثقافية وحري بنا أن نقدره ونحتفي بإنتاجه الفكري وقيمته الثقافية ومزجه الجميل بين التراث والمعاصرة وحفاظه على اللغة العربية واهتمامه بلغة الفصاحة والبيان (سلمت براجمه من الأوخاز) إلى جانب استقصائه المعلومة والتوثق منها بدقة.. وأمام هذه القيم الأدبية والعلمية فهو جدير منا بالتكريم والتقدير.. وتحية للثقافية على جهدها الذي يستحق الذكر والشكر في سبيل توثيق حياة أدبائنا وتسجيله ليصبح مرحباً للأجيال القادمة، فالرجال لا يعرفون إلا بمآثرهم، وبارك الله في حياته وجهده وعطائه، ومعذرة في عدم الاسترسال على حد قول الشاعر العربي:
وإني لتطربني الخلال كريمة
طرب الغريب بأوبة وتلاقي
فأبو عبدالرحمن تطربني ثقافته وخصاله ومكارمه وعصاميته، فهو من جيل لم يغرف من بحر، بل نحت طريقه في الصخر وشق طريقه بين ركام الحجر على مدى أكثر من نصف قرن، وأرجو له الصحة والعافية والعمر المديد والعون والتوفيق وبارك الله في جهوده.