عرفتُ أبا عبدالرحمن قبل أربعة عقود بمداخلةٍ منه على محاضرةٍ كنت قد ألقيتها بنادي النصر الرياضي عن اليهود واليهودية، ويبدو أن ذلك كان أول ظهور له أمام جمهور كثيف من الفئات المختلفة، فشدت الحضور بهدوئه وثقته بنفسه، وفصاحة لسانه، وبلاغة عباراته، وبقدرته على الارتجال، ومنطقه وموضوعيته، ودقة ملاحظاته، وسعة معارفه، وترتيب أفكاره، ورغم قسوته إلا انه استحوذ على اعجابي، ولعل هذا ما دعاني للسعي لصداقته، وقد ظفرت بها، وزادتها متانة: زمالتنا بوزارة الشؤون البلدية والقروية، وجمعية الثقافة والفنون والنادي الأدبي بالرياض، وإن في الآونة الأخيرة لم تعد لقاءاتنا كما كانت بسبب تباعد المسافات بين احياء الرياض، وانتقالي إلى رعاية الشباب، واستقالته من رئاسة النادي، وأخيراً تقاعد كلينا، وتبعات التقدم بالعمر من بطء حركةٍ، ومحدودية نشاط إلا ان تواصلي معه لم ينقطع من خلال: كتبه وكتاباته، ومتابعة أخباره.
أبو عبدالرحمن الإنسان معروف عنه: بره بوالديه، وحبه لأخوانه، وحفاوته بأسرته، واصدقائه، وزملائه ومعارفه، وسعيه للخير، ومساعدة من لا يعرفهم إذا طلبوها منه، وببساطته وشعبيته، وتواضعه، وبعده عن المظاهر، وصراحته غير الجارحة، وجرأته، وطيبة قلبه من منطلق التسامح لا السذاجة، ولو انه بزمن الطائي لصار مثله يضرب المثل بكرمه، وفي حديثه عذوبة وطرافة وعمق، ولا يسع مخالطه إلا ان يندهش من حدة ذكائه، وسرعة بديهته واستيعابه، ومن جلده، وشغفه بالعلم والقراءة، وجمع نفائس الكتب من كل صنوف المعرفة.
أما أبو عبدالرحمن العالم والمفكر فهو بالإضافة إلى انه مرجع بالشريعة والفقه، والثقافة الإسلامية، واللغة العربية والتراث، والتاريخ الإسلامي، وإحاطة بعادات وتقاليد الجزيرة، وأدبها الشعبي، وشاعر وراوية ورغم عدم معرفته بلغة اجنبية قد ارتاد الحداثة بالأدب والفكر ففاق بفهمه لها نقداً وتاريخاً، وتعرف على أدق تفصيلاتها واتجاهاتها ومدارسها، ونظرياتها الذين تخصصوا بها، وتحمسوا لها.
وذهب بمعرفته إلى أكثر من ذلك، فيحدثك عن (تينيات) (كانت)، وفلسفة (هيجل)، وابن خلدون، وتأثر (اوجست كونت) وتلميذه (دوركايم) به في العمران البشري، وعن حركة الكون، وأسباب القوة والضعف، والنهوض والتخلف، وفلسفة الجمال عبر التاريخ الحسية والروحية.