حوار- عبدالمحسن الحقيل:
نظراً لانشغال الشيخ وضيق وقته فلم نتمكن سوى من بضع دقائق معه فكان هذا الحوار.
تعودنا على الإشارة إليك في كتبك بـ (أبو عبد الرحمن بن عقيل) وتستبعد اسمك فلم؟
- هو تقليد للعلماء الكبار فحتى الذين لم ينجبوا استخدموا الكنية كأبي العباس بن تيمية وهناك أحاديث عن استحباب الكنية وكتب استبعد اسم والدي لكني وجدته نوعاً من العقوق فكتبته مؤخراً.
لك اهتمام خاص بابن حزم ما مسوغات هذا الاهتمام؟
- محبتي له في محلها لأنه سبق عصره بأجيال وهو يسبح سبحاً ليس لأحد غيره في الحب والتفسير ونظرية المعرفة..
لا أعرف فناً إلا وهو مبحر فيه لكنه وبصدق ليس لديه حل وسط فهو إما أن يكون ساحقاً أو يهبط هبوطاً سيئاً وهو للأمانة - وفق رأيي - يحسن في التأصيل ويخطئ في التطبيق فمثلاً في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} يتعذر الحمل على الحقيقة لأنهم ليسوا كل الناس والذين جمعوا ليسوا كل الناس فلا بد من دليل تصحيح ودليل ترجيح فإن وجد دليل تصحيح ولم يوجد دليل ترجيح مثل كل المعاني تكون صحيحة في حال ما هنا يجب أن نتوقف. فنقول ليس المراد ظاهراً..
اعتدنا حضور أبي عبد الرحمن في المشاهد كلها السياسية والثقافية والاجتماعية لكنك مؤخراً غائب فلم نقرأ لك تعليقاً على كثير من الأحداث.. ما سبب عزوفك؟
- أنا الآن مرتبط بعمل لي ولا أكاد استقر داخل المملكة وخارجها وإذا حضرت فمشاغلي كثيرة.. لا أدري أين أصرف وقتي ولذا فأنا غائب بسبب تلك المشاغل.
لك كتاب عنوانه (خطب الجمعة) لكنه لم يحقق انتشاراً جيداً فما تعليقك؟
- أنا لا أريده أن يحقق انتشاراً لكني أريده للاستفادة منه لأن أكثر الخطباء إما أن يدخلوا في أمور سياسية ليسوا مؤهلين للدخول فيها أو أنهم يطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة وهذا مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هنا فقد ألفت هذا الكتاب ليكون نموذجاً يحتذى به.
لك ديوانا شعر هما (النغم الذي أحببته) و(معادلات على خرائط الأطلس) لكنك توقفت بعدها لِمَ؟
- النغم الذي أحببته ضعيف وإن كان جيداً من حيث هو غزل حقيقي وأما معادلات على خرائط الأطلس فقد ظلم إعلامياً ولم يأخذ حقه مع أنه ديوان مميز لكن الناس تنظر لي ولا تستحضر الشاعر في ولذا لم يأخذ الديوان حقه والآن لدي شعر عمودي وقد أطبعه لاحقاً.
* نشر مؤخراً فن القصة القصيرة جداً هل يعجبك هذا الفن؟
- الفنون كلها ليس بعضها يغني عن بعض لأنها عندما تعالج موضوعاً تسد ثغرة, لكن الرواية أقدر لأن فيها تصويراً للمشاعر والأفكار وفيها إثراء للشخصيات والمشاهد ولذا فهي تصنف فلسفية وتاريخية.. والرواية الآن تتشبث بالجوانب الفنية أكثر.
كنت رئيس النادي الأدبي بالرياض.. فكيف تراه اليوم؟
- أنا الآن منعزل عن الصحافة والأنشطة الأدبية ولذا لا أستطيع أن أقيمها لكن وزارة الإعلام تتلمس مواهب جديدة غير أني أشهد شهادة حق أن نادي جدة الأدبي في عهد عبد الفتاح أبو مدين كان مميزاً وناجحاً جداً وخصوصاً النشاط المطبوع لأنهم طبعوا كتباً جيدة ونشروا الكتب.
كانت لك رؤية غاضبة على الحداثة السعودية.. ألم تتغير رؤيتك؟
- هذه النظرة ستزول إذا وجدت الأسلوب المميز.. وأنت الآن إذا فرزت الأسماء يظهر لك أمل دنقل وصلاح عبد الصبور.. لكنك لا تجد أديباً حداثياً سعودياً فنحن ننجح من حيث التقليد فقط بيد أني وكما أخبرتك لا أستطيع التقييم الآن بسبب انقطاعي.
ما أبرز عاداتك القديمة المتروكة وعاداتك الجديدة؟
- أحرص الآن على الانصراف إلى ما فرطت فيه كالإكثار من قراءة أو أتبع المقرئ فيرسخ في ذهني أشياء وعندما أمارس الرياضة على السير أنصت وأحمل ورقة وقلماً وأدوّن ما يلفت نظري واحتاج البحث فيه فأراجعها وأكتب فيها ما أجده وشيء يجرني إلى كتب التفسير.
*****
هكذا تحث عن مكتبته
الثقافية - عبدالمحسن الحقيل:
علق الشيخ عن مكتبته بأنها مرتبة ترتيباً مبدئياً وبدأ بمجموعة من الكناشات - وهو اصطلاح عند المغاربة - ولكل كناشة موضوع خاص ولكنها لا تتواصل معاً فهناك مثلاً كناشة لابن حزم وأخرى للتفسير.. وهناك مجموعات بشكل مستقل لأن لديه تعليق على حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي وقال:
(أنظر في المبحث الذي أحيل إليه ورقم الصفحة واسم الكتاب ومؤلفه ليسهل علي الرجوع للمادة التي أريد).
وهناك بحوث ومجموعات على الأرض قال عنها:
أرتبها وما ينجز أصفه على الطاولة لكي أبدأ بالعمل فيه على مهل لأني أستغل 3 ساعات في اليوم للكتابة والتأليف وأترك جزءاً من الوقت للترتيب.. والكتب التي سبق وتصفحتها وفيها معان معينة أجعلها قريبة مني.. وآخذ الكتاب فإن كان تلخيصه سهلاً أضعه في كناشة.. وإن كان صعباً أضع رقم الصفحة وأبدأ بالتسلسل فأرتبهم حسب الوفيات وآخذ رأي الأول كاملا ثم أنظر من بعدي فإن وافقه اكتفيت بالإحالة وكتبت وتابعه فلان وإن كان لديه زيادة أو معارضة أثبتها..) بعد ذلك بدأنا باستعراض أجزاء من كتبة الشيخ وبدأنا بالفنون الصغرى وكل ما وصل للشيخ من كتاب أو بحث عنها جمعه معها في مكان محدد ثم التجويد وبعده كتب الحديث.
وللشيخ طريقة في التعامل مع الصحف والمجلات فهو يجعلها على ثلاثة أقسام:
1 - إن كان يهم الشيخ سجله في كناشة البحث الخاص به وأشار لاسم صاحب المقال - البحث وللعدد وقد أستغلها في مجلة الدرعية.
2 - أشياء لا تصلح لي ولا لمجلة الدرعية فهو يمزقها ويجمعها ليضيفها لجنسها.
3 - قسم يجلده ويحتفظ به مثل مجلات المجمعات اللغوية والدوريات ويكون لهذا القسم موضع خاص في المكتبة.
ثم انتقل بنا إلى نوع من الدوسيات - كما سماها - وهي قسم التاريخ وتبدأ بما يتعلق بالمغرب العربي ثم الأندلس فالدول الأجنبية وبعده قسم المتفرقات العامة وهي على نوعين:
1 - إما أن يكون الكتاب نفسه في المتفرقات - أدبية أو تاريخية أو علمية (مثل نهاية الأرب).
2 - كتب عند تجليدها لم يجد لها ما يشاكلها كمؤلفات غادة السمان فإنه يجمع كل ما لها ويجلدها في مجلد واحد ومن هذا النوع كتب يريد الشيخ جمعها مع بعض لكن مواضعيها متفرقة فيجلدها ويضعها مع المتفرقات العامة ثم يرقمها ويفهرسها.
بعد ذلك قسم الفلسفة ويبدأ بالفلسفة القديمة ثم الإسلامية بمراعاة الأقدم ثم فلسفة تجمع بين القديم والحديث ثم الفلسفة الحديثة ثم النقد فالمثاليون ثم المعاصرون وعرض مثالاً بقسم خاص بالأخلاق وآخر بالمنطق وبعده قسم خاص بالأدب قديمه وحديثه يقول الشيخ: (وله النصيب الأوفر من المكتبة).
يلي هذا القسم طاولة عليها خرائط قام الشيخ بحفظها ووضع إطار لكل واحدة منها لأنه يحتاجها لتقرب التصور لدي.
قسم آخر يضم أبحاث الشيخ ومقالاته من عام 1400هـ وعلق بقوله: (أما ما قبل ذلك فقد فرطت فيه إلا ما نشر في كتاب).
بعد هذا وصلنا لقسم العلوم العامة والأحياء وعلم النفس ثم الخلق ونشأته ثم علم الاجتماع.
ووصلنا إلى قسم المخطوطات ويقول: (منها ما أعطيته الجامعة الإسلامية وجامعة الملك سعود وجامعة الإمام ومركز فيصل ومكتبة الملك فهد وعندما تصعب علي إعادتها لمكانها أضع الكتاب مقابل دواليبه).
ولدى الشيخ سير كهربائي يمارس عليه الرياضة ويبدأ بسرعة 20 حتى يصل إلى 30 ويبقى بين ساعة وساعة وربع الساعة يمارس الرياضة وهو يستمع إلى القرآن الكريم بصوت عبدالباسط ثم الطبلاوي، ثم استعرض الشيخ بعض أوراقه.
وقال الشيخ: (هناك أشياء فقدتها مثل إجازات مشايخي ومراسلاتي مع الشيخ ابن بسام وبعض مكاتباتي مع طلبة العلم وبالنسبة للمكاتبات فقد نظمت نفسي منذ وقت قصير.
وأشار إلى فسوح وقال: (هذه فسوح كتب وهنا خطابات ومراسلات تبدأ بأهلي وأولادي وهنا أشياء تخصني من رخص رسمية وملف صحي منذ 18 سنة تقريباً وأنا أحفظ التحليلات وهناك ملف المراسلات المؤهلات العلمية ثم أشار بيده لقسم آخر وقال: (هذه لها طابع سري).
بعده قسم التسجيلات الصوتية ويبدأ بعبدالباسط فيه قسم خاص بتلاوة الحفلات وعلق الشيخ بقوله: (وفيه تجاوزات كصراخ الحاضرين والضجيج ثم إن المقرئ يتفاعل فيطيل المدود مثلاً).
والقسم الآخر للتلاوة الشرعية. ثم الحصري فالطبلاوي وأبو العينين والمنشاوي..
ويعلق الشيخ بأن أجملهم في الأداء الشرعي عبدالباسط وبعدهم بن حميد فالحذيفي والمقيطيب..
ووصلنا لقسم كان للأغاني استبدلها الشيخ بتلاوات قرآنية ثم تسجيلات الأحاديث الأدبية وبعدها قسم خاص بتسجيلات الشيخ في الإذاعة ثم قسم لشعر عامي نادر.
بعدها قسم للتلاوات المكررة يحملها معه في السفر دائماً وقسم بعده للمحاضرات وكلام العلماء ويشمل أشرطة لسلمان العودة والدوسري.
بعد ذلك أطلعني على عدد من مراسلاته وأوراقه الخاصة وقال الشيخ: (بعض الأشياء عملت برأي الشيخ بن باز - يرحمه الله - فحذفتها).
وذكر أن الشيخ بن باز - يرحمه الله - أذن له بدرس في جامع سلطانة والتزم أبوعبدالرحمن فأرسل له سماحة الشيخ بن باز -يرحمه الله- شكراً لالتزامه.
أطلعني على خطاب تعيينه في المجمع اللغوي وكان وراء ذلك الشيخ حمد الجاسر وعلق بقوله: (لكني لم أحضر ولا مرة وملوا هم فصاروا لا يدعونني لأني لم أحضر ولا مرة منذ عام 88 ميلادي إلى 2007م.. وجلب خطاباً وتذكر الشيخ حمد الجاسر فقال: (عققته جداً ثم بذلت الغالي والنفيس ليرضى فأرسل لي هذا الخطاب يعذرني جزاه الله خيراً.
وقال الشيخ: (بسبب تنقلاتي تبعثرت كثير لكني لا أعطل العمل فأنا أرتب وأعمل في نفس الوقت).
***
سيرة ذاتية
محمد بن عمر بن عبد الرحمن العقيل عالم موسوعي سلفي ظاهري وأديب سعودي المعروف بأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري.
من مواليد مدينة شقراء في إقليم الوشم بمنطقة نجد من المملكة العربية السعودية عام 1357هـ. تلقى تعليمه الابتدائي بها، وحصل بعدها على شهادة الثانوية العامة من معهد شقراء العلمي. درس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرج من كلية الشريعة. واصل تعليمه العالي في المعهد العالي للقضاء في مدينة الرياض حيث نال درجة الماجستير في علم التفسير.
يتسمى بالظاهري لانتسابه ل(المدرسة الظاهرية) التي يتمسك أتباعها بالكتاب والسنة وينبذون الرأي كله من قياس واستحسان، وخلافا لما يقول البعض فهم يثبتون العقل في تمييز معاني النصوص، ولكن المشكل والبلاء كله يلخصه الامام ابن حزم بقوله: والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد، اختلاط الأسماء، ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال. فأهل الظاهر هم أهل الحديث والأثر وأهل الاتباع للكتاب والسنة.
تميز الشيخ أبو عبد الرحمن بضربه بأسهم في شتى العلوم الإسلامية وما يتصل بها من قريب أو بعيد؛ فهو عالم بكتاب الله وتفسيره وعالم بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بصحيحه وضعيفه وفقيه مبرز وأصولي مُتقن وأديب يأسر بعباراته ومتقن لعلم الكلام والفلسفة، ونظرة سريعة على عناوين كتبه تبين هذه الحقيقة.
اشتهر الشيخ ابن عقيل باهتمامه بكتب الإمام ابن حزم (علي بن حزم الأندلسي) تحقيقا وترجمة لابن حزم نفسه رحمه الله.
عمل في إمارة المنطقة الشرقية بالدمام، ثم في ديوان الموظفين العام (ديوان الخدمة المدنية حالياً)، ثم مديراً للخدمات في الرئاسة العامة لتعليم البنات، ثم مستشاراً شرعياً في وزارة الشؤون البلدية والقروية، ثم مديراً للإدارة القانونية بالوزارة ذاتها، كما عمل رئيساً للنادي الأدبي في الرياض، ورأس تحرير مجلة التوباد ولا يزال؛ ورأس تحرير مجلة الدرعية التي يملك امتيازها، وهو عضو مراسل في مجمع اللغة العربية في القاهرة.
تتلمذ على مجموعة من العلماء، من أشهرهم:
الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - .
الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله.
بعض مؤلفاته:
- من أحكام الديانة.
- تخريج بعض المسائل على مذهب الأصحاب.
- شيء من التباريح.
- تباريح التباريح.
- تخريج حديث (لا صلاة للفذ خلف الصف).
-تحقيق بعض المشكل من حديث (الصيام جُنة).
- كيف يموت العشاق.
- نظرية المعرفة.
- المرأة وذئاب تخنق ولا تأكل.
- الإمتاع بنَسْقِ الذخائر عن بَشْقِ المسافر وأي أيام الأسبوع هو الآخِر؟
- يا ساهر البرق لأبي علاء المعري (تحليل وتفسير).
- عبقرية ابن حزم.
- ابن حزم خلال ألف عام.
وغيرها كثير جدا.