لا أدعي أنني الأكثر حميمية وقرباً من الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل، ولكني أشهد أنني أعجبت به منذ أن دخل علي في مكتبي في مجلة اليمامة تسبقه ابتسامته المميزة تدفعه خطواته المتحفزة وذلك في التسعينات الهجرية ومن يومها اختلطت بيننا الصداقة والزمالة إلى هذا اليوم، ومنذ بزغ نجمه في الوسط الصحفي والأدبي والثقافي حيث سكن عقول وقلوب القراء الذين اندهشوا لسعة علمه وغزارة إنتاجه وجرأة أفكاره وطروحاته وعذوبة أحاديثه وسلامة نقده الموضوعي وحواره الذكي مع أبرز الكتاب والمفكرين وأصحاب الرأي ليس في المملكة فحسب ولكن على امتداد الوطن العربي ويزداد علواً وتألقاً.
والواقع أن الشيخ أبا عبدالرحمن كان وما يزال متعدد الاهتمامات والمعارف والثقافات والإبداعات فقد كتب في التاريخ والاجتماع والأدب والتراث وعلم التفسير وكتب بإنصاف عن كثير من الأئمة والعلماء والفقهاء وركز كثيراً على الإمام ابن حزم الظاهري وتأثر بأفكاره وفقهه ومذهبه ونتاجه العلمي والأدبي حتى أنه سمى نفسه بالظاهري فترة من الزمن من شدة حبه وتعلقه بابن حزم وللناس فيما يعشقون مذاهب.
وأبو عبدالرحمن شاعر فصيح وله نتاج شعري ومعظم قصائده قريبة من شعر العلماء والفقهاء وهي تدل على اهتمامه وحبه للعبارة اللغوية والبليغة، كما أن أبا عبدالرحمن شخصية بارزة ومحبوبة وعصرية يحب التواصل والمطارحات وإثارة المعارك الأدبية والفكرية والمناقشات الساخنة مع الحداثيين وخصوصاً الشعراء منهم حتى كان دائماً يستفز شعراء التفعيلة ويسمى شعرهم (ببعر الكبش) ولكنه مع كل ذلك ظل صديقاً لهم وقريباً من قلوبهم.
وأبو عبدالرحمن خفيف الدم والروح وحلو الكلام ويحب الحياة ويجمع حوله الأصدقاء ويفرق عليهم من احترامه ومودته وكرمه وقد قربه ذلك من المسؤولين الكبار لمميزاته الأدبية والفكرية وأنسوا لحوره وابتهجوا بصحبته ومجالسته وهكذا أصبح صديقاً للجميع سواء أكانوا شيوخاً أم شباباً وما عليك لتتأكد من ذلك إلا حضور أحديته لترى هذا التنوع في الحضور.
لقد كتب أبو عبدالرحمن في الموضوعات والعلوم الجادة الراقية، ولكنه لم يهمل الجوانب الأخرى التي تشيع الحب والمسرة فكتب عن نبض الشارع وما يهم الناس في حياتهم اليومية دون تردد أو غضاضة ولم يكن يلتفت لغمزات الغامزين. فقد كان قلبه ينبض بحب الناس جميعهم، ويمكن القول أن أبا عبدالرحمن في شبابه وكهولته إنساناً بكل معنى الكلمة.
وكان أبو عبدالرحمن دائماً محبوباً من الأدباء وله منزلة عالية لدى الصحفيين ورؤساء التحرير والكتاب والقراء والمثقفين، فلا أذكر أن أحداً غير أبي عبدالرحمن كان يستحثه رؤساء التحرير من المقدرين للكلمة على الإسراع في إرسال إنتاجه لنشره في صحفهم؛ لأن القراء كانوا يحبون قراءة كل ما يكتبه أبو عبدالرحمن في أي موضوع، حيث إن كتاباته فيها الكثير من المداخلات واللمحات التي تعجب وتطرب، فنراه يقول: قال أبو عبدالرحمن، وهذه ثقة بالرأي والعلم نادراً ما نجدها عند كثير من الكتاب والنقاد فهو الذي ابتدعها ولا تناسب غيره!! ولا شك في أن أبا عبدالرحمن كان مكتبة كاملة أو موسوعة شاملة تستحق القراءة.
ولست أجانب الحقيقة إذا قلت: إن أبا عبدالرحمن كان وما يزال كاتباً موسوعياً في كل علم وفن فهو عالم، ولغوي، وأديب، وشاعر، وباحث، ومثقف، وأسلوبه جميل، وذائقته الأدبية والشعرية رائقة وعالية إلى أقصى حد.
وهو مؤدب في نقده وإبداء آرائه وهو يزعجه أن يخطئ الآخرون في اللغة أو التعبير ونراه يلمح، ولا يصرح حيث يقول مثلا: هذا لا يستقيم على لسانه بيت من الشعر.
هكذا أرى أبا عبدالرحمن وهكذا عرفته في علمه وثقافته وتمكنه من التراث وجرأته في طرح رأيه وفكره سواء عندما كنت رئيساً لتحرير مجلة اليمامة، وقد عمل معي في المجلة أو عندما كنت أعمل في عملي الثقافي الأخير وعمل وفريق عمل معه على تأسيس الشئون الثقافية بالجمعية ثم عملنا سوية على إعادة النادي الأدبي بالرياض إلى الحياة العامة من جديد ولمدة ثلاث سنوات.
وأذكر أنه بعد أن صدرت مجلة التوباد عن جمعية الثقافة والفنون فكرت في أصلح من يكون رئيساً لتحريرها فلم أجد سوى أبي عبدالرحمن وعندما ذهبت إلى سمو الأمير فيصل بن فهد- رحمه الله- طالباً من سموه أن يختار رئيساً لتحرير التوباد قال لي: من تقترح من الأدباء والمثقفين لذلك؟ قلت لسموه: لا أرى أحداً إلا أبا عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، فابتسم -رحمه الله- وقال: لقد وقعت على الرجل المناسب، فعلى بركة الله... وهكذا كان وكان أبو عبدالرحمن بالفعل خير من قاد مسيرة التوباد وأثراها بما كان يكتبه، وبما كان يختار لها من الموضوعات الدسمة والكتاب البارزين.
وهنا أشكر أبا بشار خالد المالك والدكتور الأديب إبراهيم التركي على هذا العدد الخاص من الجزيرة الثقافية الذي يصدر عن شيخنا الفاضل المبدع أبي عبدالرحمن الذي يستحق هذا الاهتمام والتكريم.