تكون الكتابة عن عبدالعزيز المقالح طقسا بهيا شهيا أو لا تكون.
من قرأ له ولم يحترم جهوده المعرفية ويثمن إنجازاته الإبداعية فالمؤكد أنه لا يحسن القراءة. ومن عرفه شخصيا ولم يحبه إنسانا طيبا مرهفا حميما جذاب القول والفعل فلن يحب جميلا ونبيلا في الحياة. قبل سنتين زرت اليمن للمرة الأولى. كان لا بد من مقابلة هذا المثقف الرمز وإن قصر الوقت وطالت الطريق. حينما تعرفت إليه في مناسبات متنوعة لم يكن في نيتي الذهاب بعيدا في العلاقات معه. فهو ينتمي لجيل الأساتذة الذين شكلت كتاباتهم وعينا وذائقتنا الأدبية ونحن في المرحلة الجامعية بداية السبعينات. لكن تجارب الحياة ومصادر المعرفة ورؤية العالم لدى الجيل الذي انتمي إليه تختلف كثيرا عن جيل الستينات الذي يعد المقالح من أصواته المتميزة البارزة محليا وجهويا وعربيا. كنت أتوقع أن تكون المسافة كبيرة فيما بيننا، وإن ظلت مسافة احترام متبادل. ومصدر هذا التوقع أمران. الأول منهما أن ذلك الجيل تشبع بخطابات إيديولوجية لم يعد لها بريق يذكر اليوم، هذا إن لم تكن قد تهاوت كسقوف ثقيلة على رؤوس الجميع. والأمر الثاني أن الانكسارات التي عاناها جيل (الطموحات الكبرى والخيبات الأكبر) ذاك عادة ما تولد لدى أفراده نوعا من التعالي المحبط الذي قد يتحول، في أي لحظة، إلى يأس من كل شيء وتوجس من كل أحد. لكن هذا التوقع سريعا ما تغير.. ولحسن الحظ. فالشخص الذي أمامك لا يحسن شيئا من علاقات التكلف. يتعامل معك وكأنه يعرفك ويحبك منذ أزمنة الطفولة. أحيانا يفاجؤك بتصرفات عفوية تشعرك بأنه مشغول بك وحدك: يحمل لك متكأ ليضمن راحتك، يصب لك الشاي أو الماء كأنه يشعر بعطشك، يقدم لك منديلا حتى لا يتسلل العرق إلى وجهك أو راحتيك، يترك لك فرصة واسعة للحديث فيما هو ينصت بيقظة دالة على اهتمام بكل ما تقول. وحين تستأذن للخروج من المجلس لا يلح كثيرا بقدر ما يصر على أن يرافقك ويودعك كما لو كنت ضيفه الوحيد المعتبر!. حينما تراجع المشهد وتتأمل تفاصيله تاليا ستدرك على الفور أن هذه الشخصية الحميمة الجذابة مركب غني العناصر متناغم العلاقات. شخصية تتجاور فيها وتتحاور بساطة الفلاح وتواضع الأستاذ ونبل الشاعر وصرامة المثقف ورقة العاشق وشفافية الصوفي. وليس في القول مبالغة إذ يمكن أن تجتمع الكثرة في واحد ! لا، ليس عبد العزيز المقالح ممن يقرأون فقط. ترحلوا إليه وتعرفوا عليه وستدركون أن كتاباته الغزيرة المتصلة عنه وعنكم لا تترجم إلا جزءا يسيرا من ذاته العميقة وطاقاته المشعة. أما حين تشعرون أنكم لم تعرفوه بما يكفي وكما ينبغي فلا داعي لليأس. اقرأوه مجددا. زوروه ثانية .. لعل وعسى.
لقد قلت في البدء تكون الكتابة عن عبدالعزيز المقالح طقسا بهيا شهيا أولا تكون..ويطيب لي الآن يا صديقي أن أختمها بنص له نكهة الشعر:
حينا تراه بسيطا
كأنشودة في حقول القرى
وحينا تراه غنيا غريبا عجيبا
كإلياذة هوميروس
أو كحكاية سيف بن ذي يزن
حينا تجده شجيا تقيا
.......
وحينا تجده قويا نبيلا كلامية الشنفرى
حينا يكون وديعا صموتا وحيدا
كعاشقة مرهفة خائفة
وحينا يكون شقيا كريما طروبا ماكرا ساخرا
كعمرو بن بحر
جسد ناحل صاغه الله كما شاء
وروح تناوب في صقلها الشعر والفكر
هكذا جاء
رسول وادي بنا إلى حليفه غيمان
يحمل رسالة الحب ذاتها !.