(1)
** قراءة المقالح تحتاجُ إلى اقتدار؛ فهو من المبدعين الذين يتجاوزون النمط فيصلون بين الخيوط والخطوط، ويفرقون بين الجامد والمشتق، وتحسبه قريباً فإذا هو ناء، ثم ينأى فتكاد تجاوره وتحاوره.
** هكذا هو الإبداع؛ حين يتوسط الإلغاز والإعجاز؛ تقرأ فتحس أنك تألف، وتألف فتثق أنك تعرف، وتعرف ثم لا تستطيع البيان.
(2)
** في كتاب (الأصدقاء) استعاد المقالح مجموعة من الرموز الثقافية العربية (التراثية والمعاصرة)، وكان منها حكايةُ (تماهيه) مع المعري في العزلة:
من لي بأني أقيم في بلد
أُذكرُ فيه بغير ما يجبُ
** يسير المعري في نصِّه بخُطى الخبير بنفسه، النائي عن العُجبْ بالذات وادعاء التجليات:
أقررت بالجهلِ وادعي فهمي
قومٌ فأمري وأمرهمْ عجبُ
والحقُّ أني وأنهم هَدَرٌ
لستُ نجيباً ولا همُ نجبُ
** وهنا يقول المقالح:
أيُّ فضاءٍ هوَ القلبُ - قلبُكَ
تسكنُهُ الكائناتُ؟
وكيفَ اعتزلتَ وفيكَ جميعُ البلادِ
وحررَّتَ نفسَكَ منْ صخبِ الخوفِ
منْ كمدٍ يعتريكَ
ومنْ وحشةٍ لا تراها؟
لَكَمْ كنتَ في وحشةِ اللَّيلِ عذباً
تعانقُ صبحاً بعيداً
وتستقبلُ الطعناتِ
بسخريّةٍ مُرَّةٍ
وبقلبٍ شفيفْ!
(3)
** كذا نقرأ المقالح إنساناً هادئاً، هانئاً، لا تروعه الظنون، يتوجه إلى الله:
غيرك في الوجود لا أحد
يا سيد الزمان والمكان
لا شريك، لا ولد
أنت الجمال والكمال والسلام والصمد
......
الناس في كبد
والأرض - يا سيدها - تبدو وحيدة بلا سند
وليس للحب مكان في صحارانا
ولا بلد
الياسمين راحل، وليس
غير القحط والبرد
(4)
** كذا تبدو الصورةُ القاتمة لتبددها عند شاعرنا مناجاةُ الله جل شأنه:
إلهي
أعوذُ بكَ الآنَ منْ شرِّ نفسي
ومنْ شرِّ أهلي
ومنْ شرِّ أصحابيَ الطيّبينَ
ومنْ شرِّ أَعدائيَ الفقراءِ إلى الحبِّ
منْ شرِّ ما صنعَ الشِّعْرُ
منْ شرِّ ما كتبَ المادحونَ
ومنْ شرِّ ما كتبَ الحاقدونَ،
أعوذُ بِكَ اللَّهُ منْ أرقٍ في عيونِ النُّجومِ
ومنْ قلقٍ في صدورِ الجبالِ
ومنْ خيبةٍ في نفوسِ الرِّجالِ
......
إلهي
وقد سكنَ اللَّيلُ
وانكفأتْ تحتَ صمتِ الظلامِ
البيوتُ
وأورقَ حزنُ الشَّوارعِ
هل لي إذا انكمشَتْ داخلَ الجسمِ روحيَ
واختبأ الحُلْمُ في صَدَفِ الدَّمعِ..
هل ليَ خلفَ المدى توبةٌ تصطفيني،
ونافذةٌ تحتويني؟
وهل للكلامِ المحوَّطِ بالسِّرِّ،
أنْ يفتدي وحشةَ الغابِ
أنْ يمنحَ القلبَ شيئاً منَ الضَّوءِ،
شيئاً منَ الصَّلَواتِ
تُطَهِّرُ هذا الكيانَ العتيقْ،
وتغسلُ عنهُ سوادَ الخطيئةِ
تغسلُهُ منْ بقايا الجنونِ
ومنْ مَوَجاتِ الحريقْ.
(5)
** وفي هذا العدد نقدم الدكتور المقالح مُبدعاً وباحثاً وناقداً كعادتنا مع الرموز المحلية والعربية الذين يستحقون الاحتفاء بما قدموه من عطاءات وفق المعايير الفنية والإبداعية؛ فظللنا نقرأ نتاجهم ونُقرئه ولا شأن لنا بما دون ذلك أو بعده.
* الإبداع فهم وتفهّم.