ثقافة الإنترنت.. ما لها وما عليها قاسم حول*
|
اثنان من الطلبة يدرسان علم الكومبيوتر حققا برنامجا فريدا من نوعه ونظما موقعا، قدما من خلاله خدمة معرفية لا تضاهى بحيث يستطيع المرء عبر هذا الموقع الوصول إلى كل ما يريد من المعرفة والعناوين على هذا الكوكب وفي كل اللغات.. أصبحا ليس من أصحاب الملايين ولكن من أصحاب العطاء الإنساني.
هذا العلم الجديد تم استخدامه إيجابيا من قبل اثنين من الطلبة يتميزان بالوعي والهدف النبيل.
وتتنوع المواقع على شبكة الإنترنت العنكبوتية، وأصبح كل فرد وكل مؤسسة وكل جماعة وكل جمعية لها موقع على هذه الشبكة حتى صعب الحصر والتعداد.
ولمواقع الإنترنت مخاطر كبيرة إذا اتسعت بدون رقابة وبدون مسئولية. والغرب نفسه مع دقة قوانينه وتقنية المراقبة التي يمتلكها، لا يستطيع ولم يستطع حتى الآن السيطرة على ظاهرة المواقع العنكبوتية.
عائلات كثيرة أفلست بسبب المواقع العنكبوتية وضاع منها كل ما وفرته لنائبات الدهر وطوال حياتها. لا أحد يعرف كيف يدخلون على حسابات العائلات والأفراد في المصرف ويسحبون أرصدتهم. مواقع تحمل اسم شركات اللوتو تبلغ الأشخاص عبر بريدهم الإلكتروني عن فوزهم بجائزة بسبب رقم المنزل ويطلبون بعض المعلومات وأرقام الحسابات لإيداع الجائزة وسرعان ما تختفي أرصدة الشخص من المصرف.
صبايا صغيرات قادتهن المواقع العنكبوتية إلى مزالق وتم اختطافهن وبقي الوالدان أسرى الحزن والدموع ما بقيا أحياء. شباب وقعوا أسرى المخدرات.
هذه الثقافة، ثقافة الإنترنت في حديها السلبي والإيجابي يعاني منها الآن المواطن في الغرب، المكان الذي انطلقت منه وتأسست فيه شبكة الإنترنت، فكيف بالمواطن العربي الذي يمشي خاويا بسبب غياب العملية الثقافية وعملية التوعية وهو وسط هذا العالم المخبول؟!.
لقد دخلت ثقافة الإنترنت لتقضي على ثقافة التأمل وعمق المفهوم الثقافي الذي يجمل الصورة الإنسانية وصورة الحياة وحلت محلها ثقافة مسطحة.. ثقافة معلومات تقدم بدون مسئولية ويتلقاها المواطن كحقيقة مسلم بها.
في الغرب تقابل الشبكات العنكبوتية شبكات صيد لمراقبة ذات هدف خاص تاركين الفوضى تفعل فعلها في صفوف الشباب والصبايا.
لا شك أن غياب وعي التلقي يلعب دورا سلبيا في إنجاح الجانب السلبي من ثورة المعلومات عبر الإنترنت. وعي التلقي هذا لا يأتي بقرار فحسب، بل انه يتسم القرار بمنهج وخبراء يضعون أسس نشر المعرفة العميقة منذ الصف الأول ومنذ الدرس الأول الذي تتزامن فيه التقنية مع معرفة المعلم والأستاذ والبروفسور. يسيرون سوية وتخضع بعد ذلك كل المواقع إلى رقابة واعية وليست رقابة ما يطلق عليه الحد من حرية التعبير وحرية التلقي.
إن ترك الأمور للمطلق وليس للنسبية هو شأن خطير على مستقبل الأجيال والأوطان، فنحن نعيش وبشكل خاص في هذه المرحلة، نعيش في حقبة من الزمن سوف تنقلب فيها موازين وقيم وتهدد حضارات مادية وروحية كما تهدد الجغرافيا مثل ما يتهدد التأريخ، وتهدد الثروات مثل ما تهدد خزائن المعرفة والإرث الإنساني.
إن عالم الغرب الذي يأخذ على الشرق سجن الحريات قد أنجز في هذه الفترة بطاقة شخصية وجواز سفر يتكلم بالذبذبات وهو في جيوبنا وداخل المحفظة، سيعطي وحده الإشارات لأية نقطة تفتيش أو سيارة شرطة مارة في الشارع أن المدعو فلان الفلاني يحمل هوية أصيلة وغير مزورة وهو يسكن في الشارع الفلاني الذي يحمل الرمز البريدي كذا، فدعوه يمشي سالما لا يخضع للسؤال والجواب.
يشعر الإنسان أنه يمشي عاريا في الشارع. ومسألة التعري ليست مجازية بل هي حقيقية أيضا ستكون عندما يقر البرلمان البريطاني تقنية التفتيش في المطارات التي تجرد المسافر من ملابسه عبر الأجهزة الكاشفة.
هذه الرقابة هي أشد أشكال الرقابة الإنسانية ظلما على الحريات الشخصية. أليست هذه رقابة أقسى بكثير من رقابة النصوص الأدبية؟! وأقسى بكثير من رقابة شرائح الفيديو والأشرطة السينمائية؟!
إن الغرب الذي منح الحريات بدون قيد أو شرط بنى في ذات الوقت سجونا من المراقبة فالمسافر في المحطات ينتظر قطاره وهو تحت مراقبة الكاميرات. صار يحرج أن يمد يده إلى حقيبة السفر الصغيرة ليخرج حبة من التفاح، فيشعر أن عين الرقيب ترقب حركته. وهناك شبكة الشبكات التي تلتقط الرسائل والمكالمات وحتى الهواتف الخلوية حيث يراقبها مترجمون فوريون ما أن تصطدم الشبكة بواحدة من المفردات المشبوهة أو أرقام مشكوك فيها أو تعداد مالي مليوني وما فوق.
إن مواقع الإنترنت العنكبوتية في منطقة الشرق الأوسط يصعب حصرها، وصارت مثل سيف الرقيب الحاسد الغشاش يخضع لنزوات ووعي صاحب الموقع ومصلحته بحيث يصب غضبه على أي مسئول بكتابات تخلو من الذوق والعرف والمستوى، وخرجت هذه الظاهرة من المواقع العادية للمواطنين إلى المواقع الأدبية والفنية، فنشأت ما تشبه الحروب الصغيرة والكبيرة وضاعت مقاييس النقد حتى بات المواطن يخاف أن يصبح في موقع المسئولية أو أن يدخل دائرة الشهرة.
الغرب غرب والشرق شرق ولذا ينبغي إعادة النظر في المناهج التربوية لما ينسجم والعصر ولكن بما ينسجم والعرف والإرث حتى لا نسقط في شبكة العولمة!.
* سينمائي عراقي مقيم في هولندا
sununu@wanadoo.nl
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|