جاءت سلطته من الحب عبد السلام بن إبراهيم الحميد
|
يمكن اختصار سيرة (أبي صالح) أو الدكتور محمد صالح الشنطي في كلمة واحدة فقط.. الحب.. فهذا الرجل أحب حائل والمملكة، فأخلص لثقافتها، وقدم مشروعه الثقافي لها بكل الحب والتفاني، وقدم نفسه لشبابها كمعلم صديق أب، فلم يتعال عليهم، ولم يمارس سلطة معرفية أو أبوية أو حتى سلطة الأستاذية بل حكمت علاقاته كلها سلطة المحبة.
أخذت علاقته بتلامذته وأصدقائه أبعاداً إنسانية اجتمع فيها العلم والمعرفة بالأستاذية، والتواضع الصادق بحب الناس، فلم يتعال يوماً على طالب ناهيك بزميل، ولم يدع يوماً إلى ممارسة فكرية أو ثقافية على أي مستوى من المستويات يمكن الاختلاف عليها، وأشهد أنني شخصياً خلال تجربتي معه سواء في النادي الأدبي بحائل، أو في نادي القصة بحائل، واستطاع أن يقنعني كما أقنع الآخرين كافة بأستاذيته رغم أني لم أكن من طلابه المباشرين في الكلية، وكانت دراستي في جامعة أخرى.
جذبتني كما جذبت كافة الشباب الذين تعاملوا معه طبيعة الأب البسيط المتواضع عن علم، والكريم عن رغبة في الفعل، دون أن يمارس سلطة البطريرك العمرية أو المعرفية، فقد تعامل مع الجميع بندية أشعرتهم باحترامه لهم، فاحترموه بصدق ودون خوف، وأجلوه عن تقدير لقيمته وليس وجلاً من مكانته حين قدم له خبرته الأكاديمية كما الثقافية بأريحية وصدق، ولم يترفع يوماً عن المشاركة في أي فعل ثقافي دعي له سواء كان فعلاً رسمياً أو غير رسمي أياً كان مستوى هذا الفعل إلا واستجاب للدعوة بأريحية نفس وكرم طبع وطبيعة، وكان قادراً بمجرد تواجده أن يساهم في الارتقاء بما يدور من فعاليات، وأن يضفي عليها من علمه وثقافته ما يسعد الجميع ويثري معارفهم.
لقد قدم الرجل جل حياته لمشروع ثقافي سيبقى في تاريخ المملكة الثقافي باعتباره مشروع التوثيق والتأريخ الأكثر شمولاً للثقافة الأدبية السعودية عبر مرحلة تقارب القرن، تناول فيه أشكال الإبداع الأدبي السعودي بدأب ودقة باحث عالم لم تشغله يوماً الأرباح، وكان يمكنه الحصول عليها لو ساوم، واكتفى بالعمل العلمي بصبر عالم حقيقي، عبر عن حبه لهذا البلد وثقافته بشكل عملي، يتكسب رزقه من عمله كأستاذ جامعي، ولم يسع كما فعل غيره للتجارة بثقافته أو إنتاجه الفكري، كما عبر عن حبه لحائل بإصرار عنيد على البقاء فيها ما بقي في المملكة، رغم الإغراءات الكثيرة التي قُدمت له للعمل في أماكن كثيرة سواء داخل المملكة أو خارجها.
أبا صالح.. أحباؤك تتوزعهم مشاعر الشجن والمودة فقد كنت أكثر من صديق، أو معلم أو أستاذ، فكنت للصغار أباً لم يتسلط، وللكبار صديقاً لم يختلفوا عليه حتى وإن اختلفوا معه، وها أنت وقد حانت رحلة المغادرة نكتشف أننا نحن المغادرون لا أنت.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|