من المشهد الثقافي السعودي حسين بافقيه
|
كان الناقد الدكتور محمد صالح الشنطي صانعًا أساسيًّا من صُنَّاع المشهد الثقافيّ والنَّقديّ في المملكة العربيَّة السعوديَّة، واستطاع خلال ما يقرب من ثلاثين عامًا أنْ تشمل دراساته وبحوثه أوجه النَّشاط الأدبيّ في القصة القصيرة والرواية والشعر والنقد، وامتدّ أثره إلى أجيال تدين له بالاحترام والتقدير، ولاسيَّما نفر من كتَّاب القصة القصيرة السعوديّين، هذا الفنّ الذي استأثر بجانب كبير من عمله النَّقديّ.
والدكتور محمد صالح الشنطي باحث أخلص للعلم والبحث والتأليف، ولك أنْ تعرف أنَّ نشاطه التأليفيّ انطوى على مجالات مختلفة في العمل الأدبيّ، في تاريخ الأدب العربيّ القديم، حين أخرج غير كتاب عن الآداب العربيَّة في العصور الخوالي؛ وفي الشعر، وقد خصَّه بمؤلفات شتَّى لعلّ من أهمَّها وقوفه على الشعريَّة العربيَّة الحديثة في المملكة (في ثلاثة أجزاء)، وفي الرواية وقد وضع في ذلك كتابًا يعدّ الآن من كلاسيكيَّات الأعمال النقديَّة، وفي القصة القصيرة، والمشهد النقديّ وسوى ذلك من معالم الحياة الثقافيَّة في المملكة.
ولأنَّه رجل تربية وتعليم فقد أحسن إلى طلابه وتلاميذه في كليَّة المعلِّمين في حائل حينما أخرج لهم عددًا من المؤلَّفات في التحرير الأدبيّ، وأسهم، بنشاط منقطع النَّظير، في تحرير عدد من النَّدوات التي عرفْنا من خلالها كليَّة المعلِّمين في حائل التي لم تكن لتُعْرَف لولا هذا الأستاذ القدير الذي لم تستهْوِه المدن الكبرى كالرياض وجدَّة، وآثر أنْ يكون على مقربة من جبلَيْ أجأ وسلمى، وأنْ يحيا في المواطن التي دَرَجَ في مسالكها حاتم طيِّئ، وأنْ يتعرَّف إليه المثقفون السعوديّون، وبخاصة المنتمون إلى حركة الحداثة، إبَّان صعود ذلك التيَّار، وأنْ يعرفوا له نزاهتَه وحدبه، ورعايته لأجيال من الأدباء الشبَّان.
ولم يكن الدكتور محمد صالح الشنطيّ ممَّن تستهويه الشعارات النَّقديَّة والصَّرعات الأدبيَّة التي هرول إليها بعض النقَّاد، فلقد كان الرجل على معرفة طيِّبة بمناهج النقد الحديثة، وكان بطبعه أميل إلى الاتجاه الواقعيّ في الأدب والنَّقد، ولكنَّه مع ذلك لم يعانِ من الأمراض العقائديَّة التي ابتُلِيَ بها نفر من المثقفين، فالشنطيّ الذي عُرِف بدراساته الطيِّبة في القصة والرواية والشعر والنقد (الحداثيّ) في المملكة، هو الشنطيّ الذي أنفق شطرًا من عمره في دراسة (الأدب الإسلاميّ)، وأخرج كتابًا في هذا الباب، ولم يسبِّب له ذلك قلقًا، ولم يُشْعرْه بفصام في الذَّات كما يحدث لنفر من المثقفين الحداثيّين، ولكن الشنطيّ، بكل يسْر، كان صادقًا مع نفسه، ولم يكن مصابًا بأمراض المثقفئين، فكتب ما يعتقد صحَّته، ولم يكن ليعبأ بدعاوى التحزُّب الفكريّ أيًّا يكن مصدرها.
تحيَّة ملؤها الحبّ والوفاء لهذا الرجل الكبير الذي قدَّم للثقافة في المملكة العربيَّة السعوديَّة، والذي أحبّ هذه البلاد فوقف حياته ?مدَّ الله في عمره على التعريف بثقافتها، والتنويه بأدبها وأدبائها، وكان، بحقّ، أنموذجًا فذًّا للباحث الذي يعمل، ويكدح في سبيل الثقافة العربيَّة.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|